صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب يوميات أكرم زعيتر: آمال الوحدة وآلام الانقسام (1949-1965)، في جزأين، يدوّن زعيتر في الجزء الأول منه يومياته ما بين عامي 1949 و1961، من وقائع ما بعد نكبة فلسطين عام 1948، وسعيه الدؤوب إلى تحقيق الوحدة السورية - العراقية، ومن ثم محاولاته لتحقيق الوحدة العراقية - الأردنية، مستعرضًا أبرز الأحداث التي وقعت خلالها انقلابات عسكرية، وثورات، ومقاومة الأحلاف العسكرية الاستعمارية، والوحدة المصرية - السورية، وصولًا إلى تخلّيه عن الجنسية السورية، والتحاقه بالعمل العام في الأردن ضمن الوفد الأردني في الأمم المتحدة عام 1961.
في حين يغطي الجزء الثاني من هذا الكتاب الفترة 1962-1965. وقد سبق للمركز العربي أن أصدر مذكرات أكرم زعيتر للفترة 1967-1970 في كتاب آخر بعنوان يوميات أكرم زعيتر: سنوات الأزمة 1967-1970.
يتألف الجزء الأول من هذا الكتاب (576 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من تسعة فصول.
في الفصل الأول، "عام 1949"، يتناول زعيتر أحداث ذلك العام من مداولات مع شكري القوتلي، وموقف الأخير من مشروع الدولة الفلسطينية، وفكرة توحيد القُطرين العراقي والسوري، واللقاء مع فارس الخوري، واغتيال حسن البنا، وحادثة باخرة السلاح الضائعة، وانقلاب حسني الزعيم، والاتهام في مؤامرة الألغام، ثم مداولات اتحاد القُطرين العراقي والسوري، وتعيين عادل أرسلان وزيرًا، وقبول إسرائيل عضوًا في هيئة الأمم المتحدة، والمضبطة النيابية لتأييد وحدة القُطرين، واللقاءات في القاهرة عن فلسطين واتحاد القُطرين، ومفاوضات الهدنة، وتعيينه مستشارًا للوفد السوري في جامعة الدول العربية، ومعارضة الحاج أمين الحسيني للوحدة بين سورية والعراق، وقرار تدويل القدس، والانقلاب الثالث في سورية.
وعن قرار تدويل القدس، يتذكر من يوم 10 كانون الأول/ ديسمبر 1949: "جاءت أنباء الصباح تحمل نبأ قرار الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة تدويل القدس، وقد سألني العظمة رأيي في هذا، فعلقت على القرار بحديث أضيف إليه الآن أنني أشعر بأن الأمة العربية قد أضاعت الأمانة، وفرّطت بها؛ إذ تنازلت عن حقها في سدانة الأماكن المقدسة، وحراستها وحمايتها. أضف إلى ذلك، أن في التسليم لتدويل القدس تسليم بعدم قدرة العرب على استردادها. إن روح عمر بن الخطاب، وروح صلاح الدين، تتألمان في ما فرطنا في حق التراث العظيم الذي ورثناه. وأما إسرائيل، فأعتقد أنها ستناضل لتستولي هي على القدس، وأعتقد أنها ستقاوم فكرة التدويل بكل وسائل المقاومة، وسيكون سلاح الإرهاب رادعًا لمن تحدّثه نفسه بقبول مطلب المندوب السامي لهيئة الأمم المتحدة في القدس".
