عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدورة الحادية عشرة لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية في الفترة 30 تشرين الثاني/ نوفمبر–1 كانون الأول/ ديسمبر 2024. وناقش المنتدى في هذه الدورة موضوعَين رئيسَين هما: "دول الخليج العربية والقضية الفلسطينية"، و"المدينة الخليجية بنيةً وفاعلًا اجتماعيًا"، في 14 جلسة، ومحاضرتين عامتين.

تضمن جدول أعمال المنتدى، في محوره الأول، 6 جلسات، تناولت مواقف دول الخليج العربية من القضية الفلسطينية، ومستقبل العلاقات الأميركية - الخليجية في ضوء العدوان الإسرائيلي على غزة، والعامل الأميركي في العلاقات الخليجية - الإسرائيلية، وتداعيات تطبيع بعض دول الخليج مع إسرائيل على مستقبل القضية الفلسطينية، والمواقف الشعبية في دول الخليج من القضية الفلسطينية.

أمّا المحور الثاني فاشتمل على 8 جلسات، وتضمّن أوراقًا ناقشت المدينة الخليجية، من ناحية أوجه التشابه والاختلاف فيما بينها وبين مدن عالمية، وأثر العولمة فيها، والبناء القومي للمدينة، ومشاريع التحديث، وما يرتبط بها من إشكالات بما في ذلك التحول المناخي والتوازن البيئي والاستدامة، وبنى التحديث الحضرية في المدن الخليجية بوصفها فاعلًا اجتماعيًا.

وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية يفتتح المنتدى

استُهلّت الدورة بافتتاح قدّمه وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية، محمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي، أكّد فيه أن قضية فلسطين ستظل محور اهتمام الدول العربية والإسلامية، وكذا دول الخليج، التي تسعى إلى تسخير كل إمكانياتها لدعم صمود الشعب الفلسطيني، ومساعيه العادلة في تقرير المصير، على اعتبار أن استقرار المنطقة وأمنها مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بحلٍّ عادل للقضية الفلسطينية، بناءً عليه، فهو التزام أخلاقي من جانب دول المنطقة؛ بالنظر إلى عدالة القضية وأخلاقيتها. وذكر الخليفي أنّ المشروع الاستيطاني في فلسطين يسير منذ بدايته ضد التاريخ، مشددا على أنّ الحل يتمثل في قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة على أساس حدود 4 حزيران/ يونيو 1967، وفي هذا السياق ظلت مواقف دول الخليج راسخةً تجاه حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وأشار إلى التعاون والروابط بين شعوب الخليج العربية والشعب الفلسطيني، والتي استقرت من خلال مساهماته في النهوض والتنمية في دول المنطقة.

وأوضح أن الدور القطري يستمر ببذل جهود الوساطة النابعة من القيم العربية والإسلامية، للوصول إلى العدل والإنصاف، انطلاقًا من مبادئ السياسة الخارجية لدولة قطر في توطيد الأمن والسلم ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها. وأشار إلى إعادة النظر في أدواتنا وآلياتنا، وفي هذا السياق كانت جهود اللجنة الوزارية لإيجاد مسار مختلف للقضية الفلسطينية، لمساندة جهود الاعتراف بدولة فلسطينية.

