نظّمت وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة 2-4 كانون الأول/ ديسمبر 2023، الدورة العاشرة لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية. وجرت أعمال الدورة في محورين، هما: "علاقات دول الخليج العربية بالصين: استمرارية أم تحوّل؟" و"السياسات الثقافية لدول الخليج العربية" قدّم فيهما باحثون خليجيون وعرب وأجانب 38 ورقة بحثية في 13 جلسة، إضافة إلى محاضرة افتتاحية وجلسة حوارية مع سعادة وزير الثقافة القطري الشيخ عبد الرحمن بن حمد آل ثاني. وجرت بالتزامن مع المنتدى أعمال ندوة دورية أسطور "الكتابة التاريخية في بلدان الخليج العربية" التي قدمت فيها 10 أوراق بحثية.
بدأت أعمال المنتدى بمحاضرة افتتاحية قُدّمت فيها ورقتان. في الورقة الأولى، تناول عبد العزيز حمد العويشق مرتكزات العلاقات الخليجية – الصينية، ناقش فيها واقع الشراكة بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية والصين وأبعادها الاستراتيجية الجديدة، استنادًا إلى أول قمة عُقدت على مستوى القادة بين دول المجلس والصين في الرياض في كانون الأول/ ديسمبر 2022، وإعلان الجانبين تأسيس شراكة استراتيجية بين منظومتيهما، تاليًا لسنوات من الحوار الاستراتيجي المنتظم الذي بدأ في أيار/ مايو 2010، كما قدّم إيجازًا حول أبعاد هذه الشراكة الاستراتيجية، وما توفره من فرص للجانبين، وكذلك التحديات المحتملة التي تواجه تنفيذها. وفي الورقة الثانية، قدّم كيري براون مناقشته حول الصين العالمية في عهد شي الثالث، مجادلًا بأن الصين في عام 2023 ما زالت تتخبّط في كيفية تحديد دورها العالمي، بطريقةٍ تحقّق التوازن بين مصالحها مع الولايات المتحدة، وطموحاتها في منطقتها، والعلاقات التي تربطها بالقوى الأخرى التي تُعدّ دول الخليج الأكثر أهميّة من بينها؛ فناقش دور المصالح الاقتصادية للصين في دول الخليج، وما ستقدمه من دورس يمكن من خلالها استجلاء دبلوماسية الأولى الجديدة في السنوات المقبلة.
عُقدت الجلسة الأولى من أعمال المنتدى في مسارين متوازيين. في المسار الأول، ترأس سحيم آل ثاني جلسة بعنوان "العلاقات الخليجية – الصينية: المرتكزات والتحديات"، قُدّمت فيها ثلاث أوراق. تناول عبد العزيز بن عثمان بن صقر أهم المرتكزات في العلاقة الخليجية - الصينية على الصّعد السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والعلمية والتقنية، وآفاقها الممكنة. وفي نقاش متمّم، تناول عبد الله الشايجي خيارات دول الخليج وتوازناتها الصعبة في العلاقة بين واشنطن، الحليف الأمني التقليدي، وبيجين، الشريك التجاري الأول. فعالج أسئلة من قبيل: أين تتقاطع تلك العلاقات؟ وما التحديات التي تواجهها والسقف الذي تعمل تحته في ظل شراكة أمنية معقدة ومتراجعة مع واشنطن، وشراكة تجارية واقتصادية متنامية مع الصين. في حين تناول عبد الله باعبود علاقة دول مجلس التعاون بالصين، مجادلًا بأن هذه العلاقة قد تجاوزت مرحلة التبادل التجاري وتعمقت في مجالات أوسع، فأصبحت بيجين لاعبًا مهمًا في بعض القطاعات الاستراتيجية، مثل إمدادات الأسلحة والتعاون الصناعي والعسكري.
وفي المسار الثاني، ترأس عبد الله الجسمي جلسة بعنوان "الدولة والشأن الثقافي في بلدان الخليج"، قُدّمت فيها ثلاث أوراق أيضًا. ركّز محمد الرميحي على تجارب دول الخليج في النشاط الثقافي، وأهمية أخذ الثقافة في الاعتبار في صلب خطط التنمية. بينما تطرّقت أولريكه فريتاغ إلى تطوّر السياسات الثقافية في المملكة العربية السعودية وإلى الدوافع المختلفة وراء الاستثمار الضخم في الشؤون الثقافية. أمّا لحبيب بلية ومحمد رضا سلطاني وإبراهيم بو الفلفل فحاولوا في ورقتهم الكشف عن الطريقة التي تُدير بها دولة قطر الشأن الثقافي فيما تواجه تحديات ثقافية ذات تأثيرات بالغة في هويتها الوطنية.
