عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الفترة 3-5 كانون الأول/ ديسمبر 2016 منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية في دورته الثالثة. وتناول المنتدى في دورته لهذا العام موضوع التنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قضيةً داخليةً، في حين بقيت تحديات البيئة الإقليمية والدولية موضوعًا للقضية الخارجية.

انطلقت أعمال المنتدى بتخصيص يومه الأول لدراسة العلاقات بين دول الخليج العربية وتركيا ضمن المحورين المقررين للمنتدى، بمشاركة باحثين أتراك وبالتعاون مع مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تركيا (سيتا).

في كلمة افتتاحٍ للمنتدى، أكد الدكتور عزمي بشارة المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الأهمية التي يكتسيها منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية الذي ينظمه المركز؛ إذ أصبح - وهو يعقد دورته الثالثة - من أهم الفعاليات الأكاديمية التي تعنى بدراسة شؤون دول الخليج العربية.

وشدد الدكتور بشارة على الطابع الأكاديمي الأصيل للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مشيرًا إلى أنّه أصبح بعد نحو ست سنوات من تأسيسه أحد أهم مراكز الأبحاث في المنطقة العربية والشرق الأوسط عمومًا. وأوضح أنّ عاملين رئيسين مكّنا المركز من أن يتبوّأ هذه المكانة؛ أولهما الدعم اللامشروط الذي يقدّمه البلد المستضيف قطر للمركز من دون التدخل إطلاقًا في أجنداته البحثية؛ وثانيهما خيار المركز في أخذ الوطن العربي كلّه مجالًا أو نطاقًا بحثيًا واحدًا، وهو ما يتيح سعةً في النطاق البحثي ويفتح المجال أمام تفاعل أكبر بين عدد كبير من الباحثين ويؤدي إلى إنتاجٍ بحثي أفضل.

وقال المدير العام للمركز العربي إنّ المؤتمرات السنوية التي يعقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وعددها ستة مؤتمرات في الغالب، وبينها منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، تتيح مجالًا لتفاعل عددٍ كبير من الباحثين، وقد جمع المركز من خلالها نحو ألف باحث حوله.

وأكد بشارة أنّ المركز العربي مركز أبحاث وليس "ثينك تانك" Think Tank؛ فهو في الأساس ينجز ويدعم إنجاز بحوث في التاريخ والفلسفة والسوسيولوجيا والعلوم الاجتماعية والإنسانية كلّها، ويضم إضافةً إلى ذلك "وحدة تحليل السياسات" التي تنتج تحاليلَ عن القضايا الراهنة.

وقال الدكتور عزمي إنّ المركز العربي حقق إلى حد الآن العديد من الإنجازات الأكاديمية والبحثية التي تعدّ إسهامًا كبيرًا في التراكم المعرفي في العلوم الاجتماعية في الوطن العربي. وأحد أبرز إنجازات المركز هو إنشاء معهد الدوحة للدراسات العليا الأول من نوعه في الوطن العربي والمفتوح أمام الطلاب من جميع الدول العربية، والذي سيشهد افتتاحه الرسمي غدًا الأحد (4 كانون الأول/ ديسمبر 2016). كما يعدّ مشروع معجم الدوحة التاريخي للغة العربية أحد أهم إنجازات المركز أيضًا.

ودعا بشارة المشاركين والحضور في المنتدى إلى الوقوف دقيقة صمت ترحمًا على أرواح شهداء حلب تحديدًا وشهداء باقي الوطن العربي "الممزق الجريح" في اليمن وليبيا وغيرهما.

التحديات المشتركة تدفع نحو تقارب أكبر بين تركيا والخليج

ناقشت الجلسة الأولى لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية في دورته الثالثة واقع العلاقات الخليجية – التركية واتجاهاتها المستقبلية. وتقاربت أوراق الباحثين الأتراك والخليجيين المشاركين في هذه الجلسة في تشخيص الوضع الراهن لهذه العلاقات، إذ إنّ الأوضاع المضطربة للمنطقة والتحولات التي عرفتها منذ بداية الثورات العربية فرضت تقاربًا أكبر بين الجانبين الخليجي والتركي، غير أنّ مستوى العلاقات بينهما لم يصل إلى الحد المطلوب المتوافق مع هذه التحديات.