مواقف دول الخليج العربية من القضية الفلسطينية

تناولت أعمال الجلسة الأولى في المحور الأول مواقف دول الخليج العربية من القضية الفلسطينية، وقد ترأسها غانم النجار، وناقش فيها عبد العزيز بن عثمان بن صقر، الموقف السعودي من الحرب الإسرائيلية على غزة ومحدداته، وخلص إلى أن حرب غزة الأخيرة جعلت الموقف السعودي أكثر وضوحًا، وعزّزت المطالب الأساسية في السياسة السعودية التي تتمحور حول ضمان حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وحق تأسيس دولة مستقلة غير منقوصة السيادة، على كامل أراضي ما قبل 5 حزيران/ يونيو 1967. وتناولت ورقة عبد الله الغيلاني المواقف الخليجية من القضية الفلسطينية، مسلطةً الضوء على التحولات من "نكبة 1948" إلى "طوفان الأقصى" الذي فرض معطيات جديدة تعاملت معها دول الخليج بمقاربات متباينة تعكس استراتيجياتها السياسية والأخلاقية. وأشارت إلى أن طوفان الأقصى أحدث تغيرات جيوسياسية أثّرت في خرائط الصراع الإقليمي، مع استمرار دول الخليج في مواجهة هذه التحولات، وخلصت الورقة إلى أن مستقبل هذه المواقف يعتمد على قدرة صناع القرار في الخليج على قراءة الحقائق بموضوعية، بعيدًا عن الارتهان للرؤية الأميركية والإسرائيلية التي تساوم على أمن الأنظمة مقابل مواقفها من القضية الفلسطينية.

واختتمت الجلسة بورقة قدّمها سلطان الخليفي، عنوانها "السياسة الخارجية القطرية تجاه القضية الفلسطينية في عهد الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني (1972-1995)"، تناولت تعقيدات السياسة الخارجية القطرية تجاه القضية الفلسطينية في ظل حكم الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني. وأوضح الباحث أنه لم يبتغِ من ورقته إثراء الفهم التاريخي فحسب، بل تقديم معطيات تعين على فهم السياسة الخارجية القطرية المعاصرة وتحليلها.

محور التوجهات العامة لمواقف دول الخليج العربية من القضية الفلسطينية، ومحور المدينة والبناء القومي في السعودية

بدأت أعمال الجلسة الثانية في المحور الأول بالتوازي مع بدء أعمال الجلسة الأولى من محور "المدينة الخليجية". وحملت الجلسة الثانية للمحور الأول عنوان "دول الخليج العربية والقضية الفلسطينية: توجهات عامة، ونماذج"، وقد ترأسها حاتم الشنفري، وناقش أسعد بن صالح الشملان إعلان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان موضوع "التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين" خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة (2024)، معتبرًا أنه يمثل امتدادًا للمبادرات السعودية على مدى أربعة عقود، حتى وإن كانت تتضمن بعض مظاهر التحوّل. وأكدت الورقة، من ناحية، ارتباطَ المقاربة السعودية بحلّ الدولتين إطارًا عربيًا ودوليًا لتحقيق تسوية عادلة للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وأشارت من ناحية أخرى إلى أن انسداد هذا المسار التقليدي دفع نحو إعادة النظر في افتراضاته، وخلصت إلى أن الإعلان يمثّل أفقًا جديدًا يستجيب لتعقيدات المشهد الراهن، ويعكس تحولًا في المقاربة السعودية.

ثمّ تناولت شيرين مبارك تأثير القضية الفلسطينية في العلاقات الأميركية - السعودية بين عامَي 1933 و1953، وبيّنت أن العلاقة تشكلت عبر مصالح مشتركة، لكنها شهدت توترات لتباين وجهات النظر بشأن القضية الفلسطينية. واهتمّت الورقة بدور الرؤى الفكرية والسياسية، والثوابت الدينية والقومية، في صياغة موقف السعودية من القضية، مع التركيز على توازنها بين دعمها للقضية الفلسطينية ومواءمة مصالحها مع الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت مواقفها آنذاك منحازة ضد تطلعات الفلسطينيين. وخلصت الورقة إلى أهمية القضية الفلسطينية في رسم ملامح سياسة السعودية الخارجية خلال تلك الحقبة. أما حسام السيد ذكي شلبي، فتطرق إلى مواقف إمارات الساحل المتصالح وسلطنة عُمان تجاه القضية الفلسطينية خلال الفترة 1917-1948، مسلطًا الضوء على التحولات التي شهدتها القضية وتأثيرها في المنطقة. واستعرضت الورقة مواقف إمارات الساحل وعمان من وعد بلفور، والثورة الفلسطينية الكبرى، وزيارة سلطان عُمان لفلسطين عام 1944، إلى جانب موقفها من قرار تقسيم فلسطين عام 1947، ودورها في حرب عام 1948. وخلصت الورقة إلى أن تلك المواقف تعكس إرهاصات التفاعل الخليجي المبكر مع القضية الفلسطينية، وتأثرها بالمتغيرات الإقليمية والدولية.

