العنوان هنا
دراسات 04 فبراير ، 2016

اتفاقية المناخ الدولية والطلب المستقبلي على النفط

علي مرزا

​خبير اقتصادي، اكتسب خبرة واسعة في قضايا إعادة الهيكلة والإصلاح الاقتصادي والتخطيط واقتصاد النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وله اهتمام خاص بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والبنى المؤسسية والسياسات التنموية، في العراق والدول العربية الأخرى المنتجة للنفط. ولقد نشر بحوثًا ومقالات وقدّم أوراقًا، حول العراق وحول هذه المنطقة، في مجلّات علمية وعامة وفي مؤتمرات مهنية، بالعربية والإنكليزية. كما نشر كتابًا بالعربية عن ليبيا في 2012. وخلال الفترة من 2010 إلى بداية 2015، نشر بكثافة في موقع "شبكة الاقتصاديين العراقيين" الإلكتروني بحوثًا مهنية، بالعربية والإنكليزية، عن الاقتصاد العراقي، وشارك مشاركة موسعة في النقاشات المتعلقة بمختلف القضايا التي تخصّ الإدارة الاقتصادية والنفطية العراقية، في منتدى الشبكة. ولقد عَمِل سابقًا في وزارة النفط والتخطيط العراقية، وكبير مستشارين في قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة. وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بيرمنغهام البريطانية.

أولًا: الاتفاقية

بعد سلسلة من المبادرات منذ سنة 1992، بخصوص الحدّ من انبعاثات غاز البيت الزجاجي Greenhouse gas emissions، المسببة لارتفاع حرارة الجو في العالم، جرى التوصّل في باريس في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2015 إلى اتفاقية بهذا الشأن، ضمن إطار اتفاقية تغير المناخ الدولية التابعة للأمم المتحدة، بحضور ممثلي 195 دولة، ومنظمات دولية. وتهدف هذه الاتفاقية (التي سنطلق عليها اسم "اتفاقية باريس") إلى حصر ارتفاع متوسط درجة الحرارة في العالم، بحلول سنة 2100، بأقل من سقف o2 مئوية مقارنة بمستويات قبل - التصنيع، وتكييف مجتمعات العالم للتعايش مع الاختلال المناخي الحالي. ولالتزام هذا السقف، فإنّ انبعاثات غاز البيت الزجاجي ينبغي أن تقلّل بالمدى 40-70% مقارنة مع سنة 2010. مع العلم أنّه في ظل استمرار الاتجاهات الحالية للانبعاثات (2000/2010)، فإنّ الارتفاع في متوسط الحرارة العالمية سيصل إلى معدلات مدمرة تبلغ o3.7- o4.8في 2100 (انظر الشكل 1).

ويمكن إجمال أهمّ الخطوط العامة للاتفاقية، في ما يلي:

  1. هدف طويل المدى لتقييد التسخين العالمي، global warming، بسقف o2 مئوية أو قدر الإمكان o1.5 بحلول سنة 2100. وللوصول إلى هذا الهدف قضت الاتفاقية أنّ على الدول التزام سقوف للانبعاثات، لكلٍ منها، "بأسرع ما يمكن ثم تحقيق انخفاضات سريعة بعد ذلك بما تُمكنه الطرق العلمية المتاحة". مع ملاحظة أنّ التزام السقوف سيستغرق وقتًا أطول في الدول النامية.
  2. تقديم وعود وطنية لتخفيض الانبعاثات. قبل المؤتمر وأثناءه، قدمت 186 دولة ما يسمّى "مساهمات مخططة محددة وطنيا"، Intended Nationally Determined Contributions (INDCs). وتمثّل المساهمات وعودًا (pledges) من هذه الدول لتقييد الانبعاثات أثناء عشرينيات هذا القرن في طريق الانتقال إلى الحياد في انبعاث الكربون carbon neutrality في النصف الثاني من القرن. وحين تصدّق الدولة على الاتفاقية تصبح ملزمة (معنويًا؟) بتطبيق الوعود واتباع إجراءات تخفيفية mitigation measures لتطبيق أهداف الاتفاقية.
  3. خطة لحفز الدول للوعد/ المساهمة بتخفيض أكبر للانبعاثات من خلال تحسين مساهماتها المخططة كلّ خمس سنوات. ولقد قُدِرَ أن يؤدي تنفيذ الوعود/ المساهمات الوطنية إلى زيادة في الحرارة العالمية قدرها o3-o2.7 مئوية. لهذا فإنّ جزءًا أساسًا من الاتفاقية هو تفعيل آلية لحفز الدول للوعد بتخفيض أكبر في المستقبل بغية التزام سقف o2 مئوية بحلول 2100. وتنقسم الآلية إلى مرحلتين. المرحلة الأولى، غير ملزمة، وتنطوي على دعوة الدول لمراجعة وعودها/ مساهماتها قبل 2020. أما المرحلة الثانية، "الملزمة"، فهي تغطّي ما بعد 2020. وهي تلزم الدول بتقديم وعود/ مساهمات INDCs جديدة كلّ خمس سنوات. وينبغي أن يمثّل كلّ وعد جديد تقدّمًا على ما قبله ويعكس أكبر طموح ممكن بهذا الشأن. وسيكون الهدف إيقاف استخدام الوقود الأحفوري fossil الأكثر تلويثًا للبيئة.
  4. تنصّ الاتفاقية على أنّ الدول المتقدمة (كما حُدِدت في اتفاقية تغير المناخ الدولية 1992، وهي دول OECD كما كانت في 1992) ستستمر في مساعدة الدول النامية ماليًا بشكل قروض وإعانات (بحدود 100 مليار دولار سنويًا حتى 2025 لتزداد بعد ذلك) للتحوّل نحو مصادر الطاقة المتجددة والتعامل أيضًا مع تبعات التغيّر المناخي. كما دعت الاتفاقية دولًا صاعدة/ نامية مقتدرة لتقديم المساعدة المالية اختياريًا.
  5. خطة لمراقبة التزام الدول وعودها وتحقيقها. تنطوي اتفاقية باريس على عملية جرد في 2020 وكلّ خمس سنوات فيما بعد لتقييم التقدّم لتحقيق أهداف الاتفاقية، ولتشجيع الدول لتقديم وعود بتخفيض أكبر للانبعاثات. وترسم الاتفاقية خططًا لهيكل جديد للشفافية للتحقق من أنّ الدول تنفّذ وعودها بغية إلزامها بالتنفيذ وإعلام "سجل الجرد" بذلك. وعلى الدول أن تفصح عن مخزون الانبعاثات والمعلومات؛ وذلك لمتابعة مدى تنفيذ وعودها/ مساهماتها الوطنية. كما أنّ على الدول المتقدمة تقديم بيانات عن التمويل الذي قدّمته، وذلك الذي تحشده. وسيكون كلّ ذلك خاضعًا لمراجعة خبراء فنيين للتحقق من التقدّم ولتشخيص المجالات التي ينبغي تحسينها. ولكن، في الوقت ذاته، سينطوي هيكل الشفافية على مرونة تقلّل العبء الناجم عن محدودية قابليات الدول النامية.