غلاف كتاب "الهويات المتشظية وشتات النخب على تخوم العالم الإسلامي"
مراجعات 24 يناير ، 2024

مراجعة كتاب: الهويات المتشظية وشتات النخب على تخوم العالم الإسلامي

حسن حافظي علوي

​أستاذ تاريخ المغرب وحضارته في العصر الوسيط بجامعة محمد الخامس بالرباط، وأستاذ زائر في معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية.

عنوان الكتاب: الهويات المتشظية وشتات النخب على تخوم العالم الإسلامي (من أواسط القرن 5ه/11م إلى نهاية القرن 9ه/15م) مساهمة في إعادة رسم جوانب من خارطة "العصر السني" في الإسلام الوسيط.

المؤلف: لطفي بن ميلاد.

الناشر: تونس: مسكيليانى للنشر والتوزيع.

سنة النشر:.2021

عدد الصفحات: 207 صفحات.

يقع الكتاب في 207 صفحات من القطع 24/ 17، ويحتوي على خريطتين وأربعة جداول بأسماء العلماء المغاربة الذين هاجروا إلى المشرق، والأدوار التي قاموا بها في مجال التدريس والقضاء، وهو من تأليف المؤرخ التونسي لطفي بن ميلاد، أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بجامعة منوبة، تونس.

إشكالية الكتاب وموضوعه

يعالج هذا الكتاب موضوع هجرة النخب بالعالم الإسلامي في فترة سماها المؤلِّف "العصر الوسيط المتأخر الطويل"، قياسًا على تسمية: "العصر الوسيط الطويل" أو "العصر الوسيط الممتد" التي نحتها جاك لوغوف Jacques Le Goff في تحقيبه للتاريخ الأوروبي في العصور الوسطى، للدلالة على فترة تمتد لألف سنة ونَيِّف، تبتدئ بسقوط روما في أيدي القبائل الجرمانية، وانهيار الإمبراطورية الرومانية سنة 476م، وتنتهي بدخول الجيوش العثمانية مدينة القسطنطينية، عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، بقيادة محمد الفاتح في جمادى الأولى 857هـ-أيار/ مايو 1453م، بحسب بعض المؤرخين، وقد تمتد، بحسب مؤرخين آخرين، إلى سنة 897ه/ 1492م، تاريخ سقوط غرناطة في يد القشتاليين، وتسلم الملكين الكاثوليكيين إيزابيلا Isabella وفرديناندFerdinand مفاتيح قصر الحمراء من يد أبي عبد الله محمد بن الأحمر، آخر سلاطين بني نصر. وتسمى هذه المرحلة عند المستشرقين عصور الانحطاط، وهي تسمية تشي بحكم قيمة وتحامل لا خفاء فيهما، وتحتاج من ثمّ إلى كثير من التنسيب. وقد تحاشى المؤلِّف استعمالها في كتابه، واستعاض عنها بتسمية بديلة هي عصر تفكك الإسلام القرطبي – الصقلي - القيرواني بالنسبة إلى المغرب، وعصر انهيار الإسلام القاهري – الدمشقي - البغدادي بالنسبة إلى المشرق (ص 16).

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المؤلِّف لم يتبن، حرْفيًّا، التحقيب الأوروبي المشار إليه، بل جعل من منتصف القرن 5ه/ 11م نقطة بداية "العصر الوسيط المتأخر الطويل"، وجعل بداية القرن 10ه/ 16م نقطة نهايته، ليشمل هذا العصر ثلاثة قرون ونصفًا فقط بدلًا من العشرة قرون ونيّف المتعارف عليها في التاريخ الأوروبي. وبرر اختياره لهذا التحقيب الجزئي بما شهده العالم الإسلامي في هذه المرحلة من تطورات لافتة ذات طابع هيكلي في المركز، ودوري ظرفي ومحلي في التخوم. وتتمثل هذه التطورات أساسًا في سقوط نظام الخلافة في المشرق، وقيام كيانات سياسية جهوية، وانتقال مركز الثقل من العراق وبلاد فارس إلى مصر والشام في العصر المملوكي، واستفاقة أوروبا المسيحية وصعودها المتوثب، وتطاولها على دار الإسلام بالأندلس والشام، وهو ما بشر بتحولات جوهرية كرست مع توالي الأيام ميل ميزان القوى إلى صالح أوروبا وانكفاء العالم الإسلامي كما سنوضحه لاحقًا.

انطلق المؤلِّف في تحديد الإشكالية المركزية لكتابه من سؤال جامع عن العوامل المباشرة وغير المباشرة التي كانت وراء هجرة النخب من علماء وسياسيين وتجار، بالعالم الإسلامي، في الفترة الممتدة من أواسط القرن 5ه/ 11م إلى نهاية القرن 9ه/ 15م. ثم عززه بأسئلة فرعية عن علاقة هذه الهجرة بالأوضاع الاقتصادية والسياسية في المناطق الأصلية للمهاجرين ومناطق الاستقبال، وكيفية إسهام توحيد العالم الإسلامي على الصعيد المذهبي في تدفق النخب المغربية نحو المشرق، والظروف المحلية التي كانت وراء ذلك، والأدوار التي اضطلعت بها هذه النخب بعد حلولها بمستقرها الجديد.

وللإجابة عن السؤال المركزي والأسئلة الفرعية المرتبطة به، قسم كتابه إلى أربعة أبواب، خصص الأول منها لتفكك نظام الخلافة بالعالم الإسلامي، والثاني للظروف والملابسات التي جرت فيها هجرة النخب المغربية والأندلسية إلى مصر والحرمين والشام والعراق، والثالث لهجرة هذه النخب إلى المجال الخاضع للتركمان، والرابع والأخير للهجرة في الاتجاه المعاكس؛ أي هجرة المشارقة إلى بلاد المغرب والأندلس.



*هذه المراجعة منشورة في العدد 19 من مجلة "أسطور" (تموز/ يوليو 2023)، وهي مجلة محكّمة للدراسات التاريخية المتخصصة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا كل ستة أشهر.
** تجدون في موقع دورية "أسطور" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.