وفي المسار الثاني بجلسته الأولى، ترأّس سعد البازعي الجلسة التي حملت عنوان "المدينة والبناء القومي (1): حالة السعودية"، وقُدّمت فيها ثلاث أوراق. في الورقة الأولى، التي حملت عنوان "المدن بوصفها عقد هوية: بعض الاعتبارات"، ركّزت أولريكه فريتاغ على مدينة جدّة الكوزموبوليتانية لبحث الطرائق المختلفة التي أنشأ بها الناس روابط عاطفية مع المدن، وأشكال التعبير عن الهوية في المدن من خلال المشاركة المدنية، في حين تطرّقت العنود آل خليفة التي حملت عنوان "الذاكرة والصدمة والهوية السياسية للمدينة: الدرعية أنموذجًا"، إلى توظيف السرد التاريخي لمدينة الدرعية لتأكيد الشرعية السياسية في السعودية، وتعزيز رؤية الدولة القومية المعاصرة. أمّا روفاي لي، فذهب في ورقته التي حملت عنوان "دور التحول الحضري في عمليات بناء الأمة في السعودية: مثال المدينة التاريخية القديمة في جدة "البلد"" في التيار نفسه التي مضت فيه الورقتان السابقتان، وجادل بأنّ عملية التحول الحضري في المدينة التاريخية لجدة "البلد" هي نتاج عمليات بناء الدولة وبناء الأمة في السعودية.

العامل الأميركي في الحرب على غزة والمدينة الخليجية فضاءً للبناء القومي

حملت الجلسة الثالثة في اليوم الأول لمحور القضية الفلسطينية عنوان "الحرب على غزة واليوم التالي ومستقبل العلاقات الأميركية – الخليجية"، وقد نُظمت بالشراكة مع منتدى الخليج الدولي، وترأستها دانيا ظافر، وفيها قدّم كريستيان كوتس أولريخسن، ورقة تناولت تأثير الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024 في سياسة الولايات المتحدة تجاه الخليج. وأشارت الورقة إلى احتمال إعادة تقييم الشراكات الدفاعية والأمنية، واستراتيجيات الطاقة، والعلاقات الدبلوماسية، وركزت على دور الإدارة الجديدة في تعزيز التحالفات التقليدية أو تعديل نهجها وفقًا للأولويات العالمية، ولا سيما ما يتعلق بمحادثات التطبيع بين دول الخليج وإسرائيل. وناقشت الورقة استجابات دول الخليج لهذه التحولات، سواء كان ذلك بتعزيز العلاقات مع قوى عالمية أو تعديل سياساتها لتحقيق استقلال استراتيجي؛ ما يبرز تحديات العلاقات الأميركية - الخليجية المقبلة وفرصها.

