نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدورة السابعة لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية على مدى خمسة أيام (29 تشرين الثاني/ نوفمبر - 3 كانون الأول/ ديسمبر 2020)، وجت أعمال الدورة عبر تطبيق زووم، مراعاة للإجراءات الاحترازية التي فرضتها جائحة "كوفيد-19"، وبثّت الجلسات عبر منصات التواصل الاجتماعي التابعة للمركز (فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب). وتناولت هذه الدورة في محورها الأول موضوع "صناديق الثروة السيادية والسياسات الاستثمارية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، في حين تناول المحور الثاني علاقات دول مجلس التعاون بإيران، وذلك بمشاركة 30 باحثًا من المنطقة العربية وخارجها، وُزعت أبحاثهم على 10 جلسات، من بينها محاضرتان عامّتان في كلا المحورين.

الصناديق السيادية: إشكالية الحوكمة والاستارتيجيات الاستثمارية والعوائد

رسمت محاضرةً عامة ألقاها جياكومو لوتشياني في موضوع المحور الأول بعنوان "تحديات إدارة صناديق الثروة السيادية" الأبعاد الرئيسية الأكثر إلحاحا على الدراسة في موضوع الصناديق السيادية الخليجية. وقد أوضح أن صناديق الثروة السيادية لا تتوقف عن النمو من حيث العدد والحجم، مشيرًا إلى وجود شكوكٍ كثيرة تحيط بإدارتها وتطورها على المدى البعيد؛ حيث قُدمت على أنها علاج سحري لجميع مشكلات الدول الغنية بالموارد، لكن تعدد الحالات والأولويات يطرح علامات استفهام متعددة. ولتحليل ذلك وتفسيره، ركز لوتشياني على قواعد التراكم والتناقص. كما تناول أداء دول مجلس التعاون في سياق أزمة العولمة، مشيرًا إلى أن الأمور تتجه بسرعة نحو تقييد حدود المستثمرين الأجانب في إدارة الأصول التي تعتبر ذات أهمية استراتيجية؛ فصناديق الثروة السيادية تُعدّ، بحسب رأيه، جزءًا من سردية العولمة التي شهدت تراجعًا تدريجيًا في دور الحكومات الوطنية وتنحية العلاقات الاقتصادية الدولية الرسمية من جراء القبول العالمي لقواعد السوق.

وفي المحور ذاته، قدّم خالد شمس محمد العبدالقادر ورقة في اليوم الثاني للمنتدى بعنوان "تجارب دول مجلس التعاون واستراتيجياتها في إدارة صناديقها السيادية وتعظيم فوائدها" ناقش من خلالها ماهية الصناديق السيادية وأهميتها، ودورها في تعزيز اقتصاديات الدول المالكة لها، مسلطًا الضوء على الصناديق السيادية لدول مجلس التعاون، وكيفية مساهمتها في تحسين مؤشرات اقتصادية مهمة. وتناول لنايف نزال الشمري "السياسات الاستثمارية لصناديق الثروة السيادية الخليجية: بين الاستدامة والتحديات المستمرة"، وناقش دور صناديق الثروة السيادية لدول الخليج العربية، بوصفها موردًا استثماريًا يعزز الاقتصاد الوطني ويساهم في تحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية بعيدًا عن مورد النفط. وخلص إلى أنّ القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية في دول الخليج، مع وجود إرادة حكومية جادة، من شأنه أن يدفع ببرامج مالية واستثمارية نافعة للاقتصاد، تتوافق مع تحقيق أهداف تأسيس الصناديق السيادية في سبيل تنويع مصادر الدخل. وقدمت سارة بازبوندي ورقة بعنوان "صناديق الثروة السيادية والرؤى الوطنية الخليجية: توطيد المؤسسات وجمع الأصول"، تناولت فيها تاريخ صناديق الثروة السيادية على مدى العقدين الماضيين، وأثرها في تسهيل نقل المعرفة والتكنولوجيا.