وفي الفصل الثاني، "عام 1951"، يتذكر زعيتر لقاءه مع الأمير فيصل بن عبد العزيز، ولقاءه مع شكري القوتلي في مصر مجددًا، ومحادثات اتحاد العراق والأردن، وتكليفه مهمة في العراق، وهجرة يهود العراق إلى فلسطين، وتتويج طلال ملكًا للأردن، ورأي توفيق أبو الهدى في الاتحاد. وعن هذا الرأي يقول زعيتر: "لقيت توفيق أبو الهدى باشا، رئيس الوزارة الأردنية، وتحادثنا وحدنا طويلًا، وأذكر ما قاله لي: إن حديثك في فلسطين قد بعث آمالًا وأثار مخاوف، قلت كيف ذلك؟ وهل أسأت فيه بحيث أثار المخاوف؟ قال: أنا رجل صريح، فلو كنت أسأت لقلت لك ذلك، ولكنك لم تُسئ. أما الآمال، فقد اعتقد الناس أن هناك مشاريع جدية للاتحاد سبقت وفاة الملك عبد الله، مع أنها لا تعدو ما في الاتفاقيات عادة، ولعل في الاتفاقية الأردنية – العراقية ما يشمل معظم ما ورد في المشاريع التي أشرت إليها في حديثك. وأما المخاوف، فقد جاءني، في اليوم التالي لظهور حديثك في الصحف، أكثر من وزيرين مفوضين يسألانني عن صحة ما ورد في الحديث. والواقع أنني مضطر الآن إلى العمل للاستقرار وتطمين الدول العربية، وقد أرضيت مصر. ولو قرأت برقية الأمير فيصل السعودي، لأيقنت أنني أرضيت السعوديين كذلك. ثم إن العراقيين لم يطلبوا إليّ شيئًا".
أضاف زعيتر: "قلت له: لقد أطلعوك على المشاريع التي قد وُضعت في عهد الملك عبد الله، وفيها، ولا سيما الأخير، ما يُعتبر خطوة قوية نحو الاتحاد الحقيقي. قال: مسألة توحيد العرش، وهذه انتهت الآن. وأما الاتحاد فمتروكٌ إلى نتائج مفاوضات تستمر خمس سنوات. قلت: ولكنّ في المشروع أمورًا يجب أن تتم فورًا، وهي من الأهمية بمكان. قال: ولكنها لا تكفي، على أنني سوف أعلن سياسة حكومتي غدًا في البرلمان، وسوف أشير إلى أننا نرحّب بالاتحاد مع أية دولة عربية. قلت: وفقكم الله للسداد. وقد لحظت من حديث أبي الهدى أنه لا يصل إلى صميم الموضوع، وبتّ أخشى أن يأتي بيانه غدًا مثبطًا للعزائم، مضادًا لما نفكر فيه".
وفي الفصل الثالث، "عام 1953"، يتحدث زعيتر عن التعويضات الألمانية لإسرائيل، وتراجع مصر عن مقاطعة ألمانيا، واللقاء مع أديب الشيشكلي، وضعف الجيش العراقي، واللقاء مع الملك فيصل الثاني.
وعن تراجع مصر عن مقاطعة ألمانيا، يتذكر زعيتر من يوم 16 كانون الثاني/ يناير 1953: "في العاشرة والنصف، كنت مع الأستاذ عوني عبد الهادي في زيارة الدكتور محمد صلاح الدين باشا في بيته في المعادي. ترحيب، وتبادل السؤال عن الصحة والأحوال. عوني يشرح تراجع مصر في اللجنة السياسية عن مقاطعة ألمانيا، والقرارات التي اتُخذت، و[زعمت] مصر، بلسان وزير خارجيتها محمود فوزي، أن شيئًا جديدًا طرأ على الموقف، هو معرفة أن اتفاقية التعويضات بين ألمانيا وإسرائيل ستُبرم لا محالة، وأن ألمانيا مستعدة للدخول في مفاوضات لترضية العرب، فتقرر بناءً على إلحاح مصر أنْ تدخل دول الجامعة [العربية] في مفاوضات مع وفد ألماني سيقدم قريبًا للقاهرة لهذه الغاية. وكان اقتراح مصر أن تفاوض الدول العربية الوفد المذكور للترضية على انفراد. وفي هذا ما فيه من خطر، ولكن تقرر عكس ذلك، أي أن تكون المفاوضة على وفد عربي موحد، ويبدو لعوني أن مصر عدلت عن المقاطعة، وأن التراجع قد تم من قبل اللجنة السياسية، وهذه هي الكارثة".