وناقش محمد غانم الرميحي التحديات التي تواجه العلاقات الخليجية - الأميركية بعد حرب غزة، مع التركيز على سعي دول الخليج لتحقيق توازن استراتيجي بين الشرق والغرب، رغم تعقيداته السياسية. وقد وصف العلاقة بين الطرفين بـ "التحالف غير المتماثل"؛ إذ يختلف الموقف الخليجي تجاه الوجود العسكري الأميركي قبولًا ورفضًا، سعيًا للحفاظ على استقلال القرار، وأشار إلى تأثير الولايات المتحدة في أمن الخليج، لكنه اعتبر ارتباطها بإسرائيل عائقًا أمام بعض الدول الخليجية، ولا سيما في سياق التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية. وخلصت الورقة إلى أن الولايات المتحدة شريك يصعب الاستغناء عنه، لكنها ليست حليفًا مثاليًا بسبب رفضها توقيع معاهدات دفاعية ملزمة؛ وهو أمرٌ يزيد العلاقة تعقيدًا. وناقش إنديرجيت بارمار تأثير نتائج الانتخابات الأميركية 2024 في الخليج والشرق الأوسط، معتبرًا أنها لم تكن انتصارًا ساحقًا لدونالد ترامب، بل أزمة للحزب الديمقراطي وتعزيزًا لليمين المتطرف. وأشار إلى انعكاسات هذه النتائج على التنافس الجيوسياسي العالمي وزيادة عدم الاستقرار السياسي في الولايات المتحدة؛ ما قد يضعف دورها العالمي. وتوقعت الورقة أن تتجه إدارة ترامب الثانية إلى معارضة المؤسسات الدولية، وأن يتفاقم التوتر مع الصين، ولا سيما في ظل تصعيد دعم إسرائيل ومعاداة إيران، وهو ما يهدد استقرار الشرق الأوسط وإمدادات الطاقة العالمية. وخلصت الورقة إلى أن العالم يواجه أزمات معقدة ومتشابكة.

وفي الجلسة الثانية من المسار الثاني، التي حملت عنوان "المدينة والبناء القومي (2): حالات خليجية"، وترأستها أمل غزال جلسة، قُدّمت ثلاث أوراق، الأولى منها حملت "المتحف وموقعه في بنية المدينة الخليجية المعاصرة: بين التخطيط الحضري والرمزية الوطنية، حالة الكويت"، وقدمتها سندس الراشد، وتتبّعت فيها تاريخ متحف الكويت الوطني من خلال تحديد موقعه في المدينة، وعلاقته بالمنشآت المحيطة به بوصفه مؤسسةً ثقافيةً واجتماعيةً، ورمزيته الوطنية. أمّا الورقة الثانية فحملت عنوان "توظيف الفضاءات في صياغة الهوية الوطنية القطرية: دراسة حالة مشيرب وسوق واقف في الدوحة" واشترك في تأليفها ثلاثة باحثين، هم سعود عبد العزيز الأحمد وآمنة عبد الله الشمري وبتول أوزون، وقد استعرضوا فيها، واستعرضوا طريقة توظيف الفضاءات في تشكيل الهوية الوطنية في قطر، مع التركيز على حالتَي منطقتي مشيرب وسوق واقف في الدوحة القديمة. وركّز جمال بوساعة في ورقته بعنوان "التجديد الحضري في عالم معولم: حالات من المدن التاريخية في منطقة الخليج والجزيرة العربية، دبي والدوحة وجدة"، على دور السياحة التراثية وتداعياتها على التجديد الحضري في مدن الدوحة وجدة ودبي؛ لإظهار محاولة المراكز الحضرية التاريخية البقاء في بيئة عالمية سريعة.

الحضرية الجديدة في المدن الخليجية

اختتمت أعمال اليوم الأول بجلستين عامتين متتابعتين لمحور "المدينة الخليجية". في الجلسة الثالثة من المسار الثاني، التي كانت بعنوان "بنى التحديث الحضرية فاعلًا اجتماعيًا"، وترأسها يعقوب الكندري، بحث ياسر محجوب في ورقته التي حملت عنوان "المدن الخليجية التحويلية: البنى الحضرية ودورها فاعلًا اجتماعيًا: مثالَا الكويت والدوحة"، التفاعل المعقّد بين الهياكل الحضرية والديناميات الاجتماعية في مدينتَي الكويت والدوحة لتبيان كيفية تشكيل التنمية الحضرية للعمليات الاجتماعية. أمّا مهدي العذاري، فدرس في ورقته التي حملت عنوان "التحديث وتبعاته الحضرية: حالة الديوانية في الكويت، مراجعة نقدية للأدبيات الأكاديمية" التغييرات التي شهدتها الكويت على المستويَين العمراني والمجتمعي، عبر تتبع الديوانية وحركة التحديث التي مرّت بها.

