استضاف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 15 أيار/ مايو 2024، صوفية حنازلة، التي قدّمت سيمنارًا بعنوان "حالة الانتظار: تجارب التونسيين لزمانية السجن"، تناول تجربة الانتظار داخل السجن وتأثيرها في الزمن الشخصي للسجناء، ودور الفضاءات الاجتماعية، كالمقاهي والأحياء الشعبية، في التعامل مع حالة الانتظار، واستراتيجيات البقاء التي يلجأ إليها الأفراد للتكيّف مع ظروفهم المعيشية.
افتتحت حنازلة السيمنار بطرح الأسئلة المحورية حول الأزمنة التي يولّدها فضاء السجن، وتجارب الزمن المتعددة التي يعيشها السجناء. وأشارت إلى أنّ السجن ليس فقط مكانًا للاحتجاز الجسدي، بل هو فضاء يتحكّم في الزمن ويدير أفعال الناس داخله، ما يجعل تجربة الزمن داخل السجن معقّدة ومتعددة الأبعاد.
وركّزت على تجربة "الانتظار" في السجن، التي كانت الموضوع السائد الذي لاحظته خلال دراساتها الميدانية في تونس. وأوضحت أنّ الانتظار هو تجربة دائمة للسجناء، حيث ينتظرون الحياة المستقبلية من دون رؤية نهاية قريبة لهذا الانتظار. وينتج من هذا الشعور حالة من الاضطراب والقلق الدائمَين، على نحوٍ يؤدي إلى تجمّد الحاضر وانقطاع المستقبل. ويصبح الانتظار، بالنسبة إلى السجناء، جزءًا من حياتهم اليومية، ما يجعلهم محاصَرين في الحاضر من دون القدرة على الخروج من هذه الحالة أو حتى تخيّل مستقبل مختلف لها.
وأوضحت حنازلة أنّ موضوع الانتظار ليس حكرًا على الشباب العاطلين عن العمل، بل يمتد ليشمل تجارب أخرى مثل الظروف المتعلقة بالأجور والديون. في هذا السياق، يتشكل الزمن في تونس باعتباره زمنًا دائريًا يسجن الأفراد في حالة من القلق الدائم والخوف. ويقترح السيمنار أنّ الانتظار يشكّل الذاتيات الخاصة والفضاءات بعلاقات محددة مع الزمن، ما يعكس تأثير الزمن المليء بالخوف وعدم اليقين في تجارب التونسيين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية منذ السبعينيات.
ثم تطرّق السيمنار إلى أهمية الفضاءات الاجتماعية، مثل المقاهي والأحياء الشعبية، باعتبارها ملاذاتٍ زمنيةً تساعد الأفراد على التعامل مع حالة الجمود المزمنة. في المقاهي، يقضي الشباب معظم أيّامهم في "قتل الوقت"، ما يعكس حالة الانتظار والفراغ التي يعيشونها. أمّا الأحياء الشعبية، فهي فضاء للانتماء والتعبير عن الهويات الاجتماعية، حيث يجد الشباب الدعم والفهم من أقرانهم، وأحيانًا الحماية المطلوبة من العنف الخارجي.
ويتعلق جانب آخر من الانتظار بالديون؛ فقد أشارت الباحثة إلى أنّ الحصول على قروض وسدادها أصبح دورة حياة للتونسيين. وتحدثت عن تناقض بين الحاجة إلى الحصول على قروض والمعتقدات الدينية التي ترفض "الرّبا" (الفائدة). يعيش التونسيون في حالة من الخوف والتناقض بين ظروفهم المعيشية وأخلاقهم الدينية، على نحوٍ يعكس تحدّيات الحياة اليومية في تونس.
واختتمت حنازلة السيمنار بعرض استراتيجيات البقاء في حالة الانتظار، مشيرةً إلى أنّ الشباب التونسيين يلجؤون إلى وظائفَ في القطاع الخاص أو القطاع غير الرسمي، وكذلك الانخراط في دوائر التهريب غير الرسمية على الحدود الجزائرية أو الليبية. وتُعتبر هذه الاستراتيجيات حلولًا جزئية تساعد على جعل حالة الانتظار أكثر قابلية للعيش أو التحمّل، حيث لا توجد حلول شاملة متاحة لمحاوري الباحثة.
ثم عقّب منير السعيداني، الباحث والأكاديمي التونسي ورئيس دورية "عمران" للعلوم الاجتماعية، بقوله إنّ الباحثة سلّطت الضوء على أهمية دراسة التفاصيل اليومية لحياة الناس، ما يُظهر تحوّلًا معرفيًا يتوافق مع التحولات السياسية والاجتماعية. وأوضح أنّ السيمنار تناول فكرة الانتظار مدخلًا لمعالجة التحدّيات التي تواجه المجتمع، مشيرًا إلى أهمية فهم الزمن في بُعدين: الزمن الموضوعي والزمن المتعلق بالانفعالات. وأشار السعيداني إلى أن البحث يركز على كيفية إعادة بناء الزمن والشعور بالعجز والغربة، ويُظهر أنّ الانتظار يمكن أن يكون تكتيكًا للتغلب على القهر، ويقترح النظر في الزمن المكاني.
وقد أعقب السيمنار نقاش ثريّ حول تأثير تجربة الانتظار في الحياة اليومية للسجناء في تونس، حيث جرى استعراض أبعاد هذه التجربة من جوانب اجتماعية ونفسية واقتصادية. وشارك في الحوار أساتذة من معهد الدوحة للدراسات العليا وطلّابه، وباحثون من المركز العربي للأبحاث.