جرت أعمال الدورة الخامسة لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يومي 1 و2 كانون الأول/ ديسمبر 2018. وتناولت جلسات هذه الدورة مسارين "التحولات الاجتماعية في دول الخليج العربية: إشكالية الهوية والقيم"، و"العلاقات الخليجية – الأميركية".

افتتح أعمال المنتدى الدكتور مروان قبلان، الباحث في المركز العربي ورئيس لجنة منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية. أكد قبلان في كلمته الافتتاحية أن المنتدى بات منبرًا أكاديميًا لدراسة شؤون منطقة الخليج العربية وعلاقتها بجوارها والإقليم والعالم، وأنه على مدار الأعوام الأربعة الماضية جرى تكريس المنتدى باعتباره أحد البرامج البحثية المتميزة للمركز العربي، وتقليدًا سنويًا يُعقد في الأسبوع الأول من شهر كانون الأول/ ديسمبر، وأن الباحثين من المنطقة والعالم أصبحوا يحرصون على المشاركة فيه والتقدم إليه، بدليل الزيادة الكبيرة التي تطرأ كل عام على عدد المتقدمين للمشاركة في دورات المنتدى.

وقد أشار قبلان إلى أن الدورة الخامسة تتناول قضايا التحولات الاجتماعية وإشكالية الهوية والقيم في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولا سيما أن أزمة حصار قطر كشفت عن توتر مكبوت في العلاقة بين الهويات التقليدية (الوشائجية والقرابية) التي كان النظام السياسي الاجتماعي في بلدان الخليج يكرسها ويمأسسها؛ وذلك في الوقت نفسه الذي كان يحاول فيه أن يعمّق خطاب المواطنة والهوية الوطنية. كما طرحت الأزمة سؤالًا أكبر حول الهوية الخليجية التي حاولت مؤسسة مجلس التعاون رسمها وتحديد ملامحها وتعزيزها باعتبارها هوية خليجية فوق وطنية. وأكد قبلان أن المنتدى يتناول هذه الموضوعات، وغيرها، في محور التحولات الاجتماعية وإشكاليات الهوية والقيم في 19 ورقة بحثية موزعة على ست جلسات تتناول موضوعات تراوح بين الهوية، والقيم والتنمية، والقبيلة، واللغة، وصولًا إلى الأزمة الخليجية وتأثيرها في الهوية الخليجية المشتركة.

وأضاف قبلان أن الموضوع الثاني الذي يحتل الحيز الكبير في مداولات المنتدى في دورته الخامسة، والذي يُعدّ مكملًا للموضوع الأول في بعده الخارجي، هو موضوع العلاقات الخليجية – الأميركية، وهي علاقات يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها أحد أهم المحددات في سياسات دول مجلس التعاون، سواء الداخلية أو الخارجية، مع الأخذ بالاعتبار نمط الحياة والاستهلاك والمدينة الخليجية التي قامت على صورة المدينة الأميركية. وقد أكد قبلان أن هذا المحور لا يركّز على هذه القضايا، على أهميتها، بل يركّز على العلاقات الثنائية بين اللاعب الخارجي والأهم في شؤون المنطقة والعالم وبين دول مجلس التعاون.

محاضرة عامة

افتتح الباحث في كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا، غاري سيك، أعمال المنتدى بمحاضرة عامة بعنوان "أميركا: القوة المهيمنة المترددة"، وقد تحدّث فيها عن التحول في سياسة الولايات المتحدة تجاه دول الخليج العربية، مع التركيز على تاريخها الموسوم في المنطقة بالنفور والريبة والتقلّب. وأشار سيك، في تحليله لسياسة الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربية، إلى تسارع وتيرة دخول الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربية بعد الغزو العراقي للكويت، وتشكيل الولايات المتحدة ائتلافًا غير مسبوق نجح في هزيمة القوات العراقية؛ ما مكّن القوات الأميركية، بما تحظى به من بنية تحتية داعمة، من غزو أفغانستان والعراق وشنّ الحرب اللاحقة ضد العناصر الإرهابية في جميع أنحاء المنطقة. ثم تناول سيك في بحثه الأزمة العالمية الحالية التي تواجهها سياسة الولايات المتحدة، مبرزًا أنه على الرغم من الحضور العسكري الهائل الذي تحظى به أميركا في دول الخليج العربية، فإن هناك بعض الإشارات التي تفيد أن الولايات المتحدة بدأت تتعب من هذا الدور، وأنها قد تعود بالتدريج إلى مستوى انخراطها السابق الأشد تواضعًا في المنطقة.