وقد ناقشت الجلسة الأولى من اليوم الثالث للمنتدى موضوعا مكملا لمحاضرة جياكومو لوتشياني، إذ خصصت لمناقشة الحوكمة في إدارة صناديق الثروة السيادية الخليجية. وتمّ عرض ثلاث أوراق بحثية؛ الأولى لفيصل حمد المناور بعنوان "نموذج مقترح لحوكمة صناديق الثروة السيادية في دول مجلس التعاون"، تناول فيها الإطار المفاهيمي للصناديق السيادية وحوكمتها، وقيّم صناديق الثروة السيادية الخليجية في إطار مفهوم الحوكمة، مقترحًا في هذا السياق نموذجًا عمليًا لحوكمة صناديق الثروة السيادية الخليجية. أمّا الورقة الثانية، فهي لجوليان مير وعدنان مزارعي وإدوين م. ترومان بعنوان "صناديق الثروة السيادية لدول مجلس التعاون: الحوكمة والآفاق"، ركزّوا فيها على مؤشرات عام 2019، بهدف فهم دور صناديق الثروة السيادية لدول مجلس التعاون ومكانتها. وقد لاحظ الباحثون الثلاثة تحسنًا في متوسط المؤشرات، مع بقائها أقل من متوسط 54 صندوقًا سياديًا آخر، وأقل أيضًا من الصناديق غير الخليجية التي تستمد مواردها المالية من النفط والغاز أو من مصادر أخرى. وكانت الورقة الثالثة لتمارا قمحاوي شولتز بعنوان "صناديق الثروة السيادية الخليجية: دعوة للحوكمة الثقافية"، ركزت فيها على إدراك دول الخليج الغنية بالنفط، خلال طفرة الأسعار أوائل عام 2000، إمكانية استخدام صناديق الثروة السيادية أدواتٍ لحشد الدعم السياسي والاجتماعي على الصعيدين الوطني والدولي. وأشارت الباحثة إلى أن الإخفاقات العديدة التي مُنيت بها صناديق الثروة السيادية، وتصدّر بعضها عناوين وسائل الإعلام مثل فضيحة الصندوق السيادي الماليزي "وان إم دي بي"، حدت بصناديق ثروة سيادية عديدة في منطقة الخليج إلى توخي الحيطة تجنبًا لوصمها بانعدام الشفافية.

وفي اليوم الرابع، عرض يوسف بن حمد البلوشي ورقة بعنوان "دور الصناديق السيادية في النهوض بالقطاع الخاص المحلي وجذب الاستثمار الأجنبي: حالة سلطنة عمان"، انطلق فيها من اعتبار أن تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) فرض على صناع السياسات في دول الخليج العربية في مختلف مفاصل الحياة عددًا من المتغيرات التي تفرض إيقاعًا مختلفًا ومقاربةً تنموية جديدة، تستوجب تغيير النموذج الاقتصادي المعتمد حاليًا على الحكومة والإيرادات النفطية إلى نموذج جديد قوامه القطاع الخاص والاستثمار المحلي والأجنبي والإنتاج والعمالة الوطنية. وقدم كل من نزار الجويني وهالة المنياوي ورقة مشتركة بعنوان "صناديق الثروة السيادية والقوة الناعمة: الاقتصاد السياسي للدول الصغيرة في الخليج"، انطلقا فيها من أطروحة الاقتصاد السياسي لصناديق الثروة السيادية. وأشارت الورقة إلى أن دول الخليج استخدمت صناديق الثروة السيادية بأشكالها المتباينة للمساهمة في التنمية الاقتصادية وتعزيز النمو الاجتماعي والاقتصادي. وخلص الباحثان إلى أن الاستثمار الضخم لدولة الإمارات تجاه دول الحلفاء سياسيًا، مثل مصر والولايات المتحدة الأميركية، وزيادة الاستثمارات القطرية في تركيا، يعتبران دليلًا على أن دول مجلس التعاون الصغيرة تستخدم القوة الناعمة لصناديق الثروة السيادية لتعزز استقرارها الأمني والسياسي.

وضمت الجلسة الأخيرة في اليوم الخامس ضمن محور "الصناديق السيادية" عرض ثلاث أوراق بحثية. الأولى لفهد يوسف الفضالة ومحمد عمر باطويح بعنوان "قراءة جديدة للأصول المالية السيادية للكويت"، أوضحا فيها أن مراجعة التقديرات المالية لصناديق الثروة السيادية لدولة الكويت، التي وضعتها وكالات التصنيف الائتماني، تبيّن إغفالها مجموعة من الصناديق الاستثمارية السيادية لدولة الكويت، والتي تم حصرها في صندوقين سياديين فقط، هما صندوق الأجيال القادمة FGF وصندوق الاحتياطي العام GRF، علمًا أن عددًا من الصناديق العاملة في القطاع الاستثماري المحلي والعالمي، تنطبق عليها بحسبهما كل الشروط المؤهلة لاحتسابها ضمن صناديق الثروة السيادية لدولة الكويت. أما الورقة الثانية للورنس الحناوي بعنوان "الصناديق السيادية الخليجية: بين التحول الاقتصادي وتثبيت أركان الحكم، صندوق الاستثمارات العامة السعودي نموذجًا"، فانطلق فيها من إعلان مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في السعودية، الذي يرأسه منذ تأسيسه ولي العهد محمد بن سلمان، إطلاق خطة اقتصادية في نيسان/ أبريل 2016 بعنوان "رؤية 2030"، مركّزًا على الموقع الذي أفردته هذه الخطة منذ إطلاقها لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، بوصفه المحرك الفاعل لتنويع الاقتصاد وتطوير قطاعات استراتيجية من خلال تنمية استثماراته، وذلك في إطار العمل على تحويله إلى أكبر صندوق سيادي حتى عام 2030. وكانت الورقة الثالثة لنبيل بوفليح بعنوان "مدى التزام صناديق الثروة السيادية الخليجية بمبادئ سانتياغو للحوكمة: جهاز أبوظبي للاستثمار نموذجًا".