وترأّس عبد الرحمن الباكر الجلسة الرابعة والأخيرة في اليوم الأول والتي حملت عنوان "المدينة الخليجية والحضرية الجديدة". وقُدّمت فيها ورقتان، الأولى حملت عنوان "تخطيط المدينة الخليجية من منظور فوق وطني: الحدود وفرص التعلم النقدي"، وتحدث فيها ديفيد بونزيني عن الخطط والمشاريع الضخمة الحديثة في مدن الخليج، والأسباب التي تفرض قيودًا وتتيح فرصًا لتعزيز المعرفة التخطيطية. وناقش مصطفى بن حموش في ورقته التي حملت عنوان "المدن السريعة والتوسع الحضري الضخم: المدينة الخليجية في ضوء التخطيط للثروة والوفرة والرخاء" مستقبل مدن دول مجلس التعاون من خلال أُطر التخطيط الحضري، مشيرًا إلى فرضية "دورة حياة المدن".

محاضرات عن المدينة الخليجية

بدأ اليوم الثاني بجلسة عامة، تضمنت محاضرتين رئيستين لمسار المدينة الخليجية، وأدارها عبد الرحمن الإبراهيم. وفيها قدّمت نيليدا فوكارو المحاضرة الأولى، التي حملت عنوان "الأدب والحياة في مدن الخليج: دراسات المناطق والعروبة والغربنة ومعضلة الكوني"، وتضمنت مراجعة نقديةً لمكانة المدينة في دراسات الخليج، من خلال إعادة النظر في الموضوعات الرئيسة التي تشكّل محور الدراسة والتطور التاريخي للمنطقة، وجادلت ضدّ استثنائية الخليج والفئات الفكرية والمكانية الجامدة التي كانت تميل في الماضي إلى تصنيف المنطقة بوصفها "محيطًا"، وناقشت المدن بوصفها عوالم مصغرة ونقاطًا لمراقبة الماضي والحاضر والمستقبل. أمّا المحاضرة الرئيسة الثانية فقدّمها ياسر الششتاوي، بعنوان "العابرية والزمانية في مدن الخليج العربية"، وقد استعرض فيها طبيعة المدينة الخليجية، مبتدئًا بالسؤال عن قدرة هذه المدينة على الحفاظ على وجودها طوال القرن الحادي والعشرين. وشرح الباحث كيف يمكن أن يعيش "الأشخاص المؤقتون" في مكان يرفض بطبيعته الاعتراف بهم مواطنين كاملين، مسلّطًا الضوء في ذلك على مرونة هؤلاء الأشخاص وتحديهم لقوى المدينة المهيمنة.