المحور الأول: التحولات الاجتماعية في دول الخليج العربية: إشكالية الهوية والقيم

أسس الهوية وركائزها في دول الخليج العربية

ناقشت الجلسة الأولى من اليوم الأول في محور التحولات الاجتماعية في دول الخليج العربية إشكاليةَ الهوية في دول الخليج العربية، قدّم فيها الباحث محمد غانم الرميحي عرضًا للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تعرضت لها دول الخليج العربية قبل دخولها اكتشاف النفط وبعده. وأشار الرميحي إلى أن مجتمعات دول الخليج العربية تشكّلت وتكوّنت في ظلال نسيج اجتماعي صحراوي؛ ومن ثمّ فإنّ لها من العلاقات الاجتماعية ما تفرضه الصحراء. كما أنها تشكلت في ظلال البحر؛ أي إنّ عددًا كبيرًا من أبنائها ركبوا البحر للتجارة والغوص بحثًا عن اللؤلؤ أو صيد الأسماك.

في السياق ذاته، ركّزت الباحثة كلثم الغانم على مدى قدرة شعوب دول الخليج العربية على تحقيق الانسجام ما بين المسألة التاريخية في الخليج؛ وهي متمثلة ببعدها الديني وإرثها التاريخي الذي يحاول إعادة الظهور من جديد في ضوء التحديات الجوهرية الراهنة التي تواجه دول الخليج العربية، وبين الواقع الراهن الذي يعيشه المواطن الخليجي في دول الخليج العربية. وركّزت الغانم على التحديات التي تدخل في صلب تكوين الهوية في دول الخليج العربية، والتي فرضت تناقضات على مستوى الانتماء، وعلى مستوى الفعل والسلوك أيضًا؛ بسبب المتطلبات المتناقضة لكل منها. ثم استعرضت الباحثة كورتني فريير أهمية القبيلة في دول الخليج العربية، وأثرها الاجتماعي والسياسي. واعتمدت الباحثة، لفهم هذه العلاقة بين القبيلة والدولة، على سياق تاريخي زمني منذ الحكم البريطاني، ومن ثم الاستقلال، وصولًا إلى عهد النفط في الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة.

الهوية الخليجية في الكويت وقطر وعمان

تناولت الجلسة الثانية، في محور التحولات الاجتماعية في دول الخليج العربية، دراسة التحديات التي تواجهها الهوية في الكويت وقطر وعمان. وقد عالج فيها الباحث يعقوب الكندري خطورة ظهور هويات فرعية فئوية، وتأثيرها في استقرار المجتمع الكويتي. وأوصى بضرورة تعزيز الهوية الوطنية داخل المجتمع؛ من خلال إعداد برامج تربوية، وإعلامية، وثقافية مختلفة تسهم فيها الدولة.

على مستوى موازٍ، ناقشت الباحثة مريم الحمادي الهوية الوطنية القطرية، من خلال التركيز على متحف قطر الوطني الجديد، المتوقع افتتاحه في نيسان/ أبريل 2019. وتعمّقت الباحثة في مناقشة الجدل المثار بين المتخصصين والقائمين على أعمال المتحف الجديد ما بين الرغبة في عرض هوية موحدة لقطر، وعرض التنوع الثقافي للهوية داخل المجتمع القطري. واستنتجت الباحثة أن العوامل والظروف التاريخية المختلفة لقطر ذات صلة وثيقة جدًا بحاضرها، كما يتضح ذلك من ردة فعل الشعب القطري على الحصار؛ إذ اجتمع المجتمع القطري بأكمله كيانًا واحدًا للرد على التهديدات الخارجية، وهو ما يكشف أن أي محاولة لتقديم الهوية القطرية من دون تقديم التنوع الثقافي في قطر، ستكون محاولة عرض وتقديم للهوية غير دقيقة.

ثم استعرض الباحث مبارك بن خميس الحمداني ظاهرة القبيلة في عمان وحضورها الفاعل في المجالات السياسية والاجتماعية. وناقش الباحث فكرة "التضامن الاجتماعي" الذي تحققه القبيلة لأفرادها، أو "السلطة" التي تمنحها، أو أنظمة "الحماية الاجتماعية" التي توفرها للأفراد المنتسبين إليها، وكيفية تأثير ذلك في العمليات السياسية الحيوية في الدولة والمجتمع، وتثبيطه حضور الدولة المدنية بتشكلاتها ورهاناتها الفعلية. ورأى أن القبيلة لا تزال تمثّل مكونًا اجتماعيًا وسياسيًا رئيسًا من مكونات المجتمع العماني، أهّلها لتكون أحد الميكانيزمات الأساسية للتاريخ السياسي والمعاصر بالنسبة إلى عمان.