العلاقات الخليجية – الإيرانية: التنافس وفرص التعاون والعامل الأميركي في العلاقات

قدّمت في اليوم الثالث من المنتدى شيرين هنتر محاضرة عامّة في المحور الثاني المخصص للعلاقات الخليجية الإيرانية، بعنوان "العوامل النظامية المؤثرة في تشكيل علاقات إيران مع دول الخليج العربية"، بحثت خلالها في مدى تأثير العوامل النظامية، الإقليمية والدولية، في ديناميات العلاقة بين إيران ودول الخليج العربية، مبينةً أثر النظم الإقليمية، لا سيما السياق العربي البيني، إضافةً إلى الأثر الإسرائيلي، ودور النظام الدولي وتحولاته وسياسات القوى العظمى. وقد خلصت إلى أن العوامل النظامية تركت أثرًا سلبيًا غالبًا في العلاقات بين إيران ودول الخليج، لا سيما في حقبة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفرّد الولايات المتحدة بالهيمنة ومحاولاتها إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط عبر استخدام القوة العسكرية.

وكانت قد عرضت أولى في جلسات هذا المحور في اليوم الأول من المنتدى ثلاث أوراق بحثية؛ استهلها خوان كول بورقة عنوانها "التنافس الجيوسياسي بين دول مجلس التعاون وإيران (2015-2020)"، وتناول فيها الجغرافيا السياسية الإقليمية للتنافس على النفوذ بين إيران ودول مجلس التعاون في أربع ساحات رئيسة، هي سورية واليمن ولبنان وباكستان، وخلص إلى أن دول مجلس التعاون فشلت أمام إيران في جميع هذه الساحات. في حين كانت الورقة الثانية لعبد الله محمد الغيلاني بعنوان "العلاقات الخليجية - الإيرانية: ثنائية الصدام والتعايش"، وقد سعى من خلالها إلى فهم ديناميات العلاقات الخليجية – الإيرانية، وتفكيك عناصرها، واستكشاف مآلاتها، في ضوء المعطيات الجيوسياسية الراهنة، من دون إغفال تراكمات الصراع التاريخية، وذلك من زاويتين: الأولى، تداعيات هذه الحالة الصراعية على الأمن الإقليمي الخليجي، أما الثانية فهي فحصُ فرص الوئام الخليجي – الإيراني. أما الورقة الثالثة فقدمها لروس هاريسون بعنوان "دول مجلس التعاون وإيران: حرب منخفضة الشدة، وصراع شديد الحدة". حاول الباحث تفكيك ديناميات هذه العلاقة بكل تعقيداتها، مشيرًا إلى أن الطبيعة الغامضة والمعقدة للتهديد الإيراني جعلت حل النزاع أشد صعوبة، مركّزًا على ثلاثة مجالات للغموض في هذه العلاقة: أولها غموض طبيعة هذا النزاع المتعدد الطبقات، وحقيقة أنه يجري في شرق أوسط تحوّل إلى نظام دول متدهورة تمزقها الحروب الأهلية. أما ثانيها، فهو يتعلق بتصورات التهديد غير المتوازنة وغير المتماثلة بين أطراف النزاع؛ فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين تعتبر إيران تهديدًا رئيسًا لأمنها القومي، بينما ترى إيران في الولايات المتحدة عدوها الأول، وليس الدول العربية. في حين يقع مجال الغموض الثالث، بحسب الباحث، داخل دول مجلس التعاون نفسها؛ أي بين الدول العربية التي تعتبر إيران تهديدًا وجوديًا وتلك التي ترى تهديدها دون ذلك.

