Author Search
باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
جانب من الحضور
جانب من الحضور
عبدو موسى
عبدو موسى
هاني عواد مترئسًا جلسة السيمنار
هاني عواد مترئسًا جلسة السيمنار
عصام نصار
عصام نصار

استضاف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 19 آذار/ مارس 2025، الأستاذ عبده موسى البرماوي، الباحث في المركز، الذي قدّم محاضرة بعنوان "رأسمالية الوجاهة: الاستهلاك والحداثة والاستعمار (لمحات من التاريخ الصناعي المصري)". وتناول السيمنار التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي صاحبت نشوء الصناعة الاستهلاكية في مصر خلال الحقبة الاستعمارية، مع تسليط الضوء على دور السلع الاستهلاكية في تشكيل الوعي الاجتماعي والحداثة المبكرة، وعلى الأبعاد الكولونيالية التي حكمت تطور الصناعة المصرية، خاصة في قطاع السجائر.

افتتح البرماوي المحاضرة بالإشارة إلى أن اهتمامه البحثي انطلق من القيمة الجمالية للمنتجات الاستهلاكية القديمة، لكنه تطور لاحقًا إلى دراسة السياقات الثقافية والسياسية التي أحاطت بهذه السلع، وما أنتجته من خطاب حداثي موجه. وأن ظاهرة عصر الموضة والاستهلاك ليست مقتصرة على الغرب، بل امتدت إلى المستعمرات، حيث شهدت مصر تحولًا مبكرًا في أنماط الاستهلاك، خاصة مع افتتاح قناة السويس عام 1869، التي دمجت مصر في شبكة الاقتصاد الرأسمالي العالمي، وأصبحت منفذًا أساسيًا للسلع الغربية.

تطرق الباحث إلى تاريخ صناعة السجائر المصرية، باعتبارها نموذجًا للصراع بين الاقتصاد الاستعماري ورأس المال المحلي، مشيرًا إلى تجاهل الرواية الكولونيالية لدور الاستعمار في تعزيز الاستغلال الاقتصادي، وكذلك تهميش المقاومة الاقتصادية التي خاضها المصريون لحماية صناعتهم الناشئة. وقال إن صناعة السجائر المصرية كانت حالة فريدة، حيث اعتمدت على العمل اليدوي في عصر الميكنة، وتمركزت في مصر رغم أنها لم تكن مُنتِجًا للتبغ الخام؛ ما جعلها نموذجًا للاقتصاد الذي يقوم على الاستفادة من العمالة الرخيصة والموقع الاستراتيجي.

وسلط الضوء على البعد الإعلاني لهذه الصناعة، موضحًا كيف استغلت الشركات الأجنبية المخيال الشرقي لدى المستهلك الغربي، وروّجت السجائر المصرية باعتبارها "الغنيمة الشرقية"، التي تمنح المشتري الغربي إحساسًا بامتلاك جزء من الشرق الفاتن. كما ربط بين الترويج الدعائي للسجائر وهيمنة الخطاب الاستشراقي، الذي أعاد صياغة صورة الشرق بما يخدم المصالح الاستعمارية والرأسمالية.

وناقش الباحث العلاقة بين توسع صناعة السجائر وبروز الطبقة الوسطى في المدن المصرية، التي كانت تضم الأفندية والعمال المهرة. واعتبر أن هذه الطبقة نشأت من تفاعل الاقتصاد الاستعماري مع البنية الاجتماعية المحلية، وليس وفقًا للثنائية التقليدية التي تفصل بين الوطنيين والأجانب، وأن الاستغلال الاقتصادي كان يمس الجميع بدرجات متفاوتة، لكنه أصاب العمال المصريين بأكبر قدر من الضرر. وأكد أن الاستعمار لم يكن مجرد احتلال عسكري، بل كان جزءًا من عملية دمج المستعمرات في الرأسمالية الأوروبية بشروط كولونيالية، تضمن نقل الثروات إلى المركز الأوروبي، وتعزيز أنماط الاستغلال التي خلقت طبقة رأسمالية كومبرادورية في المستعمرات.

عقّب على المحاضرة الدكتور عصام نصار، أستاذ ورئيس برنامج التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العليا، الذي أشار إلى أن طرح البرماوي يثير تساؤلات حول الربط الحتمي بين الاستعمار والحداثة، متسائلًا إن كان التطور الاقتصادي كان سيحدث في مصر بغض النظر عن الاستعمار، وذلك في ظل توسع شبكات الاقتصاد الدولي. كذلك ثمة تشابه بين تجربة المدن العثمانية الكبرى، مثل إسطنبول، وبين التجربة المصرية، حيث أدى صعود المدن الحديثة إلى ظهور طبقات اجتماعية جديدة، تبنت أنماط استهلاك غربية للتعبير عن مكانتها الاجتماعية. وربط بين التمثلات البصرية للحداثة، مثل التصوير الفوتوغرافي، الذي كان في بداياته وسيلة لإظهار الوجاهة الاجتماعية، حيث كان التقاط صورة مع سيجارة يعكس أن صاحبها شخص عصري وحديث. كما أشار إلى تطور أدبيات تاريخ المتعة والاستهلاك، التي تربط بين انتشار الاستهلاك والتحولات الثقافية والاجتماعية، وإلى ضرورة دراسة الاستراتيجيات الإعلانية التي رافقت انتشار السلع الاستهلاكية، بما في ذلك صناعة السجائر، ضمن إطار أوسع من تاريخ الاستهلاك العالمي.

شهد السيمنار نقاشًا ثريًا بين الحضور، الذي ضم باحثين من المركز العربي وأساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا وطلبته، واشتملت النقاشات على موضوعات مثل تناول قضايا الرأسمالية الصناعية، والهوية الثقافية في ظل الاستعمار. كما طُرحت أسئلة حول كيفية إعادة قراءة تاريخ الاقتصاد المصري من منظور ما بعد كولونيالي، وعن أدوار الفاعلين المحليين في تشكيل الصناعة المصرية.