عوامل التنمية والتطور العمراني والتغير اللغوي وأثرها في صناعة التحولات الاجتماعية

افتتح مهران كمرافا الجلسة الثالثة من محور التحولات الاجتماعية في دول الخليج العربية، وأشار إلى أن المدن والتطور العمراني في دول الخليج العربية شكّلَا فضاءات مدينية وحداثية ناجحة نسبيًا لتستقطب المواطنين والعمال من جميع أنحاء العالم. ورأى أن المدن الخليجية الحديثة سعت، أيضًا، لتكون بوابة مهمة على المستوى الإقليمي والدولي لاستقطاب السياح؛ فأصبحت مراكز للنقل الجوي واللوجستي، إضافة إلى استقطابها مراكز للجامعات والمتاحف.

وفي سياق ذي صلة، قدّم الباحث علي عبد الرؤوف دراسة هدف من خلالها إلى استكشافٍ وتحليلٍ للتحولات الرئيسة الحاصلة في المدن الخليجية المعاصرة في العقد الأخير، ورأى أنها لم تُسهم في تحقيق التنمية وخاصة العمرانية الحضرية فحسب، بل قدّمت أيضًا حزمة متناقضة من التحولات الاجتماعية والتساؤلات الوجودية والإشكاليات المحفزة عن حاضر الهوية الوطنية للدولة الخليجية ومستقبلها.

وفي شأن متصل، أشارت الباحثة دانية ظافر إلى أنه لا يمكن فهم التحولات الاجتماعية في دول الخليج العربية من دون فهم العلاقات بين الدولة والأعمال التجارية ودور القوى الاجتماعية والسياسية في بلورة التنمية المؤسسية فيها. وللكشف عن هذه العلاقة المركّبة، سلطت ظافر الضوء على الاختلافات في مسارات التنمية للقطاعات الخاصة، والمسارات السياسية التي وضعتها العائلات التجارية في قطر والكويت والبحرين، من خلال الاعتماد على عصر ما قبل النفط، وأثر هذه الاختلافات في الهوية بالنسبة إلى دول الخليج العربية.

أما الباحث قاسم شعبان، فقد اهتم بمسألة التحولات اللغوية، وأوضح أن الوضع الاجتماعي اللغوي المعقد نشأ وتطور بالتدريج بعد اكتشاف دول الخليج العربية للنفط والغاز في المنطقة، والشروع في خطط التنمية البشرية والمادية بإجراءاتها الموسومة بالطموح، وهو أمرٌ حوّل المجتمعات القبلية البسيطة إلى مجتمعات حضرية متطوّرة.

واقع الهوية الخليجية المشتركة وتحدياتها

ركزت الجلسة الأولى من اليوم الثاني، في مسار التحولات الاجتماعية في دول الخليج العربية، على: الهوية الخليجية المشتركة: الواقع، والتحديات، والآفاق؛ إذ تناولت الباحثة العنود آل خليفة مستقبل الهوية الخليجية المشتركة في ظل الخلافات بين دول الخليج العربية. ‏وسعت في بحثها للتركيز على دور مجلس التعاون لدول الخليج العربية، منذ تأسيسه عام 1981، بصفته المحرك الرئيس للهوية الخليجية المشتركة، والمساهم المؤسسي في بلورة الشخصية الخليجية. وأوضحت أن الخلافات الخليجية أخذت تتّضح بصورة متنامية، على مر السنين بعد الربيع العربي. وأشارت إلى وجود انقسام أو فجوة بين السياسيين الخليجيين، وأن حساب المكاسب والخسائر يجعل الناس في الخليج يفضلون التمسك بهوياتهم الوطنية، وإبعاد أنفسهم عن الهوية الخليجية المشتركة.

أما الباحثة نسيب بتل أوغلو، فقد ركزت في بحثها على المحددات الدولية لبناء الهويات الإقليمية والوطنية في بلدان مجلس التعاون. ورأت أن العوامل الدولية تعتبر واحدة من أهم ديناميات تشكيل الهوية في منطقة الخليج العربي؛ وذلك يعود إلى موقعها الفريد في أسواق الطاقة العالمية. واعتمدت في تعريفها عبارة المحددات الدولية على تأثير القومية العربية، والثورة الإيرانية، والاقتصاد النفطي، والنزاعات داخل دول مجلس التعاون. واستنتجت أن هذه العوامل، إلى جانب الحروب التي عاشتها دول المنطقة، وتدفق العمالة الدولية، تركت آثارها في مسألة بناء الهويات بمنطقة الخليج العربية.

