استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 7 شباط / فبراير 2024، الدكتورة أريج صباغ-خوري، باحثة علم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعضو لجنة الأبحاث في مدى الكرمل (المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية) وعضو منظمة "أكاديمية من أجل المساواة"، التي قدّمت محاضرة بعنوان "حياة الطوارئ العارية: العنف الكولونيالي الاستيطاني والمقاومة الشعبية"، تناولت إشكالية مفهوم الدولة في سياق استعمار استيطاني، وخصائص الدولة الاستعمارية الاستيطانية.

افتتحت الباحثة محاضرتها بنقاش مجموعة من المفاهيم السوسيولوجية السياسية حول الدولة وكيفية ممارستها للسلطة، معتمدةً على نظريات ماكس فيبر Max Weber وبيير بورديو Pierre Bourdieu حول الدولة واحتكار العنف. وأشارت، مستندةً إلى كتاب الدكتور عزمي بشارة مسألة الدولة: أطروحة في الفلسفة والنظرية والسياقات، إلى أن الدولة ليست كيانًا موحّدًا بل مجموعة من العمليات والمؤسسات التي تعمل معًا لتحقيق أهدافٍ مشتركة، وتحذّر من تبسيط هذه العمليات إلى مفهوم واحد ومتجانس.

وأوضحت المحاضرة خصائص الدولة الاستعمارية الاستيطانية، وناقشت اختلافها عن الدولة القومية الكلاسيكية من حيث النشأة والتطور، مستخدِمةً نهج بورديو في تحليل الدولة الاستعمارية كحقل متمايز، ومشيرةً إلى أن هذا النوع من الدول يمارس السلطة بطرق مختلفة وفريدة.

ثم انتقلت الباحثة للحديث عن دراسة حالة "دولة" إسرائيل، باعتبارها دولة استعمارية استيطانية، موضحةً ممارسة إسرائيل للعنف وهيمنتها من خلال استراتيجيات مختلفة داخل حدود الخط الأخضر وخارجها (الذي حددته الأمم المتحدة بعد هدنة عام 1949). وأظهرت كيفية تطبيق أشكال متنوعة من العنف الاستعماري في المناطق المختلفة، بما في ذلك الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، وحللت الأساليب التي تتبعها إسرائيل في كل منطقة لتحافظ على هيمنتها الاستعمارية.

إضافةً إلى ذلك، تطرَّقت الباحثة إلى صور احتجاج الفلسطينيين ومقاومتهم، بما في ذلك هبّة الكرامة في أيار/ مايو 2021 والأحداث التي تلت 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، موضحةً تعامل إسرائيل معها، وأثر ذلك في الحياة اليومية للفلسطينيين.

خلصت المحاضرة إلى أنّ فهم العنف في الدول الاستعمارية الاستيطانية يتطلب نظرة معقدة تتجاوز تعريفها الكلاسيكي بوصفها احتكارًا للعنف. ومن خلال تحليل ممارسات إسرائيل، سلّطت الباحثة الضوء على جوانب مختلفة من النقاشات المتعلقة بالدولة والعنف والاستعمار الاستيطاني.

وقد عقّب على المحاضرة الدكتور أدهم صولي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية ورئيس برنامج الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة للدراسات العليا، موضحًا أنّ نظرية الدولة بمفردها لا تقدم تفسيرًا كافيًا لصور تفاعلات دولة إسرائيل؛ إذ إنّ تنوّع العمليات التي تمارسها إسرائيل في مختلف المناطق الفلسطينية لا يمنع من كونها وثيقة الارتباط ببعضها بعضًا، فهي تنطلق من الأيديولوجيا الصهيونية. وأشار إلى أن الحالة الإسرائيلية ليست استثنائية في تشكّل الدول، داعيًا إلى إعادة النظر في أفكار تشارلز تيلي حول العلاقة بين الدولة وممارسة العنف والجريمة المنظّمة.

وأعقب السيمنار نقاشٌ ثريٌّ حول طبيعة العنف ومؤسسات الاستعمار الاستيطاني ونظرية الدولة، شارك فيه  مجموعة من باحثي المركز العربي وأساتذة معهد الدوحة وطلّابه.