عُقدت الجلسة الثانية للمنتدى في مسارين متوازيين أيضًا. في المسار الأول، ترأس غانم النجار جلسة استأنفت النقاش حول مرتكزات العلاقات الخليجية - الصينية وتحدياتها، وقُدّمت فيها ثلاث أوراق. حاول أسعد صالح الشملان تلمّس الفرص والتحديات المصاحبة لانعكاسات المنافسة الصينية – الأميركية على العلاقات الخليجية – الصينية، وخلص إلى أن احتدام التنافس بين واشنطن وبيجين بات يشكّل تحديًا لا تملك الكثير من عواصم العالم تجاهله، وخصوصًا تلك التي لها علاقات وثيقة بالطرفين، مثل دول مجلس التعاون؛ ما يفرض عليها تحديات، وقد يُهيّئ لها فرصًا أخرى. وجادل روري ميلر بأنه لا مفرّ من ارتفاع حدّة التوترات بين القوى العظمى والمنافسة في بلدان آسيا في المجال البحري للخليج، وذلك مع تزايد انشغال واشنطن وحلفائها الآسيويين باحتواء الطموحات البحرية الصينية في الممرات المائية المحيطة بالخليج، وأيضًا مع ازدياد أهمية "الجغرافيا السياسية للموانئ". وتناول جوناثان فولتون التوتّرات الكامنة في العلاقات الخليجية - الصينية المتنامية، معالجًا السؤال المتعلق بالكيفية التي ستتمكّن بها دول الخليج من تحقيق التوازن بين الفرص الاقتصادية التي توفّرها الصين، والتحدّيات الجيوسياسية بين بيجين والعديد من شركاء دول الخليج الأكثر أهمية.
وفي المسار الثاني، ترأست عائشة العماري جلسة بعنوان "السياسات الثقافية في دول الخليج في سياق التحولات السياسية والفكرية"، وقُدّمت فيها ثلاث أوراق أيضًا. بيّن زيد بن علي الفضيل طبيعة التحولات القائمة في المشهد الثقافي السعودي منذ القرن العشرين حتى الوقت الراهن، وتأثره بمختلف الأحوال السياسية والاقتصادية، علاوةً على تأثير حالة الابتعاث في سماته خلال النصف الثاني من القرن العشرين. أمّا عبد الله أبو لوز، فقدّم إطارًا نظريًا شاملًا لفهم رؤية المملكة العربية السعودية 2030، والدور الحيوي للقيادة الفردية في دفع تنفيذ الرؤية، متناولًا مفهوم الهندسة الاجتماعية وتأثيراتها في التغيير الثقافي. وتتبّع جاسم حسن الغيث الحالة التثاقفية والتهجين المعرفي (الإبستيمولوجي) اللذين تشهدهما الثقافة الخليجية، متخذًا من المشروع الثقافي المسرحي نموذجًا.
وفي الجلسة الثالثة، ترأس فيصل أبو صليب جلسة المسار الأول حول "تطور العلاقات البينية لدول الخليج العربية مع الصين". تحدّث محمد المسفر حول تطور العلاقات القطرية - الصينية وتحدياتها في الفترة 1988-2023، وخلص إلى أنها تتميز بالديناميكية والنمو المتسارع، وتعزيز الثقة المتبادلة بين الدولتين، وتجلّى ذلك في تأسيس علاقة شراكة استراتيجية بينهما، وناقش أيضًا التحديات التي تواجه العلاقات بين الدولتين وطرائق التغلب عليها. أما هادي مشعان ربيع ناصر، فناقش استمرارية العلاقات الاقتصادية العراقية – الصينية، على الرغم من الاضطرابات الجيوسياسية والعراقية المحلية، وإمكانية أن تشهد هذه العلاقات منعطفًا جديدًا في المستقبل.