وفي السياق ذاته، قارنت الباحثة آمال همامي بين دوافع بناء الهوية في الاتحاد الأوروبي ودوافع بناء الهوية في دول مجلس التعاون. واعتمدت في قياس دوافع بناء الهوية وتحليلها على أفعال الدولة بصفتها تعكس خيارات الجماعات أو الأفراد وقراراتهم؛ وذلك من خلال التركيز على العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية. واستنتجت همامي أن التحديات الاقتصادية والسياسية والثقافية والجيوستراتيجية المختلفة التي تواجه الخليج وأوروبا هي التي حفزت الطرفين إلى تأسيس هوية مشتركة لمواجهة عوامل الانقسام والتدمير. وللتغلب على العوامل التي من الممكن أن تهدد الهوية المشتركة، أوصت بضرورة توطيد فكرة المصالح المشتركة بين الدول الأوروبية ودول الخليج العربية، وذلك بهدف التغلب على المواقف القومية أو الانفصالية داخل المشروعين.

أثر حصار قطر في الهوية الخليجية

في الجلسة الثانية (اليوم الثاني) من محور التحولات الاجتماعية في دول الخليج العربية، أشارت الباحثة منيرة الرميحي إلى أن الأهداف المرجوة من دول مجلس التعاون تحطمت بالنسبة إلى الخليجيين في 5 حزيران/ يونيو 2017؛ حيث فُرض الحصار الجائر غير المسبوق على دولة قطر وشعبها برًا وبحرًا وجوًا من شقيقاتها دول الخليج (المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، إضافة إلى جمهورية مصر العربية). ورأت الرميحي أن أزمة الحصار تحمل بين طياتها جوانب تأثيرٍ سلبي في الجانب الاجتماعي؛ من خلال التأثير في بنية الأسرة القطرية والخليجية، وأن حصار قطر بات يمثل تهديدًا للهوية الخليجية المشتركة.

وتطرقت الباحثة مريم الكواري إلى الدور الذي يؤديه الفن، وتحديدًا الشعر والأغنية، في التحولات السياسية، وفي إعادة إنتاج الهويات في منطقة الخليج العربي. وناقشت الباحثة استخدام الشعر المحلي والأغاني الشعبية أو ما يسمى "الشيلات"، وهو من التراث الشعري النبطي، في الأزمة الخليجية، وبينت أثر ذلك في بناء الهوية الوطنية. وتناولت مفهوم الهوية وعلاقته بالموسيقى وأثره في تكوين الهويات السياسية، ودور التطور التكنولوجي في خلق الهويات المختلفة وتصعيدها في المنطقة، وفتح المجال أمام عمليات تطور الهويات على المستوى الفردي والجماعي في آن واحد. واستنتجت أن الشيلات والأغاني ساهمت من جهة في رفع المعنويات، وتعزيز الوحدة الوطنية في قطر، ولكن دول الحصار استخدمتها وسيلةً من أجل إضعاف معنويات الشعب القطري وتحطيمه.

اختتم الباحث محمد الهاشمي الجلسة بالحديث عن أسباب الأزمة الخليجية التي بدأت إبان الربيع العربي، وصولًا إلى الأزمة الخليجية التي تجاوزت فيها حدة خلافات "البيت الواحد" كل الحدود والأعراف المقبولة في العلاقات الدولية. ورأى أنه لا يمكن تحميل هذه الأزمة وما شاكلها من الأزمات السابقة مسؤولية إضعاف الهوية الخليجية الموحدة؛ حيث إن ما تشهده المنطقة من أزمات متكررة ما هو إلا نتاج حتمي للمشروع الذي عانى منذ بدايته غياب الرؤية الإستراتيجية المتكاملة وآليات التطبيق اللازمة، كما أنه وقع أحيانًا في أوحال الشعبوية والنرجسية لدى بعض القيادات السياسية. وسلط الباحث الضوء على الأزمة الخليجية من جانب اجتماعي، وبيّن أن الشرخ السياسي في منظومة مجلس التعاون ما هو إلا انعكاس لشرخ اجتماعي غُطّي بالمصالح الأمنية القصيرة الأمد تارةً، وبالمصالح الاقتصادية ذات الطبيعة الريعية والمتقلبة تارة أخرى؛ وذلك على حساب آمال شعوب منطقة الخليج العربي وطموحها.