ويرى محيي الدين أتامان نائب المدير العام لمركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (SETA) في أنقرة، أنّ تركيا تتقاسم ودول الخليج العديد من المخاوف الإقليمية؛ مثل مستقبل اليمن والحرب الأهلية في سورية، وارتفاع عدد الدول الفاشلة في المنطقة، والسيطرة المتنامية لأطرافٍ فاعلة من غير الدول كداعش، إضافةً إلى السياسة الإيرانية التوسعية في الشرق الأوسط. فضلًا عن ذلك، تقتضي الديناميات العالمية المتغيّرة إعادة توجيه السياسات الخارجية للدول الإقليمية. وما كان من تلك المشكلات السياسية والتهديدات الإقليمية كلّها إلاّ أن رفعت مستوى الترابط، ما تطلّب تحسين العلاقات الثنائية بين تركيا وبلدان الخليج. ومن أجل تحقيق نظام إقليمي مستدام، ينبغي لتركيا ودول الخليج تطوير مشاريع سياسية واقتصادية تخدم مستقبلهما المشترك. كما يحتاج الطرفان إلى تعزيز التعاون من أجل إدارة فترة التحول الانتقالية في المنطقة.

من جانبه، أكد عبد الله الشمري، رئيس قسم شؤون الخليج في مركز الشرق الأوسط لبحوث السلام في أنقرة، أنّ المستجدات السياسية التي حدثت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة أعادت الدفء للعلاقات الخليجية - التركية بعد تجاوز آثار الربيع العربي، وتبعات الأزمة المصرية، بخاصة العلاقات الإماراتية والسعودية. وأشار الباحث إلى تأثير تعاظم الدور الإيراني في المنطقة وتزايد التقارب الإيراني - الأميركي، وشعور الطرفين الخليجي والتركي بضرورة التعاون لمواجهة التهديدات المشتركة. وتحدّث عن بطء تطوير العلاقات التركية - الخليجية على الرغم من الفرص الكبيرة والعوامل المحفزة. وعدّد من بين العوائق حصر إدارة العلاقات بين الدول الخليجية وتركيا في الهيئة الرئاسية لدى الجانبين، وضعف التبادل الأكاديمي، إضافةً إلى دور أطراف خارجية في التأثير في الجانبين حول مشاريع التقارب والتعاون.

قدّم الدكتور محمد المسفر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، عرضًا تقييميًا للعلاقات القطرية - التركية، مشيرًا إلى أنّ قطر في نظرتها السياسية الواقعية تتعامل على قدم المساواة مع القوى الفاعلة في الساحة الدولية، الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية، القوتين الأعظم في الوقت الراهن. وهي تتعامل مع القوى الإقليمية الآسيوية الصاعدة، إيران وتركيا بطريقتين مختلفتين؛ إذ اعتمدت مع الأولى على دبلوماسية التحييد والاستقطاب، وعلى الشراكة والتحالف مع القوة التركية لما يجمع بينهما من علاقاتٍ وروابط تاريخية.