وفي الفصل الرابع، "عام 1956"، يتذكر زعيتر التظاهرات في الأردن، وإعلان الدستور المصري، وطرد رشيد عالي الكيلاني، والمواقف العربية من تأميم قناة السويس، وتوجه فرقة عراقية إلى الأردن، وعرقلة نوري السعيد، ثم العدوان الثلاثي على مصر الذي يقول عنه، متذكرًا من يوم 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1956: "هذا اليوم هو ذكرى وعد بلفور الـ 39، وإنه ليحزّ بالنفس ويرمض الفؤاد أن يعود بنحسه على الأمة العربية وهي تواجه محنة شديدة، لم تمرّ بمثلها قساوةً وسوءًا في تاريخنا الحديث كله. لقد كان من أبشع آيات النحس والشؤم في هذا اليوم أن نعلم أن القوى الإسرائيلية المجرمة قد استولت على مدينة غزة، بعد استيلائها على مدينتَي رفح والعريش. وهكذا، نرى أننا بدلًا من أن ندمّر إسرائيل، وأن نعفي أثرها بفضل استعداد محكم منظم في ثماني سنوات، يصفعنا الدهر صفعة لا أدري متى نستفيق من هولها". ثم يضيف: "إن جريمة بريطانيا وفرنسا في مظاهرتهما إسرائيل في هذا الاجتياح الغادر اللئيم، لما يحفز العرب إلى الحقد العميق عليهما، والعمل الموصول في قراعهما، ولكن مسؤوليتنا نحن العرب عما نزل بنا، وتبعتنا في ما يحيق بنا، مما أوقن به. وقد دلّت الأحداث على أننا نحن أبعد الشعوب عن الاعتبار بالحوادث، والاستفادة من الدروس، وإلى أننا لا تعلّمنا الكوارث".
وفي الفصل الخامس، "عام 1957"، يتناول زعيتر المحاكمات العسكرية في دمشق، ووضع الأردن في أثناء العدوان الثلاثي على مصر، والمطالبة باستقالة نوري السعيد، والمعونة العربية للأردن بدل البريطانية، واللقاء مع صلاح البيطار، ورفض دعوة القوتلي، وإقالة الوزارة الأردنية، وتفتيش بيته في نابلس، وسحب المجموعة السورية، ورد معاملة التخلي عن الجنسية السورية، والعرض الحكومي الذي تلقّاه، واللقاء مع الملك حسين.
وعن المحاكمات العسكرية في دمشق، يقول زعيتر عن يوم 9 كانون الثاني/ يناير 1957: "بدأت أمس المحكمة العسكرية العُرفية في دمشق بمحاكمة المتهمين بالتآمر على سلامة سورية وجيشها، ومن المتهمين من يحاكم حضورًا، كعدنان الأتاسي، وصبحي العمري، ومنير العجلاني، وعادل العجلاني، وسامي كبارة، ومنهم من يحاكم غيابًا، كميخائيل إليان، وفيضي الأتاسي، ومحمد معروف. وقد تولى مدير المكتب الثاني توجيه اتهامات الخيانة والجاسوسية إلى هؤلاء. كما تولى الضابط محمد جراح عمل النيابة العسكرية، فألقى كلمة الاتهام، فرماهم بكل نقيصة، واتهمهم بكل شائنة، وكلها تدور على جرم الخيانة الوطنية والاتّجار مع الأعداء على الوطن".
ويضيف: "لست أعلّق الآن على المحاكمة، فالتعليق يكون بعد إجرائها أو في أثنائها، ولكني، أشهد هنا في مذكراتي أمام نفسي، وأمام الله والتاريخ، أن ميخائيل إليان من أكثر من عرفتُ وطنيةً ورجولةً وإخلاصًا، وأن عدنان الأتاسي من أكثر من عرفت إخلاصًا وحكمةً، وأن صبحي العمري من أكثر من عرفت ثورة على الاستعمار والظالمين. وليس من محنة أقسى من أن يُتهم مخلصون بالخيانة، فحسبي الآن، أن أدعو الله بأن يحق الحق وأن يمحق الباطل".