دور التعليم في بناء الهوية الخليجية المشتركة

في الجلسة الأخيرة في محور التحولات الاجتماعية في دول الخليج العربية، بحث حسن جوهر في مقومات تعزيز مكانة دول الخليج العربية، وتماسكها الداخلي، وتكاملها الإقليمي. وتناول بالعرض والتحليل الإشكاليات التي تواجه الهوية الخليجية. ورأى أن المسيرة الخليجية لتحقيق هوية مشتركة، وبلورة هوية إقليمية واضحة المعالم، تسير في طريق بطيئة. ورأى أن الخلل يكمن أساسًا في الهويات الوطنية نفسها، والتي يفترض أن تكون بمنزلة الأرضية الممهدة بصفتها نواة للهوية الجامعة الجديدة، وأن ثمة أهمية لإعادة بناء الهويات الخليجية الوطنية على مبدأ المواطنة ومتطلباتها وآليات ترجمتها عمليًا. وأوصى، من أجل نجاح التكامل الإقليمي على المستوى المؤسسي والثقافي، بالمزيد من التعاون بين المؤسسات التعليمية والاقتصادية.

وفي سياق ذي صلة، قدم الباحثان سيف المعمري وزينب الغريبي دراسة ميدانية تكشف عن أبعاد الهوية الوطنية المضمنة في كتب الدراسات الاجتماعية في دولة الكويت، وسلطنة عمان، والمملكة العربية السعودية. واستند الباحثان إلى منهج الدراسة المقارنة بين هذه المناهج الدراسية، وأشارا إلى أن المقاربة بين التعليم والهوية في دول الخليج مسألة مهمة، في ظل هيمنة المقاربة بين التعليم وسوق العمل، والتي لم تتح حتى الآن تكوين صورة واضحة عن دور التعليم في بناء الهوية وتشكيل الإنسان في الخليج. وقد أوصى الباحثان متخذي القرار التربوي بضرورة إعادة التفكير في كيفية تضمين الهوية الوطنية في مناهج الدراسة الاجتماعية بدول الخليج؛ وذلك لوجود فجوة بين الخطاب السياسي الذي ينادي بالوحدة والمواطنة الخليجية والخطاب التعليمي الذي يكرس الاستقلالية الوطنية ويعززها.

أما عن مؤسسات التعليم العالي، فقد درست الباحثة مزنة العازمي دور المؤسسات التعليمية في بناء الهوية الوطنية الخليجية وتعزيزها من خلال تعرّف أهمية دور المناهج الجامعية، ودور أعضاء هيئة التدريس، ودور النشاطات الطلابية، في تعزيز الهوية الخليجية. ورأت العازمي أن المؤسسات التعليمية تؤدي دورًا مهمًا في بناء قيم الفرد وتنميتها في دول الخليج العربية. وأوصت الدراسة بضرورة إطلاق مشروع وطني لتوحيد الهوية الوطنية الخليجية، يتبناها مجلس التعاون خلال انعقاد دورته المقبلة، وبأن تدعم قياداته هذا المشروع. وأوصت أيضًا بضرورة إعادة تقويم المناهج المطبقة في مؤسسات التعليم في دول مجلس التعاون، والعمل على إدراج مفهوم الهوية الوطنية الخليجية ضمن موضوعات مناهج التعليم العام والتعليم العالي.

المحور الثاني: العلاقات الخليجية - الأميركية

 مرتكزات العلاقات الخليجية – الأميركية

في الجلسة الأولى (اليوم الأول) من محور العلاقات الخليجية – الأميركية، كشف الباحث دانيال سيروير عن أهمية إمدادات الطاقة في العلاقة بين الطرفين، كما أشار إلى أنه يجب على مورّدي النفط في دول الخليج تحمّل المزيد من الأعباء على أنفسهم والسعي لإشراك عملائهم الآسيويين، إلى جانب حصولهم من الولايات المتحدة على التقانات المتقدمة في مجالات الاستخراج والطاقة البديلة، وذلك بدلًا من المحافظة على الركائز التقليدية في العلاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية.

قدّم المداخلة الثانية الباحث مروان بشارة، وقد رأى أن تلك العلاقات بقيت ثابتة، وأنها تعزّزت خلال العقود الأربعة الماضية، على الرغم من التقلبات والصعوبات المختلفة في نهاية الحرب الباردة. واختتم بأن العلاقات الخليجية – الأميركية تبدو اليوم أكثر وضوحًا، إذ تُضاعف بعض دول الخليج استثماراتها السياسية والمالية للضغط على صنّاع القرار الأميركيين، وتنسّق جهودها مع جماعات الضغط الإسرائيلية لتحقيق أقصى تأثير.