في تحليله "السياسة التركية إزاء منطقة الشرق الأوسط: قبل الثورات العربية وبعدها"، أوضح مسعود أوزجان، الأستاذ في جامعة إسطنبول شهير، أنّ اندلاع الانتفاضات العربية مثّل عنصرًا جديدًا في علاقات تركيا بالشرق الأوسط. وقد انحازت تركيا إلى مطالب الشعب؛ إذ رأت أنّ أسباب تلك الثورات هي أسباب محلّية، ومن ثمّ يجب تلبية مطالب الشعوب العربية. صحيح أنّ نتائج هذه الثورات ليست دائمًا إيجابيةً كما كان متوقعًا، إلّا أنّ صنّاع السياسة في تركيا رأوا أنّ البلدان العربية تشهد فترةً انتقاليةً، وأنّ أسباب الإصلاحات السياسية والاقتصادية في المنطقة لا تزال قائمةً. ورأى الباحث أنّه على الرغم من أنّ التحديات الحالية قد تؤدي إلى إشاعة جوٍّ من السلبية، يبقى مستقبل المنطقة والعلاقات التركية بالشرق الأوسط، واعدًا.

الاقتصاد والأمن مجالان مفتوحان لتعزيز التعاون

ناقشت الجلستان الثانية والثالثة من اليوم الأول لمنتدى الخليج المخصص للعلاقات التركية - الخليجية، العلاقات الاقتصادية بين الطرفين وقضايا الأمن والتحديات الإقليمية المشتركة.

ففي الجلسة الثانية، أكد الباحثون المشاركون بأوراق بحثية التحسن الملحوظ الذي تشهده المبادلات التجارية والاقتصادية غير أنّها لم ترْقَ بعد إلى الإمكانات التي يتوفر عليها الطرفان. وشهد العقد الأخير تناميًا ملحوظًا في التعاون التجاري والسياسي بين تركيا ودول مجلس التعاون؛ ففي عام 2005، وقّع مجلس التعاون وتركيا اتفاقيةً إطاريةً تاريخيةً للتعاون الاقتصادي مهّدت لعدّة معاهدات ثنائية لاحقة؛ مثل المعاهدة الثنائية لتجنّب الازدواج الضريبي، واتفاقية تشجيع الاستثمارات المتبادلة وحمايتها. وارتفعت قيمة التجارة من 1.5 مليار دولار أميركي في عام 2002 إلى 16 مليار دولار أميركي في عام 2014. وفضلًا عن ذلك، ارتفع الاستثمار الخارجي المباشر ارتفاعًا ملحوظًا من 5 ملايين دولار أميركي في عام 2002 إلى 1.9 مليار دولار أميركي في عام 2008. وفي هذا العام، جرى إطلاق الحوار الإستراتيجي الرفيع المستوى بين تركيا ومجلس التعاون؛ من أجل تعزيز الروابط في جميع المجالات. وقد أنشأ الحوار لجانًا متخصّصة في مجالات تضمّ، على سبيل المثال لا الحصر، التجارة والاستثمار، والطاقة، والسياحة، والزراعة، والأمن الغذائي، والقضايا الاقتصادية، والمالية والنقدية. صحيح أنّ التعاون التجاري والاقتصادي بين الطرفين شهد تناميًا منذ تولّي حزب العدالة والتنمية الحكومة في عام 2002، إلا أنّ الانتفاضات العربية التي اندلعت في أواخر عام 2010 بيّنت بوضوح القيود التي تكبّل تلك العلاقة.

أما في محور التعاون الأمني والعسكري بين دول الخليج وتركيا الذي غطته أوراق الجلسة الثالثة، فأكد المحاضرون حتمية التعاون بين الطرفين في مواجهة التحديات والمخاطر الحادثة في المنطقة من تداعيات الثورات العربية وظاهرة الإرهاب الدولي وكذا المطامح الإيرانية التوسعية في المنطقة. ودعا بعض المشاركين إلى تشكيل لجنة خليجية مشتركة، تسعى لتحديد شكل العلاقة العسكرية بتركيا، وتقوم على إقامة اتفاقيات تعاون عسكري مرتبطة بالعلاقات الاقتصادية مع تركيا. وكذا تعزيز التنسيق الخليجي – العربي مع تركيا بشأن القضايا الإقليمية، على أساس رسم سياسة من التعاون، تقوم على الاحترام المتبادل، من دون التدخل في الشؤون الداخلية للطرفين.

