نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالشراكة مع مؤسسة كونراد أديناور ومعهد الدوحة للدراسات العليا، يومي 13-14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 مؤتمر "التنويع الاقتصادي في دول الخليج: التحديات والفرص"، وهو امتداد لجهود المركز في بحث موضوع التنويع الاقتصادي في دول الخليج العربي، إذ عقدَ ورشةً بنفس العنوان في الفترة 25-26 أيار/ مايو 2021 عبر تقنيات الفيديو الحواري، كما كان قد بحث بعض جوانبه في أحد محاور منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية عام 2016، وصدرت أعماله في كتاب التنويع الاقتصادي في دول الخليج العربية عام 2019.

شمل برنامج المؤتمر أربع جلسات إضافةً إلى محاضرتين عامتين، وسعى إلى مناقشة مجموعة من الأسئلة البحثية على غرار: ما المشكلات المصاحبة للسياسات المالية في دول الخليج؟ وكيف يمكن التغلب عليها لتنويع اقتصاداتها؟ أينبغي لدول الخليج الاستثمار أكثر في القطاع الصناعي أم الخدماتي أم كليهما؟ هل ثمّة نموذج على دول الخليج اتّباعه لتحقيق التنويع الاقتصادي؟ ما دور القطاع الخاص في تحقيق التنويع الاقتصادي في دول الخليج؟ كيف يمكن جذب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى دول الخليج؟

استُهلّ المؤتمر بكلمة افتتاحية رحب فيها كلٌ من عميد كلية الإدارة العامة واقتصاديات التنمية في معهد الدوحة حامد علي، ورئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في قسم التعاون الأوروبي والدولي في مؤسسة كونراد أديناور جنان أتيلغان، ورئيس قسم الأبحاث في المركز العربي حيدر سعيد، بالباحثات والباحثين المشاركين والحضور.

الحاجة إلى التنويع الاقتصادي ودور العامل البشري فيه

ترأس الجلسة الأولى من المؤتمر، الباحث في المركز العربي مروان قبلان، وشارك فيها أربعة باحثين. قدمت آن بنت سعيد الكندي، المستشارة المستقلة في مجال الأعمال الاستراتيجية، ورقةً بعنوان "أعمق من مجرد تنويع اقتصادي"، حاولت فيها تقديم نظرة كلية حول دول الخليج، مع التركيز على سياق التنويع الاقتصادي في سلطنة عمان، من خلال طرح جملة من التساؤلات التي فرضها مرور الوقت الطويل على إطلاق خطط التنويع الاقتصادي في دول الخليج، والتغيرات التي أحدثتها جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وهبوط أسعار النفط، منها: ما متطلبات التنويع الاقتصادي في دول الخليج؟ ما الفلسفة الفكرية التي تحتاجها دول الخليج للتخلص من المرض الهولندي؟

وقدمت نورا اللهو، رئيسة قسم الاستثمار في "الشركة الأهلية للتأمين"، ورقةً بعنوان "رأس المال البشري وتأثيره في التنوّع الاقتصادي"، ركّزت فيها على دور رأس المال البشري في تحقيق التنويع الاقتصادي، مشيرةً إلى أهمية وضع خطة واستراتيجية لتوجيه الشباب نحو ما تحتاج إليه الدولة لتقوية اقتصادها وتنويعه، عن طريق إنشاء جهاز مختص برأس المال البشري؛ كون تضافر رأس المال البشري مع دولة ذات رؤية تستثمر في تأسيس شعبها، تُنتج اقتصادًا منيعًا ومتنوعًا.

وفي السياق نفسه، قدمت عهود البلوشي، الاستشارية في مكتب "دراسات" للعلوم الإنسانية، ورقةً بعنوان "تنويع التعليم مفتاح التنويع الاقتصادي"، ناقشت فيها الدور المحوري الذي يؤديه التعليم المدرسي وما بعد المدرسي في التنمية البشرية، ومن ثم التنويع الاقتصادي، بوصفه أحد مكوناته الأساسية. فجودة التعليم ومدى مواكبة الأنظمة التعليمية للمهارات المطلوبة في سوق العمل، والنظرة الاستشرافية للنظام التعليمي التي تضع في الاعتبار التحولات الاجتماعية والاقتصادية وتنويع العمق المعرفي تضطلع بدور مهمّ في وضع أسس التنويع الاقتصادي للدول.