التطبيع الخليجي مع إسرائيل ودستوبيا المدن الخليجية

بعد جلسة المحاضرتين الرئيستين العامة، استكمل المنتدى أعماله بالجلسة الرابعة لمحور "دول الخليج والقضية الفلسطينية"، التي ترأسها عبد الهادي العجمي، وناقشت "تداعيات التطبيع الخليجي مع إسرائيل على مستقبل القضية الفلسطينية". وفيها قدّم عبد الله باعبود تحولات مواقف دول الخليج من القضية الفلسطينية من خلال ورقة عنوانها "من الرفض إلى التطبيع: كيف تحولت مواقف دول الخليج العربية من القضية الفلسطينية؟". واستعرض الباحث التحولات التي شهدتها مواقف دول الخليج تجاه القضية الفلسطينية في العقدين الماضيين، وبيّن أنّ القضية الفلسطينية كانت من أولويات دول الخليج، لكن الاهتمام بها تراجع بسبب التغيرات الإقليمية والدولية. وقد سلطت الورقة الضوء على تأثير الثورة الإيرانية عام 1979 ودعمها للمقاومة الفلسطينية؛ ما خلق توترًا مع دول الخليج التي كانت تفضّل الحل السلمي، وتناولت تطورات عملية السلام العربي مع إسرائيل، وتداعيات الانقسام الفلسطيني، وأحداث الربيع العربي على مواقف الخليج. وخلصت الورقة إلى أن هذه العوامل، إضافة إلى التوجه نحو التنوع الاقتصادي، دفعت دول الخليج إلى تعديل سياساتها نحو القضية الفلسطينية وبدء مسار التطبيع مع إسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، تبقى الصورة ضبابية بعد أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ثم تناولت نوف عبد اللطيف الجسار، في ورقتها "دور الولايات المتحدة في توطيد الاتفاقات الإبراهيمية مع دول مجلس التعاون"، دور الولايات المتحدة في تعزيز هذه الاتفاقات، خاصة في فترة الرئيسين دونالد ترامب وجو بايدن، واستعرضت فيها خطوات الإدارة الأميركية في إبرام الاتفاقات، وأهدافها على المديَين القريب والبعيد، وأشارت إلى أن "طوفان الأقصى" كان سببًا رئيسًا في عرقلة هذه المبادرة. وتناولت تحديات تنفيذ الاتفاقات، لا سيما رفض بعض الدول لها وتصاعد التوترات في المنطقة بعد الحرب على غزة. وخلصت الورقة إلى أن الولايات المتحدة ستستمر في دعم هذه الاتفاقات على الرغم من التحديات، وخاصة بعد طوفان الأقصى، لكن التحدي الأكبر يكمن في تصاعد التوترات الإقليمية والشعبيّة العربية المعارضة لهذه الاتفاقات. أما دانا الكرد، فناقشت "تأثير التطبيع العربي - الإسرائيلي في السلطوية في الدول العربية"، وانطلقت من سؤال يناقش هذه المسألة، وجادلت بأن التطبيع الذي لا يعالج الأسباب الجذرية للصراع، والذي يحافظ على العنف البنيوي، يمكن أن يسهل الممارسات الاستبدادية من خلال الآليات المادية والخطابية. وقد بحثت في هذه الدينامية من خلال دراسة حالة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ذات الممارسات السلطوية المختلفة، ومن خلال تفكيك العلاقات التي تربطها بإسرائيل.

وفي الجلسة الخامسة من المسار الثاني "المدينة الخليجية"، التي حملت عنوان "المدينة الخليجية: التحديث والدستوبيا"، وترأسها عبد الله محمد السليطي، ركز باقر النجار في ورقته التي حملت عنوان "مدن أم منتجعات؟ الفرار من صخب مدن الخليج المكتظة"، على حالة بعض المدن الخليجية الجديدة التي نشأت بفعل تنامي نمط السلوك الاستهلاكي لعددٍ غير قليل من سكان المنطقة. أمّا فيدريكو كوغورولو فقدّم ورقة حملت عنوان "الفانتازيا السايبربانكية الحضرية في الخليج: مشروع "ذا لاين" حاضنة للتحديث، في السعودية وأبعد"، كان أطروحتها الأساسية أن تطلعات مدينة "ذا لاين" تستند في الأصل إلى خيال غربي سيبراني.