تراجع إيرادات النفط فرصة لدفع التنويع، والتوجه شرقا قد يكون الحل

وقد شمل برنامج اليوم الثالث والأخير ثلاث جلسات في كل واحد من محوري المنتدى، جرت في قاعتين بالتوازي. خصصت الجلسة الأولى في محور التنويع الاقتصادي لمحاولة حصر الرؤى والاحتياجات الخاصة بتنويع دول الخليج اقتصاداتها، والجلسة الثانية لدراسة أثر التحولات الاقتصادية الدولية في السياسات الاقتصادية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، فيما تناولت الجلسة الثالثة شروط التحول الاقتصادي ودوره في التنويع في هذه الدول. وفي محور تحديات البيئة الإقليمية والدولية، ناقشت الجلسة الأولى تعامل دول مجلس التعاون مع التحدي الإيراني، وتناولت الجلسة الثانية علاقات هذه الدول مع القوى الكبرى، وخصصت الجلسة الثالثة لمناقشة العلاقات الخليجية مع أميركا الجنوبية.

أثارت الأوراق البحثية المقدمة في الجلسة الثانية من المحور المتعلق بتنويع الاقتصاد نقاشًا كبيرًا بين المشاركين في المنتدى، بالنظر إلى طرحها أهم الإشكاليات المتعلقة بما بعد عصر النفط والتحولات الاقتصادية الدولية وما تفرضه من تحديات على اقتصادات دول الخليج.

أكد الخبير النفطي ناجي أبي عاد في ورقته التي طرح فيها سؤال "كيف سيتكيف الخليج مع عصر ما بعد النفط؟" أنّ منتجات النفط التي تسيطر على صادرات دول الخليج وتمثّل نسبة ساحقة في ناتجها الخام باتت تشتري واردات أقلّ كثيرًا ممّا كانت تشتري في السابق بسبب انخفاض أسعار النفط والغاز. وأصبحت المشكلة، في الحقيقية، متمثّلة بأنّ موارد النفط والغاز في المنطقة بدأت تفقد أهميتها الإستراتيجية. وأضاف أنّ دول الخليج تخطئ إن افترضت أنّ الأسعار سترتفع من جديد لتبلغ مستوياتها العالية السابقة. فالانخفاض الذي شهدته أسعار النفط والغاز مؤخرًا يشير إلى تغيّر هيكلي غير مسبوق طرأ على قطاع الطاقة، وهو تغيّر سيترك في البلدان المنتجة للنفط آثارًا اقتصادية وسياسية مهمة. ويفسر هذا المنحى بأنّ قطاع الطاقة شهد اختراقات تكنولوجية، نشأت إمّا عن الصناعة نفسها تمامًا، على غرار ثورة النفط والغاز الصخريّين في الولايات المتحدة، وإمّا من خارجها، وهي تأتي في صورة طاقة رخيصة قابلة للتجدّد. وتبقى وفرة مصادر الطاقة الرخيصة خير دليل على أفول عصر هيمنة النفط.

وأمام هذا الواقع الجديد، أصبح الإصلاح ملحًّا على دول مجلس التعاون. ويرى أبي عابد أنّ على هذه الدول أن تستفيد من وضع تراجع أسعار النفط وإيراداته وتعدّه فرصة لتفعيل جدي لكل السياسات التنويعية التي أطلقتها ولم تطبّق على النحو الكامل إلى حد الآن، إضافة إلى اعتماد برامج جديدة تتوافق مع التحولات في الاقتصادات العالمية. وذكر في هذا الشأن عددًا من السياسات، من أهمها زيادة نسبة المواد النفطية المصنعة والمحولة ذات القيمة المضافة في إجمالي الصادرات النفطية، وتعزيز دور القطاع الخاص في المجالات الصناعية والخدمة، واللجوء إلى وضع نظام ضريبي وخفض الدعم، وإصلاح سوق العمل، وتنويع القطاعات الرئيسة للاقتصاد والاهتمام أساسًا باقتصاد المعرفة والموارد البحرية وتكنولوجيا تحلية المياه، وكذا الطاقات المتجددة والنظيفة.