أما الورقة الأخيرة في هذه الجلسة فكانت بعنوان "لماذا يُطلب التنوّع الاقتصادي في الكويت؟"، قدّمتها أسرار حيات، الناشطة الاجتماعية وعضو مجلس إدارة جمعية الشفافية الكويتية، وعرضت فيها عدة سيناريوهات للتنويع الاقتصادي، على المستويين؛ الكويتي والخليجي، لتخلص إلى تقديم اقتراحات وتوصيات تُعزّز فكرة أهمية وجود موارد مختلفة لكل دولة وتأثيرها في الاقتصاد بعامة والإنسان بخاصة، وتأثير ذلك في العلاقات بين دول مجلس التعاون على نحوٍ إيجابي.

ثمّ ألقى خالد بن راشد الخاطر، الباحث في مركز الاقتصاد الكلي ومعهد الفكر الاقتصادي المستجد بجامعة كامبريدج، المحاضرة العامة الأولى تحت عنوان "نموذج النمو الريعي الخليجي: وصفة لتعثر التنويع الاقتصادي وتحور التركيبة السكانية للمجتمع". قدّمَ فيها تأطيرًا عامًا لموضوع المؤتمر وتحديات تحقيق التنويع الاقتصادي في دول الخليج، من خلال شرح نموذج النمو الاقتصادي المتبّع في دول مجلس التعاون، مع تحديد الخصائص العامة لاقتصادات هذه الدول، لفهم طريقة عملها، وتبعات ذلك على تعثر عملية التنويع الاقتصادي وتحور التركيبة السكانية للمجتمع، وصولًا إلى تقديم بعض الاقتراحات لمعالجة معوقات التنويع، ودفع عملية التنويع الاقتصادي قدمًا.

التنويع الاقتصادي في الخليج ودور الصناعة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة فيه

اختصت الجلسة التي ترأسها فابيان بلومبيرغ، الممثل الإقليمي لدول الخليج في مؤسسة كونراد أديناور، ببحث دور القطاع الخاص والصناعة والتكنولوجيا في تعزيز التنويع الاقتصادي في دول الخليج. ففي ورقته التي حملت عنوان "دور البنية التحتية الصناعية في تعزيز التنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، قدّم بشار صبح، رئيس القسم الاقتصادي في شركة "الاستراتيجية الأولى للاستشارات"، تحليلًا للمعضلات التي تقف أمام تطوير بنية تحتية صناعية في دول مجلس التعاون، مع التركيز على الدور الحيوي للقطاع الخاص بصفته محركًا للنمو وأداة فعالة للتنويع الاقتصادي والتنمية؛ إذ لا يمكن تحقيق التنويع الاقتصادي إلا إذا كلف القطاع الخاص بدور مهم في المشهد الاقتصادي لدول الخليج.

وعرّج يوسف البلوشي، كبير الاقتصاديين في فريق عمل "رؤية عمان 2040"، في ورقته "دور القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي المباشر في التنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، على العوامل السياقية التي يُمكنها تفسير التقدم البطيء على جبهة التنويع الاقتصادي في دول الخليج العربي، من خلال تقييم نقدي لجهود دول مجلس التعاون الحالية لتحويل اقتصاداتها بعيدًا عن الاعتماد الشديد على الهيدروكربونات نحو أنظمة اقتصادية أكثر تنوعًا، مع اعتماد عُمان كدراسة حالة.

أمّا موضي الحمود أستاذة إدارة الأعمال في جامعة الكويت، وهنادي المباركي المديرة التنفيذية لشركة "ايكوسيستم للاستشارات الإدارية"، فركزتا في ورقتهما "التنويع الاقتصادي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من خلال النمو الذكي: برامج الابتكارات، الحاضنات، الشركات الصغيرة والمتوسطة، ونقل التكنولوجيا" على تأثير برامج الابتكار، وبرنامج الشركات الصغيرة والمتوسطة، وبرنامج الحاضنات، وبرامج نقل التكنولوجيا في التنويع الاقتصادي لدول مجلس التعاون، مع اقتراح خريطة طريق لتشكيل التنويع الاقتصادي لدول مجلس التعاون بصفته اقتصادًا حديثًا قائمًا على المعرفة.

وفي ورقته، التي حملت عنوان "المشاريع الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال الثقافية في دول الخليج: تعزيز التنويع الاقتصادي وتمكين الشباب"، سلّط سباستيان زونز، الباحث في "مركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق"، الضوء على التطورات الناشئة في ثقافة ريادة الأعمال، من خلال تقديم أمثلة على التحول السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وبناءً على الأدلة البحثية، قدّم الباحث ثقافة ريادة الأعمال بوصفها قوة دافعة للتحول السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مجتمعات دول الخليج.