وفي المسار الثاني، ترأس باقر النجار جلسة بعنوان "الإطار السوسيولوجي للسياسات الثقافية في بلدان الخليج". تعرّض يعقوب الكندري في ورقته لقضية التماثل والاختلاف وارتباطها بمفهوم الاندماج الاجتماعي، مركّزًا على هويتين فرعيتين داخل المجتمع الكويتي، هما الهوية الحضرية والهوية القبلية. أما محمد بن سالم المعشني فبحث في ورقته التكوين الثقافي للمواطن الخليجي، معرّفًا بدور الأسرة والمجتمع والحكومة فيه، ومعرّجًا على مصادر هذا التكوين وأنواعه.
وفي ختام اليوم الأول، شارك سعادة وزير الثقافة القطري، الشيخ عبد الرحمن بن حمد آل ثاني، في جلسة حوارية بعنوان "الثقافة ودورها في بناء المجتمع"، أدارها عبد الرحمن الباكر. بدأ الوزير الجلسة بالترحم على شهداء غزة، وأضاف أن صبر أهل غزة برهان على أن الثقافة إنما هي إعداد للأزمات، وبهذا المدخل أشار إلى مفهوم الثقافة، وتصوره تجاهه. وأشار إلى علاقة المجتمع القطري بالثقافة ورسوخها في الهم الوطني، رافضًا تعميم صورة نمطية محددة تجاه الثقافة، مع أهمية النقد الذاتي بوصفه إمكانية للتطور والرقي. وناقش دور وزارة الثقافة في التأثير في المجتمع، مشيرًا إلى أن الثقافة مسألة متجددة غير ثابتة، ووفقًا لذلك تعمل وزارة الثقافة على تحديث استراتيجيتها، على اعتبار أنها مسألة لا تنتهي. وتناول أيضًا موقع الثقافة في تعزيز الهوية القطرية، باعتبارها جزءًا من الهوية العربية الإسلامية ومستمدة منها، كما أنها تتلاقى مع الهويات الأخرى تتأثر بها وتؤثر فيها، مع الحفاظ على خصوصيتها، التي تجلت في كأس العالم 2022. وتناول موضوع "البشت"، باعتباره جزءًا من الإرث الثقافي، وأكد على مسألة الاحترام المتبادل للثقافة، وحق الجاليات في الاعتزاز بثقافتها، وشدد على أهمية الإنتاج الثقافي ودور وزارة الثقافة في هذا السياق، والمنافذ التي تتيحها للمجتمع القطري، والاهتمام بالنشء والإعداد الثقافي في ظل التحديات الراهنة المرتبطة بثورة الاتصالات الحالية. وتطرّق إلى استخدام الدبلوماسية الثقافية وسيلة لمد الجسور مع الشعوب الأخرى، والتي أثبتت نجاعتها في التجربة القطرية.
التنافس الدولي والعلاقات الخليجية – الصينية والمتاحف في الخليج
في محور علاقات دول الخليج العربية بالصين، ترأّست نوف الجسار جلسة بعنوان "التنافس الدولي وانعكاساته على تطور العلاقات الخليجية - الصينية"، بدأها كاظم هاشم نعمة بمناقشة تأثير العامل الأميركي في السياسة الصينية حيال دول الخليج العربية، متناولًا الموضوع في سياق العلاقات ثلاثية الأطراف، التي شهدت محطات تغيير استراتيجي خصوصًا بعد الحرب الباردة، من خلال دراسة أهداف كل طرف ووسائله واستراتيجيته، وتحديد طبيعة المقيدات وفاعليتها وجدواها وتكلفتها وعواقبها بجوانبها السياسية والاقتصادية والأمنية. أما كازوتو ماتسودا، فناقش المواقع الاستراتيجية المتميزة لليابان والصين في نظر صانعي السياسات في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، متناولًا إياها في سياق الديناميات السياسية ثلاثية الأطراف في الخليج، وخلص إلى أن بيجين ربما تكون شريكًا مميّزًا في المجال الاقتصادي، غير أن طوكيو ربما تكون شريكًا أشد جاذبية وحيادية على المستوى السياسي بالنسبة إلى دول المجلس. وناقش أفتاب علم العلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون وانعكاساتها على باكستان في أبعاد ثلاثة: اقتصادية، وجيوستراتيجية، ودبلوماسية.