وفي الفصل السادس، "عام 1958"، يتذكر زعيتر وجوده في محكمة المهداوي، والخطاب الذي أغضب الملك. وفي الفصل السابع، "عام 1959"، يتحدث زعيتر عن الوساطة اللبنانية بين مصر والأردن، ومحاكمة رشيد عالي الكيلاني، والوفد الجزائري في عمّان، وانتخابات الاتحاد القومي في سورية، وذكرى ثورة الجزائر، وأحداث العراق، وتحذير عدنان مندريس لنوري السعيد، وتطلعات الحسين في سورية والعراق، وخلاف المفتي مع القاهرة.
وعن محاكمة الكيلاني، يتذكر زعيتر: "نُصبت مشنقتان وسيق الفتيان [مبدر الكيلاني وعبد الرحيم الراوي] إليهما، وقيل لهما: إما أن تُشنقا، وإما أن تعترفا بدور رشيد الكيلاني ’بالمؤامرة‘، واضطروهما إلى إعادة إعطاء إفادات، أُقحم فيها اسم رشيد عالي باعتباره على علم بالنية في أحداث انقلاب، وإنْ لم يشترك في تدبيره". هذا مع اعتقاد عبد الرزاق أن الاثنين كذلك بريئان من هذه التهمة، فتقررت إعادة المحاكمة. و"في الساعة السادسة، جيء بالكيلاني مكبّلًا بالحديد، وهو يتلو آيات من القرآن، وأُجريت المحاكمة، ووجّه رئيس المحكمة في أثنائها إلى الكيلاني تُهم الخيانة والاستعمارية في بذاءة. وكذلك حمل المدعي العام، ماجد أمين، على الكيلاني حملة بذيئة شعواء، ولم يكن في شهادات الشهود ما يدين الكيلاني. وقد شهد ابن أخ عبد الواحد، الحاج سكر، شهادة ليس فيها ما يمسّ الكيلاني، ولكن استُدعي في فترة الاستراحة لمقابلة رئيس المحكمة، ثم أُعيد أخذ شهادته، فاتُهم الكيلاني بكونه يقول إن على شيوخ العساكر عدم التعاون على الحكومة، ما دامت تسير سيرها هذا. وفي الساعة الحادية عشرة ليلًا، وبعد مرافعة المحامي وإثبات أن القضية واهية من جميع النواحي، اختلت المحكمة ثلث ساعة، ثم عادت لتعلن حكم الإعدام على رشيد عالي. ويقول عبد الرزاق إن حيثيات الحكم الذي تُلي في ربع ساعة تحتاج إلى ثلاث ساعات للإعداد، ما يدل تأكيدًا على أن القرار قد أُعدّ قبل المحاكمة".
وفي الفصل الثامن، "عام 1960"، يتكلم زعيتر على محاولة التدخّل التركي - الإيراني في العراق، واللقاء مع نواف بن عبد العزيز، والهجوم من "صوت العرب". وعن محاولة التدخل في العراق، يتذكر زعيتر: "مما علق بذهني من أحاديث محمد شقير في بيت عوني بك، ما نقله عن لسان السيد نجيب الراوي، سفير العراق السابق في أنقرة، حين اجتماعه به في جنيف منذ شهرين تقريبًا. قال الراوي: حين بوغتت الحكومة التركية بحوادث 14 تموز [يوليو] في العراق، وكان رئيس الوزراء عدنان مندريس في المطار، ينتظر قدوم الملك فيصل وعبد الإله ونوري السعيد، قفِل مندريس راجعًا حتى أزِف موعد استقبال ممثلي إيران وباكستان الذين بوغتوا بدورهم في أحداث العراق الراعبة، فعقدوا فورًا جلسة سرية [تضم] تركيا، وإيران، وباكستان".
ثم يضيف: "امتدت الجلسة عدة ساعات. وانفضّت الجلسة، فبادر مندريس إلى الاتصال بنجيب الراوي وأخبره بأن الحلف [حلف بغداد] اتخذ قرارًا يقضي بالاعتراف بالملك حسين رئيسًا للاتحاد العراقي - الأردني، ووارثًا للملك فيصل، وبالمبادرة فورًا إلى التدخّل العسكري لإنقاذ العراق، وأن الأوامر أُعطيت للجيوش للحركة، وأن شاه إيران [محمد رضا بهلوي] أبرق لحكومته للمبادرة باتخاذ الإجراءات العسكرية، وطلب إلى الراوي إبلاغ الملك حسين هذا القرار. وقد بدا على مندريس كل الجد والاهتمام والتصميم. ويقول الراوي، ولم تكد تنقضي سويعات، حتى استدعى مندريس بعد منتصف الليل السيد نجيب الراوي، وأبلغه العدول عن تنفيذ تلك القرارات، وإصدار الأوامر بالتراجع عن كل الخطوات العسكرية التي اتُخذت".