شددت ورقة أخرى قدمت في الجلسة نفسها على أنّ تعزيز دول مجلس التعاون توجيه تبادلها الاقتصادي والتجاري نحو دول شرق آسيا قد يمكنها من الاستفادة من التحولات الجارية في النظام الاقتصادي العالمي وتنامي الكتلة الأسيوية فيه. وأكد تيموثي نيبلوك، أستاذ سياسات الشرق الأوسط بجامعة إكستر في المملكة المتحدة، أنّ أمام دول الخليج اليوم فرصًا سياسية إستراتيجية، وهي مرتبطة بعلاقاتها التجارية والاستثمارية بآسيا، وهي علاقات متنامية باطّراد. وأوضح عبر إحصائيات وأرقام عن التبادل التجاري والاستثماري لدول الخليج العربية كيف حدث التحول بين عام 1990، إذ كان للصين والهند موقع هامشي في هذه المبادلات، وعام 2013 وقد اعتلت الصين قمة الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون، وعززت في السنوات التي تلتها هذا الموقع، وقد زادت تبادلات الخليج مع الصين بنسبة 400% بين عامي 2005 و2013، وبنسبة 760% مع الهند في الفترة نفسها.

وأشار الباحث إلى أنّ دول الخليج إن قرّرت استغلال الفرص المتاحة لها لتعزيز شراكتها شرقًا، فهي ستتمكّن من أن تضطلع بدور جديد ومستقلّ في النظام العالمي السياسي الآخذ في التبلور.

اقتصاد المعرفة ومساهمة المرأة في التنويع

ركّز كل من فهد الفضالة المستشار في الجهاز الفني للمعهد العربي للتخطيط في دولة الكويت، وعبير الأرياني من مكتب البحوث المدعومة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بالسعودية، على ضرورة استفادة دول الخليج العربية من الفرص المتاحة لأخذ موقع ريادي في اقتصاد المعرفة الذي يهيمن على مسار التحولات الاقتصادية الدولية.

وأوضح الفضالة أنّ على دول المجلس الوصول إلى تصميم نموذج جديد ورؤى ذكية تعتمد على الاستثمار في العناصر الأساسية لاقتصاد المعرفة والمتمثلة بالتعليم والتدريب، والإبداع والابتكار، والحوافز الاقتصادية والنظم المؤسسية وتكنولوجيا المعلومات والاتصال؛ بهدف خلق جيل متعلم ومؤهل وذي كفاءة عالية تسهم في تحقيق ليس التنويع الاقتصادي في دول المجلس فحسب، بل وتسهم أيضًا في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة تلبي تطلعات شعوب دول المنطقة، مستغلة في تحقيق ذلك الإمكانيات المتاحة لعوائد القطاع النفطي وخصائص اقتصاداتها ومتانتها التي تمتلك كل مقومات النمو والتطور، فضلًا عن مكانتها على الساحة الاقتصادية الدولية. وأكد ضرورة التنسيق والتكامل بين دول المجلس في تصميم إستراتيجيات تنموية تنصب في سرعة التحول من الاقتصاد الريعي القائم إلى اقتصاد يعتمد على المعرفة في نموها وتطورها.

وناقشت الباحثة عبير الأرياني ركيزتين اثنتين من ركائز التحول إلى الاقتصاد القائم على المعرفة في مجلس التعاون، وهما التعليم والتدريب من ناحية، والنظام المؤسسي ونظم الابتكار من ناحية أخرى. وخلصت إلى أنّ الاختلال الذي يميز سوق العمل في دول الخليج العربية بغلبة العمالة الوافدة نظرًا للعوامل الجاذبة لهذه الدول، يجب أن يمثّل فرصة لها من أجل استقطاب الطاقات البشرية خاصة من الشباب العربي ذوي المستوى التعليمي العالي ليكونوا ركيزة في بناء اقتصاد قائم على المعرفة.