أما المداخلة الثالثة فهي للباحث روس هاريسون، وقد جاءت لتنتقد التحليلات السياسية القائمة على مفهوم توازن القوى التقليدي القائم على النزعة الواقعية، وذلك بسبب الحقائق السائدة في الشرق الأوسط اليوم. ويرى هاريسون أن توزان القوى التقليدي بات غير ممكن لتفسير طبيعة العلاقات في المنطقة، خاصة بالولايات المتحدة.

واقع العلاقات الخليجية - الأميركية

استعرضت الجلسة الثانية من محور العلاقات الخليجية - الأميركية واقع العلاقات بين الطرفين. وقدّم أنتوني كوردسمان قراءة في راهن العلاقات الخليجية - الأميركية، إذ انطلق في تفسيره لأسباب استمرار الروابط الوثيقة في هذه العلاقات، بسبب صعود المخاوف المشتركة من تنامي النفوذ الإيراني والتهديدات العسكرية الناجمة عنه، وتهديدات العنف المتطرف، والحاجة إلى ضمان استقرار تدفق النفط من أجل تلبية الطلب العالمي.

في السياق ذاته، جاءت مداخلة الباحث عبد الله الشايجي للحديث عن تباين العلاقات الخليجية – الأميركية، وعدم قدرة الطرفين على المحافظة على توازن حقيقي طوال العقود الماضية. ويرى الشايجي أن الولايات المتحدة لم توفر المظلة الأمنية لدول الخليج العربية، كما تفعل مع اليابان وكوريا الجنوبية، بل اعتمدت على علاقة "التخادم" و"الشراكة" بين شريك وحليف قوي ومتنفذ، وشركاء محدودي القدرات، والتأثير في قرارات الحليف القوي ومواقفه، والقرارات التي لا تتقاطع بالضرورة مع مصالحه وأهدافه.

أما المداخلة الثالثة فقد أشار فيها الباحث محمد المنشاوي إلى أنه مع وصول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، وصعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد السعودي، جرى انتقال بالعلاقة بين الطرفين من كونها علاقات إستراتيجية خاصة إلى علاقات خاصة شبه شخصية، وهو ما قد ينتج منه تبعات شديدة الخطورة؛ تتخطى توازنات الداخل السعودي واستقراره من ناحية، واستقرار مصالح واشنطن في الشرق الأوسط وتغيرها من ناحية أخرى. وأشار إلى أن شخصنة العلاقات السعودية – الأميركية، وعدم اليقين والشك في مستقبل علاقات الدولتين، بات عنصرًا جديدًا في معادلة هذه العلاقات.

التحديات الأمنية التي تواجه منطقة الخليج العربية

ناقشت الجلسة الثالثة في محور العلاقات الخليجية - الأميركية التحديات الأمنية. وأشار فيها الباحث روري ميلر إلى أن الارتماء في أحضان الولايات المتحدة، بصفتها ركيزة أساسية من ركائز الأمن والدفاع، أدى إلى إهمال دول الخليج العربية عملية بناء قدرة أمنية إقليمية مستقلة، وتطوير علاقات أمنية واسعة بجهات خارجية أخرى غير الولايات المتحدة.

أما الباحث ظافر العجمي، فقد أشار إلى أن دول الخليج العربية تواجه شعورًا دائمًا بقابلية الغزو، وأن هذه المشاعر أجَّجتها الولايات المتحدة. وبيَّن الباحث أن وتيرة هذه المشاعر قد ارتفعت في الآونة الأخيرة؛ وذلك بسبب الاستدارة الإستراتيجية للولايات المتحدة، بعيدًا عن دول الخليج العربية. ورأى الباحث أن سياسة الولايات المتحدة من وصول الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، باراك أوباما، أسهمت في زعزعة ثقة الخليجيين بالقدرة الأميركية بخصوص تحقيق أمن الخليج العربي.

