Author Search

رئيس وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي ورئيس تحرير دورية "سياسات عربية".

سيمنار المركز العربي يناقش جدلية الدولة والدين في قوانين الأحوال الشخصية العراقية
الدكتور حيدر سعيد محاضرًا في سيمنار المركز العربي
الدكتور حارث حسن معقبًا في السيمنار
الدكتورة نجلاء مكاوي مترئسًة جلسة السيمنار

استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 11 أيلول/ سبتمبر 2024، الدكتور حيدر سعيد، رئيس وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي ورئيس تحرير دورية "سياسات عربية"، الذي قدّم محاضرة بعنوان "قوانين الأحوال الشخصية فضاءً لمواجهة العلمنة: قريبًا من السجال الراهن في العراق"، تناول فيها موقف المؤسسة الدينية في العراق من قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1959، مستعرضًا الجذور التاريخية لهذا القانون وردود الفعل عليه. وطرح مجموعة من الأسئلة المحورية، منها: لماذا أثار هذا القانون حفيظة المؤسسة الدينية في بلد كانت أجزاء منه تتمتع بقدر كبير من الحريات الشخصية؟ ولماذا بدا التحديث الغربي الطابع إشكاليًا في الخمسينيات، وليس قبل ذلك؟

يرى الباحث أن الموقف من القانون يعكس في جوهره موقفًا من الدولة الحديثة نفسها، التي بدأت تعصف بسلطات المؤسسة الدينية. وأوضح أن الصراع حول قانون الأحوال الشخصية لم يكن بين الشريعة والقانون الوضعي، كما يُصوَّر عادةً، بل بين الشريعة والدولة. فالقانون اعتمد في الأساس على أحكام الشريعة الإسلامية، لكنه نقل سلطة تنظيم شؤون الأسرة من المؤسسة الدينية إلى الدولة.

وقدم تحليلًا تاريخيًا لتطور قوانين الأحوال الشخصية في العراق، مشيرًا إلى أن فكرة تقنين هذه الأحكام سبقت صدور قانون 1959 بأكثر من عقد. فقد كانت هناك مسوّدة قانون اكتملت في عام 1945، أعدتها لجنة مختصة شكلتها وزارة العدل، ورفعتها الحكومة إلى مجلس النواب في العام نفسه. وصدّقت لجنة الشؤون الحقوقية في المجلس على المسوّدة عام 1946، بعد إجراء تعديلات عليها. وأكد أن هذا التجذير التاريخي لقانون الأحوال الشخصية يقود إلى نتائج مهمة، أبرزها أن فكرة المحاكم الدينية والشرعية التي تبنتها الحقبة الملكية كانت استراتيجية انتقالية، وليست عنصرًا في نظام مؤسساتي دائم. وأن العلمانية الإدماجية التي قادتها الدولة كان يفترض أن تؤدي إلى تجاوز المحاكم الشرعية نحو قانون رسمي موحد وعام.

وشدد على أن قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 ليس نتاج حقبة محددة ذات لون أيديولوجي معيّن، كما يُصوَّر عادة، بل هو استمرار لمشروع بدأ في الحقبة الملكية لإغلاق صفحة المحاكم الدينية والوصول إلى قانون وطني. وأضاف أن عدم فهم السيرورة التي قادت إلى بناء هذا القانون، وتأطيره بإطار أيديولوجي باعتباره نتاجًا يساريًا، خلق مجموعة من المشكلات العويصة في التعامل معه.

وأوضح أن خلاف المؤسسة الدينية الشيعية الأساسي مع قانون الأحوال الشخصية لم يكن في محتواه، بل في مبدأ تولي الدولة تنظيم هذا المجال. واستشهد بمواقف لمرجعيات دينية شيعية بارزة، مثل السيد محسن الحكيم الذي طالب بإلغاء القانون وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه "منذ أيام الخلافة الإسلامية". وأكد الباحث أن الموقف من قانون الأحوال الشخصية هو في جوهره موقف من الدولة الحديثة نفسها، وأن رفض المؤسسة الدينية للقانون هو دفاع عن صلاحيات رجال الدين وحدود سلطتهم. وأشار إلى أن المؤسسة الدينية ترى أن مجال الأسرة هو آخر مساحات صلاحياتها وولايتها، بعد أن فقدت سيطرتها على المجالَين العام والخاص.

وتطرق إلى المحاولات المتكررة لإلغاء القانون أو تعديله، خاصة بعد عام 2003، مشيرًا إلى أن ذلك يعكس تحولًا في العلاقة بين الدولة والمؤسسة الدينية. فعلى الرغم من أن الإسلاميين الشيعة أصبح لهم دور مركزي في منظومة الحكم بعد 2003، فإن المؤسسة الدينية ظلت تسعى للبقاء في وضع مستقل عن الدولة.

وختم المحاضرة بالإشارة إلى أن إعادة طرح تعديل قانون الأحوال الشخصية حاليًا هو تعبير عن تحول في الصيغة الدولتية، وجزء من حالة ضعف الدولة التي جعلتها تستعين بفاعلين من خارجها في إدارة بعض الملفات.

عقّب على السيمنار الدكتور حارث حسن، الباحث المشارك في المركز العربي، الذي أشاد بالمقاربة الجديدة والمهمة التي قدمها سعيد. وأكد المعقّب أهمية فهم العودة المتكررة لمحاولات تعديل القانون في سياق التحولات التي شهدها نموذج الدولة في المنطقة، وتراجع النموذج التحديثي لصالح نموذج "الدولة المكوناتية".

وأشار إلى أن الاعتراض على قانون الأحوال الشخصية لم يكن لكونه قانونًا وضعيًا يخالف أحكام الشريعة، بل على مبدأ تنظيم الدولة لأحوال الأسرة. ولفت إلى أن المدرسة الأصولية المهيمنة على الفقه الشيعي تعتبر الفقيه هو الحاكم الشرعي ونائب الإمام الغائب، وأن له ولاية شرعية.

واختلف مع سعيد في اعتبار إعادة طرح تعديل القانون تعبيرًا عن ضعف الدولة، مشيرًا إلى أنه يعكس بالأحرى تحولًا في العلاقة بين الدولة والمؤسسة الدينية الشيعية. وأضاف أن النخبة الحاكمة حاليًا باتت شريكًا مذهبيًا وأيديولوجيًا للمؤسسة الدينية، وتربطهما علاقة مصلحية. وأثار تساؤلات عن دور الاستعمار البريطاني في تبني المؤسسات الدينية، مشيرًا إلى الاختلاف بين النهجين البريطاني والأميركي في هذا الصدد. وطرح سؤالًا عن كيفية فهم العلاقة بين العشيرة والمؤسسة الدينية، ونجاح الطائفة في إنتاج نفسها جماعةً متخيلة وغير مسيسة بذاتها.

وشهد السيمنار نقاشًا ثريًا شارك فيه باحثون وأكاديميون من المركز العربي ومعهد الدوحة للدراسات العليا، تناول عدة قضايا، منها: العلاقة بين العلمنة وتطور الدولة الحديثة، وتأثير التحولات السياسية في قوانين الأحوال الشخصية، ودور المؤسسات الدينية في صياغة القوانين وتطبيقها، وتطور مفهوم المواطنة في العراق وعلاقته بالهويات الطائفية والإثنية.