Author Search

باحث مشارك في المركز العربي، تتركز اهتماماته البحثية على قضايا الدولة وعلاقتها بالمجتمع، والهوية، والتنمية.

من السيمنار
حارث حسن
حيدر سعيد معقبا على ورقة السيمنار

استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 24 كانون الثاني/ يناير 2024، الدكتور حارث حسن، الباحث المشارك في المركز العربي، الذي قدم محاضرة عنوانها "من الهامش إلى المركز: تحولات العلاقة بين الدولة والمرجعية الدينية الشيعية في العراق". وهي تُعدّ جزءًا من مشروع كتاب يشتغل به الباحث، لدراسة تفكك الدولة وصعود الفاعلين غير الدولاتيين في بلدان مثل العراق وسورية، ويتمحور موضوعها الأساسي حول العلاقة بين السلطة والمرجعية الدينية، مع تركيز على المرجعية الدينية الشيعية.

استهل الباحث محاضرته بلمحة تاريخية عن تحولات العلاقة بين السلطة السياسية والسلطة الدينية، حيث قامت الدولة العراقية قبل احتلال العراق عام 2003 على تحجيم السلطة الدينية، أما لاحقًا فباتت القوى العسكرية والسياسية تقصد السلطة الدينية لتوفير غطاء لممارساتها. ذلك لأن احتلال العراق عام 2003 مثل لحظة فارقة في تاريخ البلاد، انهار فيه المنتظم السياسي، ممهدًا لتحول هيكلي في بنية مؤسسة الدولة. فقد بدأ الفاعلون الدينيون الشيعة، الذين كانوا في السابق على هامش التأثير السياسي، بالظهور بصفتهم شخصيات مركزية في الخطاب السياسي. وفي هذا السياق، وضح الباحث كيفية انتقال هؤلاء الفاعلين من دور سلبي إلى دور أكثر نشاطًا وتأثيرًا.

وعدّد الباحث عدة جوانب تصف بروز الهيئات الدينية الشيعية في العراق. أولها تراكم رأس المال الاجتماعي، بعد انحسار الدولة من الفضاء العام؛ ما مكّن هذه الهيئات من الظهور بصفتها من الرواد في المجال الديني. وأسهم هذا التراكم في زيادة مقبوليتها واستعداد الناس للاستماع إليها. وأشار الباحث إلى عامل آخر، هو الشبكات الواسعة التي تمتلكها هذه الهيئات، ليس فقط داخل العراق بل خارجه أيضًا، مثل مرجعية علي السيستاني. ولفت إلى أن الخيارات السياسية لمرجعية السيستاني التي اتسمت بالاعتدال، وعدم تبني أجندات حزبية واضحة، ساعداها في الحفاظ على قاعدة واسعة من المتابعين؛ إذ يرى أن هذا النهج الاستراتيجي يتجنب استهلاك رأس المال الاجتماعي في الشؤون اليومية، ويركز على القضايا ذات الأهمية الاستراتيجية، مثل الدستور والانتخابات المبكرة.

وأضاف الباحث أن العراق شهد تحولًا في التصورات السياسية حول الدولة، بعد عام 2003، إلى ما يمكن تسميته "الدولة المكوناتية"، حيث يُنظر إلى المجتمع العراقي بصفته مجموعة من المكونات الإثنية والطائفية. وقد منح هذا التحول المرجعيات الدينية، وخصوصًا المرجعية الشيعية، شرعية أكبر ودورًا محوريًا في النظام السياسي الجديد. وذلك لأن هذه الشرعية تعززت، من خلال الاستفادة المتبادلة للمرجعيات الدينية على اختلافها. ويظهر هذا تطور في إعادة تنظيم الأوقاف؛ إذ أصبح للمرجعيات الدينية أدوار محورية في اختيار الفاعلين الرئيسيين في المؤسسات الدينية التابعة للدولة.

وعقّب الدكتور حيدر سعيد، الباحث في المركز العربي ورئيس تحرير دورية "سياسات عربية"، متفقًا مع الباحث في إمكانية استعادة الدولة العراقية للسيطرة على المؤسسة الدينية، مع التشديد على أهمية دراسة تأثير النظام السياسي الجديد في هذا السياق. ولكنه ينتقد أيضًا التركيز على الشخصيات الدينية البارزة، مؤكدًا ضرورة تضمين الفاعلين الأصغر والهامشيين، الذين اضطلعوا بأدوار مهمة في الساحتين الاجتماعية والسياسية. ويؤكد سعيد الحاجة إلى مزيد من البحوث التي تتناول كيفية تفاعل المؤسسة الدينية مع التحولات الأخيرة، خاصةً بعد عام 2014، مشيرًا إلى ضرورة إجراء مقارنات تاريخية لفهمٍ أعمق لدور المؤسسة الدينية في العراق.

وشارك في نقاش السيمنار نخبة من أساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا وباحثي المركز العربي، وقد تناول النقاش موضوعات الدولة والمؤسسية والمجتمع، والسيناريوهات المستقبلية لتحولات العلاقة بين الدولة والمؤسسة الدينية في دول مثل العراق ولبنان.