وتحدثت هند المفتاح، نائب رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا للشؤون الإدارية والمالية، عن المرأة القطرية في ريادة الأعمال ودورها في تعزيز التنويع الاقتصادي. وأكدت التزايد المطرد لدخول المرأة القطرية قطاع الأعمال والاستثمار ومساهمتها الفعالة في القطاعات الإنتاجية والخدمية، وذلك بفضل السياسة الوطنية لدولة قطر في تعزيز تمكين المرأة والاهتمام الكبير بهذه النقطة في الإستراتيجية الوطنية "رؤية قطر الوطنية 2030".

إيران: التحدي والسيناريوهات

خصصت إحدى جلسات اليوم الأخير من المنتدى في محور تحدّيات البيئة الإقليمية والدولية لمناقشة التحدي الإيراني. وأكد عبد الله العساف، رئيس قسم الإعلام المتخصص في جامعة الإمام - الرياض في ورقة طرحت أبرز التحديات التي تمثّلها إيران بالنسبة إلى دول الخليج وهو التحدي الأمني، أنّ إيران نظرت إلى الاتفاق النووي مع مجموعة (5+1) على أنه ضوء أخضر للتمدد في محيطها العربي، وتحقيق حلمها الفارسي بمحاصرة الجزيرة العربية من الجهات كافة، وهو ما أثار فزع الدول الخليجية التي صحت على أصوات تلمّح بانسحاب الأسطول الأميركي الخامس من المنطقة وتراجع الدور الأميركي فيها، وتغيّر أولوياته الإستراتيجية بالتركيز في آسيا ومحاولة حصار الصعود الاقتصادي الصيني.

وأوضح المتحدث أنّ التوتر في العلاقات الخليجية - الإيرانية هو سياسي وإستراتيجي، ولا يمكن فصله عن الإرث التاريخي للعلاقات بين الجانبين التي شهدت تقدمًا حقيقيًا على مستوى التصريحات الإيرانية المعسولة فقط.

وخلص عساف إلى أنّ المشروع الإيراني في منطقة الخليج تحديدًا يستهدف كل دولة من الدول الست سواء منفردة، أو بصفة ثنائية؛ في تركيبتها الاجتماعية والأمنية والسياسية والاقتصادية، ومحاربة قيام سوق نفطية خليجية مشتركة، ويسعى من خلال هذه العملية لعدة أمور أهمها العمل على تفتيت مجلس التعاون والقضاء على هذا الاتحاد، وإن كان لا يمثّل تهديدًا حقيقيًا لإيران لكنها تسعى لأن تكون مظلة لهذه الدول من خلال ربطها اقتصاديًا وسياسيًا بإيران.

وقدّم أربعة سيناريوهات ممكنة لتطور العلاقة بين الدول الخليجية وإيران، فإمّا أن تؤول الأمور إلى حرب بالوكالة ومحاولة كل طرف استنزاف الطرف الأخر، وجره إلى مستنقعات تنهك قواه، وتقضي على طموحه، بعيدًا عن السيناريو الثاني للمواجهة المباشرة، وهو احتمال بعيد فإيران جربت حرب الثماني سنوات مع العراق، وخرجت منها بتجربة فريدة، وهي اعتماد الحرب خارج حدودها؛ ويطرح السيناريو الثالث إمكانية التقارب والانفتاح، وهو على الرغم من صعوبة تحقيقه نظريًا، فإنه الخيار الأفضل للطرفين؛ أمّا السيناريو الرابع فهو سيناريو "المد والجزر"، كما سماه الباحث، وهو الأقرب في الوقت الراهن، نتيجة عدم التوصل إلى حل عدد من الخلافات والملفات الساخنة بين الطرفين، شريطة أن يبقى محصورًا داخل الحدود لا يتجاوز تصريحات كلامية.