وفي سياق موازٍ، يرى الباحث محجوب الزويري أن إيران حضرت في مشهد العلاقات الخليجية – الأميركية، مرة أخرى، خلال السنوات القليلة الماضية، وأنّ هذا الحضور قد ارتبط بملفات عديدة في صدارتها الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، ثم الانسحاب الأميركي من الاتفاق عام 2018 والعقوبات الأميركية تجاه إيران، إضافة إلى الدور الإيراني في اليمن. وبيَّن الباحث أن للعامل الإيراني أثرًا مهمًا في مسار تطور العلاقات الخليجية - الأميركية، ولا سيما في ظل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

التحولات الإقليمية والدولية في العلاقات الخليجية – الأميركية

خُصصت الجلسة الأولى من اليوم الثاني في مسار العلاقات الخليجية – الأميركية لموضوع التحولات في سياسة الولايات المتحدة الأميركية، منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الرئاسة. وقد تناول الباحث شفيق الغبرا التحولات في سياسة الولايات المتحدة في عهد ترامب، وانتهاجها سياسة الضغط على دول الخليج العربية في ملفات محددة مثل: إيران، وأسعار النفط، وعقود الأسلحة، والحرب في اليمن، وصولًا إلى أزمة حصار قطر في حزيران/ يونيو 2017. ورأى الغبرا أن وصول ترامب يمثل بداية مرحلة جديدة في العلاقات الخليجية – الأميركية، أساسها الضغط المباشر على دول الخليج العربية؛ للقبول بقرارات أميركية من دون أدنى التفات إلى آراء مؤسسات سيادية وسياسية أميركية تمتلك معرفة أشمل بالعلاقات الخليجية والعربية بالولايات المتحدة. واختتم الغبرا حديثه بأن الكويت وقطر وعُمان عملت منذ الأزمة الخليجية على التخفيف من حدة التدخل الأميركي.

وفي سياق متصل، ناقش الباحث عبد الله باعبود التحولات الجديدة التي تمرّ بها العلاقات السعودية – الأميركية في ظل الإدارة الأميركية الحالية، مع التركيز على المتغيرات الإقليمية والدولية، في عهد الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب. ورأت الدراسة أن العلاقات السعودية – الأميركية دخلت العديد من مراحل التوتر، منذ الربيع العربي، ودخول قوى جديدة ومعسكرات متضادة، وبروز فاعلين جدد من ميليشيات مسلحة وتنظيمات إرهابية غير حكومية. وأرجع باعبود التوتر إلى مرحلة ما قبل وصول ترامب، وهو يرى أن العلاقات بين الطرفين لم تكن في أفضل حالاتها في عهد أوباما؛ وذلك بسبب الخلاف حول الاتفاق النووي الإيراني، وإقرار قانون "جاستا"، والملفات: السوري، والعراقي، واليمني. ويرى باعبود أيضًا أن ترامب انفتح على السعودية؛ لأجل توقيع اتفاقيات عدة بصفقات غير مسبوقة وصلت قيمتها إلى مئات المليارات.

وحلل الباحث أسامة أبو ارشيد الارتباك الحاصل في سياسة ترامب تجاه دول الخليج العربية، منذ الأزمة الخليجية في حزيران/ يونيو 2017. وأشار إلى أنه رغم جهود ترامب الحثيثة لرأب الصدع الخليجي؛ من جراء تداعياته السلبية على الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، خصوصًا لناحية احتواء إيران، فإنها لم تكلل بالنجاح، على الأقل حتى الآن. ورأى أن قطر اليوم، بل منذ أيلول/ سبتمبر 2017، في وضع أفضل وأقوى مما كانت عليه منذ بداية أزمة قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية في أيار/ مايو 2017، وما تبعها من حصار. وأضاف أن جملة الخطوات المتهورة التي أقدم عليها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عززت رأي دوائر أميركية كثيرة نافذة في واشنطن، بأنه يمثل عبئًا على السياسة والمصالح الأميركية في المنطقة، لا ذخرًا لها. واختتم حديثه بأنه يصعب التنبؤ بما ستفضي إليه جهود إدارة ترامب لحل الأزمة الخليجية مع تعنت موقف محور الحصار.

العلاقات الاقتصادية الخليجية – الأميركية

تناولت الجلسة الثانية من أعمال اليوم الثاني دراسةً وتحليلًا واقع العلاقات الاقتصادية الخليجية – الأميركية ومستقبلها. عالج فيها الباحث يوسف بن حمد البلوشي التغيرات الهيكلية التي يشهدها العرض والطلب على النفط في العالم. وأشار إلى أن الدول المنتجة والمصدرة للنفط، والمعتمدة أساسًا على إيراداته، ستواجه أزمة حقيقية في القريب العاجل؛ بسبب تغييرات العرض والطلب على مصادر الطاقة. ومن أجل دراسة هذه التحولات، سلط الباحث الضوء على أحد أهم المتغيرات في معادلة مستقبل النفط؛ المتمثّل في تحول الولايات المتحدة إلى دولة منتجة ومصدرة للنفط والغاز.

