Author Search
​باحث في جامعة هايدلبرغ - ألمانيا-، وباحث زائر في معجم الدوحة التاريخي للغة العربية 
الدكتور محمد مرقطن والدكتور مراد دياني
الدكتور محمد مرقطن والدكتور مراد دياني
الدكتور محمد مرقطن
الدكتور محمد مرقطن
الدكتور مراد دياني في تقديم المحاضر
الدكتور مراد دياني في تقديم المحاضر
جذب المحاضر اهتمام الحضور بما قدمه من أرقام عن الأعداد الهائلة من النقوش والنصوص العربية في الاكتشافات الأثرية الحديثة
جذب المحاضر اهتمام الحضور بما قدمه من أرقام عن الأعداد الهائلة من النقوش والنصوص العربية في الاكتشافات الأثرية الحديثة
قدم المحاضر نماذج عديدة من النصوص الأثرية المكتشفة التي لم يخلو بعضها من الغرابة والطرافة
قدم المحاضر نماذج عديدة من النصوص الأثرية المكتشفة التي لم يخلو بعضها من الغرابة والطرافة
جانب من النقاش الذي تلى المحاضرة
جانب من النقاش الذي تلى المحاضرة

استضاف برنامج السيمنار الأسبوعي الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، يوم الأربعاء 8 كانون الثاني/ يناير 2020، الدكتور محمد مُرَقْطن، الباحث في معهد لغات وحضارات الشرق القديم في جامعة هايدلبرغ بألمانيا، والخبير اللغوي الزائر حاليًا بمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، والذي قدّم محاضرةً بعنوان "أصل الخط العربي في ضوء الاكتشافات الأثرية الحديثة".

بدأ الباحث عرضه بطرح مجموعة من الأسئلة بشأن أصول الخط العربي الذي استخدم في تدوين القرآن الكريم، ومن أين أتى، وفي أي مكان نشأ وتطوّر وتحوّل إلى قيمة جمالية وفنية كُتب به أكثر من ثلاثين لغة. وفي إطار السعي للإجابة عن عدد من التساؤلات، أشار مرقطن إلى أهمية الاكتشافات الأثرية الحديثة في العقود الثلاثة الماضية في أنحاء الجزيرة العربية وبلاد الشام من عصور ما قبل الإسلام، وأنّ تلك الاكتشافات قد غيّرت الصورة المتعارف عليها عن تاريخ الجزيرة العربية ولغاتها، وأوضحت كثيرًا من المسائل المتعلقة بتاريخ العرب ولغتهم، ومنها الجذور التاريخية للخط العربي.

وعرض مرقطن معالم هذه المعارف الجديدة عن أصول الخط العربي وتطوّره بالرسم والصورة، في ضوء الاكتشافات الأثرية الحديثة، منذ السومريين واختراع الكتابة وتقديمها للبشرية، ونظام الكتابة المسمارية والهيروغليفية القائم على استخدام مئات الرموز والمقاطع في كتابة الكلمات، والكنعانيين في بلاد الشام وتطوير الكتابة الأبجدية في بداية الألفية الثانية قبل الميلاد بتأثير من الهيروغليفية، ثمّ اعتمدت الكتابة الأبجدية بوصفها نظامًا خاصًا لكتابة اللغات السامية بما فيها العربية، وتطورت معظم أبجديات العالم، أو أخذت، من الأبجدية الكنعانية القديمة.

وأبرز الباحث أنّ شعوب الجزيرة العربية وقبائلها كانت في النصف الثاني من الألفية الثانية قبل الميلاد قد تبنّت أحد فروع الأبجدية الكنعانية القديمة، وبالذات الأبجدية الطويلة (28-29 حرفًا)، والتي تسمّى بالخط المُسند الذي اتخذ سمة جمالية وهندسية في جنوب الجزيرة لارتباطه بمؤسسات الدولة والمعابد، بينما اتَّخذ هذا الخط في وسط الجزيرة وشمالها الشكل النسخي والمخربشات. ومن الخط المسند تطور الخط النسخي المسمّى بالزبور اليماني، والذي كان يكتب على عُسب النخل. وأوضح الباحث أنّ عدد النقوش التي عثر عليها بخط المسند الجنوبي (السبئي) وخط المسند الشمالي (الصفائي، والثمودي، واللحياني وغيرها) من عصور ما قبل الإسلام يُقدّر بعشرات الآلاف.

وناقش مرقطن النظرية التقليدية لأصل الخط العربي، وهي رواية التراث العربي الإسلامي، والتي تُرجِع أصل الخط العربي إلى الخط السرياني، والنظرية السائدة لنشأة الخط العربي أنه قد تطوّر من الخط النبطي. ثم أبرز أنّ هناك الكثير من المسائل الغامضة في دراسة تاريخ الخط العربي وأصوله وتطوره؛ إذ لا نعرف سبب عدم تطوير عرب الشمال خطّهم الخاص بهم، على نحوٍ مترافق مع ظهورهم على مسرح التاريخ كما تذكرهم المصادر التاريخية من القرن التاسع قبل الميلاد، ولكننا نستطيع القول إنّ عرب وسط الجزيرة وشمالها قد حسموا أمرهم ابتداءً من القرن الثالث الميلادي حيث هجروا كافة الخطوط التي كانوا قد استخدموها في الكتابة، ومنها الخط الصفائي والثمودي واللحياني والمسند الجنوبي، والخطوط الآرامية المختلفة، مثل الخط التدمري والخط اليوناني الذي كتبوا به أيضًا في بعض الحالات. ثم عزموا على تطوير خطهم الخاص بهم الذي ارتبط منذ البداية بكتابة العربية الفصحى المبكرة، التي تشكل الجذور الأولى للعربية الفصحى المكتملة في لغة القرآن الكريم؛ وارتبطت هذه المرحلة بالتطور الملحوظ في هوية العرب الثقافية.

إضافة إلى آلاف النقوش التي تم حفظها في المعابد والقصور في اليمن من عصور ما قبل الإسلام، تحدّث الباحث عن مدى انتشارها حيث لا يكاد يخلو واد، أو صخرة، أو حجر أو منطقة في شبه الجزيرة العربية من نقش تذكاري؛ فالعرب كانوا يدوّنون أسماءهم، وأسماء عشائرهم وقبائلهم، وأخبارًا حول حلّهم وترحالهم، أضف إلى ذلك تمجيد آلهتهم وتسجيل خواطرهم. لقد عُثر على عشرات الآلاف من النقوش العربية الشمالية والجنوبية فيها سجلّ لحياة العرب كتبوه بأيديهم. حقيقةً، يمكن اعتبار هذه النقوش المنتشرة في أنحاء الجزيرة بمنزلة تغريدات للعرب وسرديات لهم. الخط العربي الذي نعرفه اليوم كان قد ولد من رحم تقاليد الكتابة والتدوين التي كان يمارسها أهل الجزيرة أكثر من 1500 عام قبل الإسلام.

ثم ختم الباحث حديثه بالقول إنّ الاكتشافات الأثرية الحديثة قد حسمت مسألة الأصل النبطي للخط العربي ومكان تطوره حسمًا تامًا.

وأعقب المحاضرة نقاشٌ عامٌّ، شارك فيه الباحثون في المركز العربي، وأساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا وطلبته، وجمهور الحضور.