وأخيرًا في الفصل التاسع، "عام 1961"، يتناول زعيتر ما حدث في الأمم المتحدة من خلاف على انضمام الكويت وموريتانيا، والخطاب الأول في الأمم المتحدة، ومشروع جونسون ولجنة التوفيق، والتمييز العنصري بين جنوب أفريقيا وإسرائيل، وقضايا فلسطين والجزائر وعُمان، ومناقشة تقرير جونسون، والاجتماع العربي – اللاتيني، واجتماع للوفود العربية لمناقشة مقترح بالتفاوض، وخطابه في الأمم المتحدة.
وتحت عنوان "طائرات بلا قنابل"، يتذكر زعيتر حديثًا عن اللبناني نديم دمشقية، حين كان قائمًا بأعمال السفير اللبناني في لندن: "كنت على علاقة طيبة بالمستر [إرنست] بيفن، وزير الخارجية البريطانية، وقد استدعاني ذات مرة، وكانت اللجنة السياسية الخاصة منعقدة في نيويورك، والجيوش العربية قد اجتازت حدود فلسطين، وقال لي: أود أن أسرّ إليك بشيء آمل أن تهتم به، وهو أن هناك قرارًا أكيدًا سيصدر بعد أسبوعين تقريبًا يقضي بإقامة حصار سلاحي على الدول العربية، أي أنه سيُحظر على الدول أن تبيع الدول العربية سلاحًا، ولذلك عليكم أن تتداركوا الأمر من الآن، وأن تبادروا بسرعة إلى اشتراء السلاح اللازم، ونحن مستعدون أن نبيعكم، ولكن أسرعوا، لأنه إذا تقرر الحظر فنحن ملزمون بتنفيذه. أبرقت إلى وزارة الخارجية اللبنانية برقية في هذا المعنى، ومضى يومان فلم أتلقَّ جوابًا، فأبرقت برقية ثانية فلم أتناول جوابًا. وجاء كميل شمعون من أميركا، وأخبرته بالأمر، فجنّ جنونه من إهمال الحكومة اللبنانية لهذا الأمر الخطير، وأبرق برقية شديدة اللهجة، ولكن ما لبث أن تلقّى برقية جوابية تقول له: ’الحالة هادية والوضع جيد، ولا حاجة إلى سلاح‘. كدنا نفقد عقولنا من هذه المغالطة وهذا التقصير المجرم، فكأن وزير الدفاع، الأمير مجيد أرسلان، كان يكتفي بأن يحارب اليهود بشواربه. فهمت بعد ذلك أن بيفن نبّه غيري من العرب إلى موضوع حظر الأسلحة، فممن علِم السيد محمد غالب الذي كان ملحقًا عسكريًا في السفارة المصرية بلندن".
ثم يضيف زعيتر: "قال الأمير زيد، سفير العراق يومئذٍ في لندن، لدمشقية إنه هو بدوره أبرق عدة برقيات في الأمر إلى الحكومة العراقية، وذلك بتحريض من بيفن، وقد انتبهت الحكومة العراقية إلى هذا الواجب قبل يومين أو ثلاثة من قرار الحظر، فاشترت خمسين طائرة من بريطانيا، لكنها لم تشترِ عتادها، ولم تفطن إلى العتاد إلا بعد إعلان حظر التسلّح، وقد تقيدت به بريطانيا، فكانت طائرات، لكن بلا قنابل. والواقع أنني أتذكر أن العراق طلب من مصر أن تزوّده بالقنابل، كما أن مصر طلبت من العراق أن يزوّدها بالطائرات".