وفي اليوم الثاني، شهدت الجلسة المخصصة لمحور علاقات دول الخليج بإيران؛ تقديم ورقة لمحمد غانم الرميحي حول "العلاقات الخليجية – الإيرانية: أسسها وآفاقها المستقبلية"، عرض فيها العلاقات الإيرانية – الخليجية، مستندًا إلى تحليل السياسة الخارجية الإيرانية، وردة فعل دول مجلس التعاون عليها. وقد نوّه الباحث في ختام عرضه إلى الحاجة إلى قراءة أسس العلاقات الإيرانية - الخليجية وخلفياتها، قبل الوصول إلى قراءة مستقبل هذه العلاقات، بموضوعية بعيدًا عمّا سماه "الشعارات والشعائر". أمّا الورقة الثانية، فهي لجودت بهجت، وعنوانها "السياسة الخارجية الإيرانية في الخليج من أحمدي نجاد إلى حسن روحاني"، وقد بيّن فيها أوجه التشابه والاختلاف بين الإدارتين، ودرس فيها دوافع السياسة الخارجية والدفاعية الإيرانية، مشيرًا إلى أن سياسة إيران الخارجية، مثل سياسة أيّ دولة أخرى، تعكس التوجه الأيديولوجي، وتصور القادة للمصالح الوطنية. وكانت الورقة الثالثة لمحمد آية الله طبار، بعنوان "السياسة الخارجية الإيرانية بعد روحاني"، حلّل فيها القوى المحركة لسياسة إيران في الشرق الأوسط في عهد الرئيس حسن روحاني، وقيّم مسارها المحتمل بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2021، وناقش السيناريوهات المحتملة لسياسة إيران الإقليمية في ضوء نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة فيها.

وفي اليوم الرابع من المنتدى، الأربعاء 2 كانون الأول/ ديسمبر 2020، قدم خالد الجابر ورقة بعنوان "مستقبل العلاقات الخليجية - الأميركية في حقبة ما بعد ترامب"، رصد فيها مستقبل العلاقة بين دول الخليج العربية والولايات المتحدة الأميركية في حقبة ما بعد ترامب، مناقشًا خلفيات العلاقة منذ وصوله إلى سدة الرئاسة الأميركية في كانون الثاني/ يناير 2017. كما عرض الخيارات المحتملة لعودة التفاوض بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران بشأن ملفها النووي وانعكاسات ذلك على أمن منطقة الخليج. أما الورقة الثانية فهي لنيكولاي كوزانوف بعنوان "التوترات الإيرانية - الأميركية وقضية أمن الطاقة في الخليج"، ناقش فيها تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وتصاعد المشكلات المحلية داخل إيران والولايات المتحدة الأميركية، وأثرها في المواجهة المستمرة بينهما. في حين كانت الورقة الثالثة لعماد قدورة بعنوان "المبادرات الخارجية لنظام الأمن في الخليج"، أشار فيها إلى وجود نهجين في المقاربات الخارجية لأمن منطقة الخليج، ينطلق الأول من واقع المنطقة حيث ينتشر النزاع والتنافس، مفترضًا أن التحالف وتعظيم القوة العسكرية والردع إجراءاتٌ ضرورية لضمان الأمن والحفاظ على توازن القوى، بينما يفترض الثاني أن نهج الأمن الشامل هو الملائم للوصول تدريجيًا إلى صيغة أمنية مستدامة بين جميع الأطراف. وكانت الورقة الرابعة لمهران كامرافا بعنوان "الهيكل والسياسة في علاقات إيران مع دول مجلس التعاون" أشار فيها إلى أن السياسات الخارجية والأمنية الإيرانية تجاه دول مجلس التعاون تخضع لقيود مؤسسية داخلية وخارجية، وأضاف أن السياسات الخارجية والأمنية تُوضع بوصفها حصيلة مفاوضات وتسويات بين ثلاثة مراكز قوى غير متكافئة: رئاسة الجمهورية، والحرس الثوري، والمرشد الأعلى.

و قُدمت في اليوم الخامس والأخير من المنتدى ورقتان بحثيتان في هذا المحور. الأولى لجون كالابريسي بعنوان "الولايات المتحدة والخليج: عالقون في المرحلة الانتقالية"، أشار فيها إلى أن رسائل الولايات المتحدة المختلطة، وتأرجح سياستها في دول الخليج في السنوات الأخيرة، أثارتا وغذتا تساؤلات عميقة ونقاشات داخلها ظلت غالبًا بلا نتيجة حول دورها في المنطقة وفي العالم. أما الورقة الثانية فهي لزاهد شهاب أحمد بعنوان "علاقات دول مجلس التعاون مع إيران والعامل الباكستاني"، ناقش فيها العلاقات بين باكستان ودول مجلس التعاون من منظور العلاقة المتضاربة غالبًا لهذه الدول مع إيران.