وفي مسار "السياسات الثقافية لدول الخليج"، ترأست عائشة الدرمكي جلسة "المتاحف في بلدان الخليج وبناء الهوية"، وفيها ركزت سندس الراشد على تطور المتاحف في دول الخليج العربية خلال العقدين الأخيرين، بحيث أصبحت رمزًا ثقافيًا يعكس هوية الدولة. في حين سعت العنود عبد الله آل خليفة لاستكشاف الدور المتنامي لمتحف قطر الوطني، وتجلّيه بوصفه مساهمًا محوريًا في تحفيز التحولات في السياسة والاقتصاد والمجتمع. أمّا هاي وون جيونغ فسلّطت الضوء في ورقتها، على الابتكار وصياغة الاتجاهات المستقبلية، بوصفها استراتيجيات لبناء الهوية الوطنية عند تقاطع سياسات العلوم والتكنولوجيا والثقافة، متّخذةً من المتاحف في دولة الإمارات حالةً للدراسة.
عُقدت الجلسة الخامسة في مسارين متوازيين أيضًا. ففي المسار الذي ترأّسه حاتم الشنفري، حول الأمن والطاقة في العلاقات الصينية – الخليجية، تناول ديغانغ صن وسي ليو، في ورقة مشتركة، المسارات التي حدّدت استراتيجية التحوّط التي تنتهجها الصين للاستجابة للبيئة الأمنية في الخليج، وخلصا إلى أنّ هذه الاستراتيجية نجحت حتى الآن في فكّ الارتباط بين الحرب العالمية الباردة (أي المنافسة بين الولايات المتحدة والصين والمنافسة بين الولايات المتحدة وروسيا) وحرب الخليج الباردة (المواجهة السعودية - الإيرانية). أما ظافر العجمي فتناول الجوانب الأمنية في العلاقات الصينية – الخليجية، محاولًا تتبع دوافع هذه العلاقة، وخلص إلى أن كفة المحفزات لا تتفوق على التحديات التي تواجهها العلاقات الأمنية بيسر. ثم ناقش مصطفى البازركان أهمية دول الخليج في طموحات الصين العالمية، وخلص إلى أنه يمكن تشبيه علاقات دول الخليج، منفردة أو مجتمعة، بالصين بـ "عقود الغاز"، التي غالبًا ما تكون استراتيجية طويلة المدى؛ ما يضفي استقرارًا على سياسات كل الأطراف، ويسهم في تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية.
وفي المسار الآخر بعنوان "الاستراتيجيات الثقافية والمؤسسات الثقافية الخليجية"، الذي ترأّسته مريم الكواري، قدّم سعيد الطارشي تحليلًا نقديًا للخطاب الاجتماعي لدراسة ومقارنة عناصر الاستراتيجيتين الثقافيتين الخاصّتين بدول مجلس التعاون (2020-2030) والاستراتيجية الثقافية العُمانية (2021-2040). أمّا خالد الخالدي، فبحث في تاريخ نشأة المؤسسات الثقافية في الكويت، وصعودها ثم سقوطها، مستخدمًا منهجية التحليل التتبعي. ودرس عبد الرحمن المري في ورقته آليات الإنتاج الثقافي في قطر، وتشخيص الوضع الثقافي فيها، بانيًا تحليله على استقراء تاريخي لدور المؤسسات الثقافية في صناعة مجال التعبير الثقافي من جهة أولى، وموقع الفرد فيها ونصيبه منها من جهة ثانية، وتعبير مؤسسة الثقافة عن المكنونات الثقافية في المجال الاجتماعي من جهة ثالثة.
في الجلسة السادسة، التي ترأّسها ماجد التركي، حول مبادرة الحزام والطريق، جادل غانغزينغ شي في أن التوترات الصينية - الأميركية المتنامية، إضافة إلى النزاعات وتضارب المصالح داخل المجلس، قد تشكّل تحدّيات أمام عمليّة تطوير مبادرة الحزام والطريق وتنفيذها في المستقبل، وقد تعوّق أيضًا علاقات الصين بالجهات الفاعلة الإقليمية؛ أي دول الخليج بوصفها شكلًا جديدًا من أشكال "المنطقة الوسيطة". أما عماد قدورة، فأوضح أن الخليج يقع في صلب اهتمام الصين ومتطلبات مبادرة الحزام والطريق، وتعرّض إلى الكيفية التي اندمجت بها كل دولة في مشاريعها بالتدريج. وناقش وسائل الغرب ومشاريعه البديلة للرد على المبادرة وعرقلتها، ومدى انطباق هذه الوسائل على دول الخليج العربية. وتناول يوسف بن حمد البلوشي، أهمية الصين لاعبًا محوريًا في الاقتصاد العالمي والتحولات الأخيرة في مختلف المجالات خاصة الاقتصادية منها، مسلطًا الضوء على ضرورة الارتقاء بمستوى التقارب في العلاقات الخليجية - الصينية لأهميتها، وختم بتوصيات بشأن ماهية التعامل مع التحدي المتعلق بأنسب السبل لتعظيم الاستفادة من الاستثمارات الصينية في دول الخليج.