الحرب على غزة والعولمة في المدن الخليجية

حملت الجلسة الخامسة في محور القضية الفلسطينية عنوان "مواقف دول الخليج العربية من الحرب على غزة وتداعياتها"، وترأسها يوسف بن حمد البلوشي، وقد تناول فيها ظافر العجمي في ورقته بعنوان "مواقف دول الخليج من العدوان الإسرائيلي على غزة"، مواقف دول الخليج من العدوان الإسرائيلي على غزة، موضحًا دعمها السياسي والدبلوماسي للقضية الفلسطينية. وخلص في ورقته إلى أن التحرك الخليجي كان متعدد الأبعاد، سياسيًا ودبلوماسيًا وإنسانيًا، وأنّ هذا التحرك ساهم في توحيد المواقف العربية والإسلامية. واستكشف ناجي أبي عاد في ورقته بعنوان "آثار الحرب على غزة في قطاع الطاقة في الشرق الأوسط"، آثار حرب غزة في قطاع الطاقة في الشرق الأوسط، مركّزًا على أمن إمدادات النفط والغاز في أثناء التهديدات الأمنية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وأشار إلى التأثيرات السلبية للحرب في تدفق النفط والغاز إلى أسواق الطاقة العالمية، خاصة إلى أوروبا، وناقش التوجه نحو الاعتماد على خطوط أنابيب النفط والغاز بدلًا من الناقلات البحرية المعرّضة للخطر. وخلص إلى أن الحرب قد تؤدي إلى تقليل اعتماد السوق العالمية على النفط والغاز من الشرق الأوسط في المدى البعيد. واهتمّ أيضًا بتأثيرات الحرب في آفاق التعاون في مجال الطاقة بين إسرائيل ودول المنطقة؛ بما في ذلك الشركات المشاركة في قطاع الغاز شرق البحر الأبيض المتوسط. وتحدث خالد حمد أبا الزمات في ورقته التي حملت عنوان "توجهات الرأي العام الخليجي تجاه السياسة الخارجية القطرية نحو الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 2023-2024"، عن توجهات الرأي العام الخليجي تجاه السياسة الخارجية القطرية المتعلقة بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 2023-2024. وقد عملت هذه الورقة على قياس توجهات الرأي العام الخليجي. وفي هذا السياق، أظهرت دراسة شملت 1300 مواطن من مواطني دول الخليج وعيًا إيجابيًا تجاه دور قطر في الوساطة، وأظهرت كذلك تقديرًا لدور الإعلام القطري في تغطية الأحداث.

وفي الجلسة السادسة من المسار الآخر بعنوان "المدينة الخليجية: العالمية والعولمة"، التي ترأسها سعيد الهاشمي، بحث مهران كمرافا في ورقته التي حملت عنوان "الحضرية والعولمة في الخليج"، كيفية مساهمة العولمة في ظهور مدن خليجية بوصفها مراكز إقليمية مهمة في الشبكات العالمية. وركّزت صفاء صبح صبابحة، في ورقتها التي حملت عنوان "المدن الخليجية ظاهرة عالمية: مدن الساحل الشرقي في السعودية أنموذجًا"، على استكشاف العوامل التي تسهم في نمو المدن الساحلية الشرقية في السعودية والتحديات التي يواجهها هذا النمو، وذلك لتوجيه السياسات لضمان التنمية المستدامة في هذه المناطق. أما سيمونا أزالي، فبيّنت في ورقتها التي حملت عنوان "المدينة الخليجية والتحولات الحضرية السريعة والعولمة: مراجعة نقدية لممارسات التخطيط الحضري الراهنة"، حدود التحضر حاليًّا في المنطقة؛ وذلك من خلال الكشف عن مفارقة ارتفاع أسعار الأراضي، وما ينجم عن هذا الارتفاع من نقص في الإسكان بأسعار معقولة، فضلًا عن معدلات الشواغر المفرطة، والاكتظاظ في مدن الخليج.

