العنوان هنا
مراجعات 12 مايو ، 2022

قراءة في كتاب "الفكر التاريخي وتعلم التاريخ"

الأسس الإبستيمولوجية والديداكتيكية لتجديد درس التاريخ في المغرب

عبد العزيز الطاهري

باحث مغربي، يعمل أستاذًا للتاريخ المعاصر في كلية الآداب بجامعة محمد الخامس في الرباط.

المؤلف: مصطفى حسني إدريسي.

 عنوان الكتاب: الفكر التاريخي وتعلم التاريخ.

الناشر: الرباط: دار أبي رقراق للطباعة والنشر.

 سنة النشر: 2021.

عدد الصفحات: 330 صفحة.

مقدمة

ظل الفكر التاريخي المدرسي المغربي، على العموم، حبيس منظور بيداغوجي تلقيني يُعلي من شأن المعرفة على حساب مسارات إنتاجها. لهذا كانت تفصله هُوَة إبستيمولوجية ومنهاجية شاسعة عن الفكر التاريخي الأكاديمي الذي عرف تجديدات شملت بالخصوص مواضيعه ومناهجه ووظائفه، فاستبدل التناول الحدثي بالتحليل البنيوي، وانتقل من الوصف السردي إلى البناء الإشكالي الذي يسهم في فهم قضايا الحاضر انطلاقًا من منظور زمني.

ومن أهم الدراسات التي سعت إلى ردم هذه الهوّة كتاب الفكر التاريخي وتعلم التاريخ للباحث مصطفى حسني إدريسي؛ وهو أستاذ ديداكتيك التاريخ في كلية علوم التربية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في مستهل سنة 2021، وقد سبق أن نشر هذا الكتاب باللغة الفرنسية سنة 2005. وهو في أصله أطروحة دكتوراه دولة أعدّها في علوم التربية وديداكتيك التاريخ.

قدّم الكتاب منظورًا لمعالجة الإشكال المذكور آنفًا، يتسم بتفاعل مُثمر بين الأسس الإبستيمولوجية والمنهجية للتاريخ العام وبين ديداكتيك التاريخ المدرسي. وهو من المراجع الأساسية التي اعتمدت في رسم التصورات البيداغوجية والديداكتيكية لدرس التاريخ وأبعاده الإجرائية في التعليم المدرسي المغربي خلال العقدين الأخيرين. ويكتسي نقل الكتاب إلى العربية أهمية كبرى؛ ليس فقط على مستوى الإسهام في تعميم هذه التصورات في صفوف الجمهور الواسع من القرّاء باللغة العربية، بل أيضًا لدى مدرّسي التاريخ في المدرسة المغربية والأطر المتخصصة في بيداغوجيا هذه المادة وديداكتيكها، والمؤلفين فيهما، على نحو خاصّ؛ إذ من شأنها أن تسهم في تعميق الوعي بها وفهمها، مع ما يمكن أن يكون لذلك من انعكاسات، على مستوى تطوير الأداء المهني التعليمي أو على مستوى تعميق البحث البيداغوجي والديداكتيكي.

يتمثل موضوع الكتاب في تشخيص الحالة التي يوجد عليها درس التاريخ في المغرب، والإسهام في إعداد طريقة لتدريس هذه المادة وتعلّم الفكر التاريخي تقوم، من الناحية النظرية، على تحديد الأسس الإبستيمولوجية لمقاربة ديداكتيكية لهذا الفكر، وتقوم من الناحية العملية على وصف الواقع الميداني وتقديم مقترح لنقل ديداكتيكي له؛ وذلك من أجل الوصول إلى تعليم ينهض بالوظيفتين الانتمائية والنقدية للتاريخ، وإعداد التلميذ ليصير مواطنًا متمسكًا بالفكر النقدي، ومنفتحًا على الآخرين، ويبني هويته، ويختار انتماءه، ويستطيع النهل من الذاكرة أو التحرر منها.

تتمثل المقصدية التي نسجت خيوط هذا المؤلّف في اقتراح نقل ديداكتيكي للفكر التاريخي استنادًا إلى أسس إبستيمولوجية وبيداغوجية محددة تحديدًا واضحًا، للانتقال بهذا الفكر من وضعية غير مرغوب فيها تتمثل في عدم الاتساق الذي يعانيه الدرس التاريخي في المغرب بين هذه الأسس والممارسات العملية والديداكتيكية، والوصول به إلى وضعية مطلوبة يتحقق فيها الاتساق وتحل فيها مقاربة بيداغوجية بنائية، تتأسس على التكوين الذاتي للتلامذة. ويقوم فيها المدرس بدور الشخص - المنهل والميسّر - الذي يسهر على التكوين المنهاجي والذي يكون حريصًا على عدم مصادرة مبادرة التعلم، بدلا من مقاربة تقليدية تلقينية للمعارف (ص 23-28).

يفترض المؤلّف، في بادئ الأمر، أنّ ممارسة ديداكتيكية للتاريخ تتأسس على إضاءة تأملية ومنهاجية وإبستيمولوجية للفكر التاريخي، تيسّر تعلّم هذا الفكر وتنمّي موقفًا إيجابيًا لدى تلامذة التعليم الثانوي (ص 29). وعلى امتداد الطريق الذي سلكه المؤلّف للتحقق من فرضيته، ومن ثمّ بناء استنتاجات تجيب عن إشكاليته، ظل يدافع بقوة عن التاريخ الإشكالي، الذي يمر عبر مسار متعدد الأطوار؛ ليس في مجال البحث التاريخي الأكاديمي فحسب، بل على مستوى التاريخ المدرسي أيضًا، منطلقًا في ذلك من تحديد دقيق لموضوع التاريخ.


*هذه المراجعة منشورة في العدد 15 من مجلة "أسطور" (كانون الثاني/ يناير 2022)، وهي مجلة محكّمة للدراسات التاريخية المتخصصة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا كل ستة أشهر.

** تجدون في موقع دورية "أسطور" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.

** تجدون في موقع دورية "أسطور" خلال الفترة الحالية من جائحة كورونا جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.