واختتم اليوم الأول بالمحاضرة العامة الثانية التي قدمها رباح أرزقي، كبير الاقتصاديين ونائب الرئيس للحكومة الاقتصادية وإدارة المعرفة في بنك التنمية الأفريقي، تحت عنوان "التحوّل وليس التنويع؟"، التي ناقشَ فيها دور التغير التكنولوجي في تشكيل أسواق الطاقة، وطبيعة المخاطر والفرص المرتبطة بالتغيرات التي تحدث في أسواق الطاقة، داعيًا إلى أن الدول التي يعتمد اقتصادها على النفط وعلى الشركات المملوكة للدولة بحاجة إلى التحوّل الاقتصادي، متطرقًا إلى طرائق تغيير المشهد الاقتصادي في "دول النفط الكبرى".

الموارد الإقليمية والأجنبية للتنويع الاقتصادي في دول الخليج

عُرضت ورقتان في الجلسة الثالثة من المؤتمر، التي ترأستها سحر يوسف، أستاذة اقتصاديات التنمية في معهد الدوحة للدراسات العليا. قدّم عبد الله باعبود، الأستاذ الزائر في جامعة واسيدا في طوكيو، الورقة الأولى بعنوان "التنويع الاقتصادي في الخليج: التعاون الإقليمي هو العنصر المفقود في خطط الرؤية المختلفة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية". واستعرض فيها العناصر المفقودة في خطط التنمية الاقتصادية وسياسات التنويع الاقتصادي التي تتبعها دول الخليج، ومنها الافتقار إلى بناء مؤسسات قابلة للحياة وخاضعة للمساءلة لضمان المحاسبة والملاءَمة، والغياب شبه التام لأيّ إشارات لتعزيز التعاون الإقليمي والتكامل الضروريَين لتحقيق النمو الاقتصادي.

أمّا الورقة الثانية، بعنوان "كيفية استغلال وتوظيف الاستثمار الأجنبي المباشر في توسيع قاعدة التنويع الاقتصادي بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، فقدّمها مسلم سعيد مسن، القائم بأعمال الأمين العام المساعد للجان الإعلام بمجلس الشورى العماني، وحاول فيها تقييم دور تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في تعزيز التنويع الاقتصادي، مسلطًا الضوء على تحديات القطاعات غير النفطية، من حيث جاذبيتها للاستثمار الأجنبي المباشر، ومقترحًا بعض البرامج والسياسات والميزات التي من شأنها أن تعزز دور هذه الأداة في تعميق التنويع الاقتصادي وتسريع وتيرته.

التجربة الخليجية في التنويع الاقتصادي: قطر نموذجًا

ترأّس الجلسة الرابعة والأخيرة، الباحث في البرنامج الإقليمي لدول الخليج في مؤسسة كونراد أديناور محمد ياغي، وشارك فيها ثلاثة متدخلين. قدّم الورقة الأولى "التنويع الاقتصادي: استراتيجية ومدخل لتحقيق التنمية المستدامة - دولة قطر نموذجًا"، فريد الصحن، أستاذ الإدارة في معهد الدوحة، وعرض فيها جهد دولة قطر في انتهاج استراتيجية جديدة للتنويع الاقتصادي، ترتكز على الإنتاجية والتنافسية، موضحًا كيف تؤدي هذه الاستراتيجية إلى تعزيز مسار التنويع الاقتصادي واستدامته، وتنمية القطاع الخاص، وتعزيز مساهمته في الاقتصاد القطري.

ثم قدّم فرانك هيمبل، مدير معهد اللوجستيات في جامعة أنهالت للعلوم التطبيقية، ورقة بعنوان "الإنشاء الناجح لسلاسل التوريد المرنة يخلق إمكانات لمزيد من التنويع الناجح للاقتصاد: قطر نموذجًا"، ركّز فيها على الجهد الذي بذلته دولة قطر في التغلب على حصار 2017-2020، وكيفية استفادتها من الآثار الإيجابية لهذا الجهد لأغراض التنويع الاقتصادي، مؤكدًا على سياق إعادة هيكلة سلاسل التوريد.

في السياق ذاته، تعرّض أيهب سعد، أستاذ اقتصاديات التنمية في معهد الدوحة، في ورقة عنوانها "تأثير الحصار في تنويع التجارة والتصدير في قطر"، لتأثير الحصار في تنويع التجارة في قطر باستخدام بيانات تجارية مفصّلة، مشيرًا إلى أن واردات قطر أصبحت أكثر تنوعًا، قياسًا على متوسط عدد أسواق الاستيراد لكل منتج بعد الحصار.