فلسطين في المواقف الخليجية الشعبية والإشكاليات البيئية في المدن الخليجية

في ختام أعمال المحور الأول، عُقدت جلسة سادسة أخيرة تناولت "المواقف الشعبية والرسمية في دول الخليج العربية من القضية الفلسطينية"، ترأستها ابتهال الخطيب، وناقش فيها ناصر السعدي وسيف المسكري، في ورقتهما التي حملت عنوان "القضية الفلسطينية من النكبة إلى كامب ديفيد: مقاربة الحضور في السياق العُماني" المواقف العمانية تجاه القضية الفلسطينية بدايةً من النكبة حتى اتفاقية كامب ديفيد، واستعرضا المواقف الشعبية، والرسمية، ومعارضة عمان لهذه الاتفاقية من خلال ثلاثة محاور: أولًا، التفاعل الشعبي مع القضية الفلسطينية عبر التبرعات والمشاركة في النضال وحضور فلسطين في الأدب والشعر. ثانيًا، تحليل تطور المواقف الرسمية العمانية وأثر التحولات السياسية، خاصة بعد عام 1970. ثالثًا، دراسة مواقف المعارضة العمانية وأيديولوجياتها. وخلصت الورقة إلى أن الوعي الشعبي العماني كان مبكرًا؛ إذ تميزت السبعينيات بتفاعل قوي على الرغم من العزلة. وتناولت رهام عمرو في ورقتها التي حملت عنوان "كويتيون وقضية: قراءة في تحولات الوعي السياسي الكويتي تجاه القضية الفلسطينية (1920-1960)، تحولات الوعي السياسي الكويتي تجاه القضية الفلسطينية بين عامَي 1929 و1975، مستخدمةً نظرية الوعي السياسي لجون زلر ونظرية "الجماعات المتخيّلة" لبنديكت أندرسون، واهتمّت في ورقتها بتطور الوعي الكويتي من خلال تحليل مقالات صحافية من مجلات كويتية وعربية وفلسطينية، وبيّنت تضامن الكويتيين مع القضية الفلسطينية خلال تلك الفترة. وأخيرًا، تناولت يارا نصّار في ورقتها التي حملت عنوان "دفاتر منسية: الثورة الفلسطينية في مهدها الخليجي"، نشأة الثورة الفلسطينية بين العامين 1956 و1965 في الخليج، خاصة في الكويت وقطر والسعودية، حيث استقر مؤسسو حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وكوّنوا علاقات مع الجاليات والشعوب الخليجية التي دعمتهم. واستعرضت الورقة العوامل الفكرية والسياسية التي ساعدت على تبلور الثورة في البلدان المذكورة.

أما في محور المدينة، فقُدّمت ثلاث أوراق في الجلسة السابعة التي ترأسها حسن مدن، وحملت عنوان "المدينة الخليجية وإشكاليات التحول المناخي والتوازن البيئي". وفي هذه الجلسة، طرح نبيل خلدون قريسة في ورقته التي حملت عنوان "جذور المدينة الخليجية التاريخية وإشكالية التوازن البيئي" إشكالية جذور التمدين في المنطقة تاريخيًا، وأسس التعمير فيها، ولا سيما العلاقة المباشرة بالبيئة الجغرافية والخصوصيات الاجتماعية. وحاول أرشاد محمود، في ورقته التي حملت عنوان "استراتيجيات التكيف في المدن الذكية في الخليج: تحديات أمام السياسة الحضرية في مواجهة التغير المناخي"، مراجعة إذا ما كانت المدن الذكية الخليجية في السعودية وقطر والإمارات تتّسم بمرونة كافية لموازنة تحديات تغير المناخ، مع التركيز على تداعيات التخطيط الحضري والسياسي. واهتمّت آلاء الشهابي ونور الشيخ، في ورقتهما التي حملت عنوان "مناطق التضحية على حدود النفط: المدينة الخليجية والعدالة البيئية، نضالات سكّان قريتي سترة والمعامير البحرينيتين"، بالمنطق الاستعماري من جهة وضعه مصافي النفط في وسط قرى بحرينية، وبتأثير هذا الأمر في سكان القرى المعنيّة بذلك بيئيًا وسياسيًا.

استدامة المدن الخليجية

اختُتمت أعمال المنتدى بجلسةٍ ثامنة ضمن المسار الثاني، حملت عنوان "المدينة الخليجية: نحو مستقبل مستدام"، ترأسها حيدر سعيد، وفيها قدّم عبد الرءوف ورقته التي حملت عنوان "نحو نموذج جديد في التحضر الناشئ في مدن الخليج: حتمية التحرك نحو مدن شاملة وعادلة وصالحة للعيش" مجموعةً من الاستراتيجيات والأدوات التي تطور المدن الخليجية بوصفها سياقات حضرية للجميع بطريقة آمنة وعادلة ومستدامة. أمّا علوي المشهور وغسان القلهاتي، فناقشا في ورقتهما التي حملت عنوان "مدن على رمال متحركة" تاريخ نشأة المدينة الخليجية الحديثة، وتحولاتها، وطابعها المؤقت من حيث التركيبة الديموغرافية واعتمادها على العمالة الوافدة.