وفي سياق متصل، أشار الباحث ناجي أبي عاد إلى أن ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة أعادت كليًا تشكيل المشهد العالمي للغاز؛ وذلك بعد أن تحولت السوق الأميركية من مستورد كبير للغاز إلى مصدِّر رئيس له. ورأى الباحث أن التداعيات المهمة الأخرى لتدفق الغاز الطبيعي المسال الأميركي، على السوق الدولية، تتمثل في أنه ولّد فائضًا في العرض؛ على نحوٍ أدى إلى انخفاض الأسعار في أسواق الغاز الرئيسة، وتناقص الإيرادات التي كان يتوقعها المصدّرون الخليجيون.

واختتم الباحث رابح زغوني الجلسة بتتبع مسار سياسة الطاقة الأميركية في منطقة الخليج العربية، وذلك بهدف استقراء عوامل تقرير مصالح أمن الطاقة الأميركية. وأشار زغوني إلى أنه لا يمكن تجاهل التأثير الحاسم للطاقة، خاصة النفط، في تحقيق التنمية الاقتصادية ورفاهية الأمم. لكن المنطقة، بحسب الباحث، ولوجودها ضمن جغرافية الشرق الأوسط، تبقى بالنسبة إلى العالم، خاصة بالنسبة إلى العلاقات الخليجية - الأميركية، موطنًا دائمًا لعدم الاستقرار السياسي، من شأنه أن يؤثر في إمدادات النفط الخليجية للعالم وللولايات المتحدة.

جذور العلاقات العمانية – الأميركية وتاريخها

في الجلسة الأخيرة من مسار العلاقات الخليجية الأميركية، بيّنت الباحثة سعاد بيت فاضل الأهمية التاريخية للعلاقات السياسية العمانية - الأميركية، منذ عهد سعيد بن سلطان وانتهاء بحكم السلطان سعيد بن تيمور. وأشارت إلى أن العديد من الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة، تنافست لأجل إقامة علاقات مع عُمان. واستنتجت دور السلطان سعيد بن تيمور في تقوية العلاقات العمانية - الأميركية، على الرغم من وجود علاقات تجارية بين البلدين تعود إلى فترات سابقة لفترة حكمه، وأن الولايات المتحدة توجهت إلى إقامة علاقات تجارية مع عمان في المقام الأول، وأخذت هذه العلاقات في التطور في الفترات اللاحقة، على الرغم من الانقطاع الذي شابها.

أما الباحثتان الغالية المغيرية ورنا الضويانية، فقد ركزتا على الجوانب الاقتصادية في العلاقات العمانية - الأميركية، خلال فترة حكم السلطان سعيد بن تيمور؛ بعرض نبذة تاريخية عن أهم الاتفاقيات التجارية التي مهدت لنشوء هذه العلاقة بين الطرفين، وتوضيح السلع التجارية المتبادلة بينهما. وأشارت الباحثتان إلى أن العلاقة الاقتصادية العُمانية - الأميركية بدأت برحلات السفن التجارية الأميركية التي وصلت إلى موانئ عمان، سواء في مسقط أو في شرق أفريقيا، في القرن الثامن عشر الميلادي. ومن ثم تطورت العلاقة لتقوم على التعاون الاقتصادي القائم على النفط في عهد السلطان سعيد بن تيمور.

أما الباحثة بهية العذوبية فقد ركزت على الجوانب العسكرية، وأشارت إلى أن عُمان قدمت تسهيلات عسكرية للطيران العسكري الأميركي، في عدد من المطارات والمهابط الجوية العمانية، خلال الحرب العالمية الثانية منذ عام 1942، وصولًا إلى عام 1980 عندما عقدت اتفاقية الوصول إلى المرافق العمانية. وكشفت الباحثة عن طبيعة هذه التسهيلات العسكرية. ووضحت تأثير الوجود العسكري الأميركي بعمان في الوضع الإستراتيجي لعمان ودول الخليج العربي.

اختتمت الدورة الخامسة لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، بجلسة لباحثين خليجيين، عنوانها "إشكالية الهوية والقيم في دول الخليج العربية"، أدارها الإعلامي علي السند، وشارك فيها محمد غانم الرميحي، وماجد الأنصاري، وشريفة اليحيائية، ومحمد مطر.