عُقد المسار الأخير للجلسة السادسة، الذي ترأّسته ابتهال الخطيب، بعنوان "المؤسسات الثقافية والتعليمية في دول الخليج وبناء الهوية الوطنية"، وشاركت فيه ثلاثة أوراق. هدف محمد اليحيائي في ورقته إلى قراءة المقاربة التي انتهجتها الدولة في سلطنة عُمان في إعادة صياغة الهوية الوطنية وفهمها، وذلك منذ عام 1970. وحاول سيف بن عدي المسكري وناصر بن سيف السعدي في ورقتهما مراجعة مسألة الهوية الثقافية في المناهج الدراسية المعتمدة في سلطنة عُمان في العام الدراسي (2022-2023)، وتحديدًا مناهج العلوم الإنسانية، وذلك من زاوية ترتبط بالانتماء إلى الهويات المختلفة: الوطنية، والخليجية، والعربية، والإسلامية. أمّا مثنى المصري وعمر عابدين، فبحثا في ورقتهما مجتمع الغوص وثقافته من أجل التعمق في كيفية تعامل دولة قطر مع تراثها الثقافي القديم المترابط، وتأثير هذه السياسات في محتوى المعارض والمنتديات والمؤتمرات التي ترتبط بثقافة الغوص واللؤلؤ.
عُقدت ندوة دورية أسطور استكمالًا لسلسلة ندوات الكتابة التاريخية في العالم العربي، وقد ناقشت تيارات التأريخ الخليجي ومساراته، ووقفت عند سير مجموعة من المؤرخين الخليجيين وتجاربهم، إضافةً إلى عرض محاولات نقدية جديدة في كتابة تاريخ بلدان الخليج العربية. واستُهلّت الندوة بجلسة افتتاحية رحّب فيها كلٌّ من رئيس هيئة تحرير أسطور، عبد الرحيم بنحادة، ورئيس وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية، حيدر سعيد، بالباحثات والباحثين المشاركين والحضور.
افتتح عبد الرحمن الإبراهيم، الباحث والأكاديمي الكويتي، الجلسة الأولى التي ترأستها الدكتورة حياة عمامو. وتناول الباحث إحدى الإشكاليات المنهجية السائدة في التأريخ لبلدان الخليج العربية، ألا وهي التركيز المفرط على الجوانب السياسية ومؤسسة الحكم على حساب الأبعاد الاجتماعية والثقافية، وأشار إلى أن هذا التوجه أدى إلى تهميش عناصر اجتماعية مهمة، مستشهدًا بنموذج دولة الكويت والتطور التاريخي لكتابتها منذ عام 1926، مؤكدًا على أهمية البحث في دوافع كتابة التاريخ وضرورة إعادة النظر في المنهجيات المتبعة لتصحيح هذا الخلل، ومشيرًا إلى أن غياب التاريخ النقدي يُعد أحد الأسباب الرئيسة لهذه المشكلة. ومن جهته، سلَّط ناصر بن سيف السعدي، الأستاذ بجامعة نزوى في عُمان، الضوء على تطور الكتابة التاريخية في عُمان، منذ أول مدونة عمانية للتاريخ الاجتماعي والسياسي في القرن الثاني عشر (الأنساب)، وناقش التباين في المدونات التاريخية من حيث المنهجيات وخلفيات المؤرخين، مؤكدًا على تنوع الأساليب الكتابية والفوارق بينها.
وفي سياق متصل لنقد الكتابة التاريخية في بلدان الخليج، ناقشت الباحثة أمل غزال، أستاذة التاريخ، وعميدة كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في معهد الدوحة للدراسات العليا، والباحث عبد الرحمن الباكر، الباحث المتعاون في وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وعضو هيئة التدريس في كلية القانون في جامعة قطر، "انتفاضة 5 آذار/ مارس" في البحرين، مشيرين إلى أن الكتابات التاريخية المتعلقة بهذه الانتفاضة تركزت على سرديات المشاركين من الحركات اليسارية، متجاهلة الأبعاد الإقليمية للحركة. وفي هذا النقاش، جرى لَفْت الانتباه إلى أن هذه السردية اليسارية حصرت الانتفاضة في إطار وطني ومحلي، متجاهلة الهويات والارتباطات العابرة للحدود. وفي إثر ذلك، تناولت أولريكه فريتاغ، المؤرخة المتخصصة في الشرق الأوسط، دور الذاكرة الجمعية في الكتابة التاريخية في الخليج العربي.
وترأست الباحثة العنود عبد الله آل خليفة الجلسة الثانية لندوة أسطور. وفي هذه الجلسة، قدّم الباحث في قسم الدراسات الآسيوية والشرق أوسطية بجامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، صالح عبد الله الخليفي، ورقةً أكّد فيها على حاجتنا إلى فهمٍ أعمق للكيفية التي نظر من خلالها المؤرخون المعاصرون في الخليج إلى الإمارات العربية الناشئة بين العامين 1750 و1820، مستخدمًا كتاب الشيخ عثمان بن سند حول الزبارة سبائك العسجد في أخبار أحمد نجل رزق الأسعد مثالًا لتوضيح التطور السياسي والتجاري في هذه المنطقة، وما يمكن أن تمنحنا إياه من تفسيرات بديلة من التصورات الأوروبية السائدة.
أما خالد بن غانم المعاضيد، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فتناول موضوع الذاكرة الجمعية، ونبَّه إلى أنها تؤدي دورًا مهمًّا، على الرغم من صفتها الانتقائية في إعادة بناء الماضي. وقد استخدم المعاضيد في بحثه حملة فيصل بن تركي على قطر والبحرين عام 1851 مثالًا لدراسة حالة متعلقة باستكشاف تأثير الذاكرة الجمعية في التأريخ وتأثيرها في الكتابات الأكاديمية اللاحقة، مؤكدًا على أهمية النقد الدقيق للنصوص التاريخية لتقريبها أكثر فأكثر من الحقيقة التاريخية. واختتمت الجلسة الثانية بورقة لعبد الرحمن المري، وهو باحث في مركز ابن خلدون للعلوم الاجتماعية والإنسانية بجامعة قطر، تناول فيها إشكالية الكتابة التاريخية في قطر من زاويتين اثنتين: الأولى مرتبطة بمحددات تلك الكتابة، والثانية تدور حول بنية الكتابة نفسها. وسعى الباحث لتحديد ماهية تلك المحددات وطبيعتها، واستكشاف بنية الكتابة التاريخية في قطر وعلاقتها بالتغيرات الاجتماعية والسياسية، معتمدًا على نصوص تاريخية متنوعة تعكس تطور قطر منذ الستينيات.
أما الجلسة الثالثة (الأخيرة)، "قضايا وتقاطعات"، فترأستها الباحثة آيات حمدان، وفيها ناقشت المؤرخة العراقية، هالة فتاح، تطور حقل دراسات الخليج العربي. وقد اقترحت الباحثة نموذجًا جديدًا لهذه الدراسات يركز على ثلاثة موضوعات مترابطة: توسيع تقدير تاريخ الخليج بمنظور داخلي وإقليمي، وربط الخليج بمحيطه الإقليمي مع التركيز على العراق بوصفه جزءًا حيويًّا من هذا التاريخ، وتعميق البحث في تاريخ المحيط الهندي بوصفه مجالًا أكاديميًّا ذا صلة. وفي موضوع متصل، اهتمّ الباحث فهد بشارة، الأستاذ المشارك في قسم التاريخ بجامعة فرجينيا في الولايات المتحدة الأميركية، بتاريخ تجارة التمور في القرنين التاسع عشر والعشرين من الخليج إلى مناطق حول غرب المحيط الهندي، مشيرًا إلى التنوع اللغوي والثقافي الذي رافق هذه التجارة، ومؤكدًا على أهمية النهج المايكرو في دراسة التاريخ التجاري. وقد استخدم في بحثه أرشيف التاجر الكويتي محمد بن عبد الله المتروك مثالًا لتوضيح الكيفية التي يمكن أن يستكشف المؤرخون من خلالها تاريخًا ثريًّا عابرًا للأقاليم، وركَّز على البنى التحتية النصية التي سهلت تداول السلع ورؤوس الأموال وتحويلها، مقترحًا طريقة تفصيلية وشاملة لكتابة تاريخ الخليج تربط بين الجزئي والكلي والمحلي والعالمي.
منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية