عقدت وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الأربعاء 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، ندوة بعنوان "الانتخابات النيابية المبكرة في العراق 2021: سياقاتها، والقوى المتنافسة، وآفاقها"، شارك فيها نخبة من الباحثين والأكاديميين المتخصصين في الشأن العراقي، وهم حارث حسن، باحث أقدم في مركز كارنيغي الشرق الأوسط؛ وحيدر سعيد، رئيس قسم الأبحاث في المركز العربي ورئيس تحرير دورية "سياسات عربية"؛ ورحيم العگيلي، قاضٍ متقاعد ومحامٍ، شغل سابقًا منصب رئيس هيئة النزاهة الاتحادية في العراق خلال الفترة 2008–2011؛ وعبد الجبار السعيدي، أستاذ الاجتماع السياسي والنظم السياسية في كلية العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية؛ وعقيل عباس، باحث مستقل، عمل سابقًا أستاذًا في الجامعة الأميركية في العراق. وقد تناولت الندوة التي ترأسها مروان قبلان، مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي، سياقات الانتخابات المبكرة وخلفياتها وسماتها وتداعياتها وآفاقها، ومواقف القوى السياسية العراقية منها.

الجلسة الأولى: الانتخابات النيابية المبكرة في العراق، سياقاتها وسماتها

استهل حيدر سعيد الجلسة، بورقة عنوانها "انتخابات النظام أم مُخرَج من مخرجات تشرين؟ الطريق الموصلة إلى الانتخابات المبكرة 2021 في العراق وموقف قوى تشرين منها"، بالحديث عن الطريق الموصلة إلى الانتخابات المبكرة، التي تأتي بعد استقالة حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق، عادل عبد المهدي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وجاءت إثر حركة احتجاجات واسعة في العراق، يصفها مشعلوها والمنخرطون فيها ومؤيدوها بأنها ثورة، وعقب تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء في العراق في أيار/ مايو 2020، الذي دعا في أواخر تموز/ يوليو 2020 إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة في 2021. ويضيف الباحث أن هذه الانتخابات المبكرة تأتي في سياق صراع النخبة الشيعية الحاكمة في العراق وانقساماتها منذ عام 2003، والذي تبلور في شكله الأخير في حقبة رئيس الوزراء العراقي الأسبق، حيدر العبادي (2014-2018)، وأدى إلى تقسيمها وإعادة توزيعها في فئتين هما: التنظيمات القريبة من إيران والمدعومة منها، وفئة تعارض هذا التوجه وتسعى للحد من نفوذ إيران ووكلائها. وحاجّ الباحث بأن الكاظمي ليس بعيدًا عن هذا الانقسام وعن الصراع بين الفاعلين في منظومة الحكم، وأن الانتخابات المبكرة التي دعا لها، وإن بدت من أفكاره، فهي تُعدّ شعارًا رفعته أطراف أساسية في ثورة تشرين.

في المداخلة الثانية، ركز عقيل عباس، في ورقته "الانتخابات العراقية: ما الذي تعنيه؟ وما الذي يميزها من الانتخابات السابقة؟"، على أن الانتخابات المبكرة المقبلة هي أهم انتخابات يشهدها العراق منذ عام 2003؛ نظرًا إلى إجابتها عن أسئلة مهمة، من بينها مستقبل النظام السياسي وإمكانية إصلاحه من الداخل، ولا سيما أنها تأتي بعد احتجاجات تشرين المطلبية، التي منحت المجتمع العراقي قدرًا من الوضوح بخصوص عيوب النظام السياسي. ويضيف عباس أن هذه الانتخابات المبكرة منحت العراقيين خيارات أخرى خارج النظام السياسي، وهو خيار الاستمرار في الاحتجاج إلى حين الإطاحة بالنظام السياسي، والذي تطور في إطار شعور العراقيين بفشل الخيار الأول من جهة، وشعور قوى احتجاجات تشرين باليأس من إمكانية إصلاح النظام السياسي بسبب تمترس قوى حزبية تقليدية وتحكّمها في مفاصل الدولة ورفضها الإصلاح من جهة ثانية، وانكشاف عجز الحكومة عن إجراء إصلاحات وعدت العراقيين بها من جهة ثالثة.

الجلسة الثانية: الانتخابات النيابية المبكرة في العراق، والقانون الانتخابي والقوى المتنافسة

شدد رحيم العگيلي، في ورقته "الأطر القانونية لانتخابات العراق المبكرة في عام 2021 والتحديات التي تواجهها"، على أن الأثر الرئيس لانتفاضة تشرين هو إجبارها النظام السياسي على تبني نظام انتخابي جديد، جاء وفقًا للأحكام التي جاء بها قانون انتخابات مجلس النواب رقم 9 لسنة 2020، الذي تبنى نظامًا انتخابيًا جديدًا وأحكامًا مستحدثة أخرى، لعل أبرزها: أولًا، أن الأصوات في النظام الانتخابي الجديد تذهب إلى المرشح الذي صوت له الناخب، ولا تذهب إلى قائمته ولا يوزّع الفائض منها على مرشحين آخرين، كما كان معمولًا به في القانون السابق؛ ثانيًا، اعتماد القانون الجديد الترشح الفردي ضمن الدائرة الانتخابية، إما بقائمة منفردة أو بقائمة مفتوحة، على خلاف القانون السابق الذي تبنى الترشح بالقائمة المفتوحة؛ ثالثًا، تخلي القانون الجديد عن نظام التمثيل النسبي وآلية الاحتساب بقواعد سانت ليغو، وأخذ بنظام انتخابي يحدد الفائز فيه بأعلى الأصوات؛ رابعًا، تبني القانون الجديد تقسيمًا مغايرًا للدوائر الانتخابية لما تبنته الدورات الانتخابية النيابية منذ عام 2003؛ خامسًا، إلغاء حصر حق الترشح للانتخابات في حمَلة الشهادات الجامعية، البكالوريوس وما يعادلها، وفتح المجال لحملة الشهادة الإعدادية أو ما يعادلها؛ سادسًا، منع القانون الجديد انتقال النائب الفائز في الانتخابات من كتلته البرلمانية التي رُشح فيها، إلى كتلة أخرى، إلا بعد تشكيل الحكومة.
في حين ركز عبد الجبار السعيدي، في ورقته "قراءة في خريطة القوى السياسية المشاركة في الانتخابات العراقية"، على الكيانات الشيعية المشاركة في الانتخابات، وهي تحالف الفتح، الذي يتشكل من مجموعة من الجماعات والميليشيات المسلحة مثل منظمة بدر وحركة صادقون والمجلس الإسلامي الأعلى ومنظمة العمل الإسلامي والجهاد والبناء وكتائب سيد الشهداء، ويرى أنه يشعر بأريحية بالنسبة إلى نتائج الانتخابات المبكرة. وكذلك شأن الكتلة الصدرية التي يرأسها مقتدى الصدر. ويرى الباحث أن هذه الكتلة وإن شعرت بأريحية نظرًا إلى وجود طاعة عمياء لدى ناخبيها، فإن ثمة جوانب تؤكد قلقها بسبب الخوف من المشاركة المتدنية للصدريين كما حصل في انتخابات 2018، وتحول جزء رئيس من مناصريها إلى قوى تشرين، والقلق من التدخل الخارجي. وبجانب هذه التحالفات الأساسية يبرز تحالف العقد الوطني بزعامة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، ويضم حركة عطاء برئاسته والحزب الإسلامي العراقي وحزب الثبات العراقي وتيار الإصلاح الوطني وتجمع رجال العراق وحزب الوارثون الإسلامي والحزم الوطني. وأشار الباحث إلى عدد من المجموعات المنفردة ضمن الإطار الشيعي، ولكنها في نظره مؤثرة، مثل حركة الوفاء وحركة حقوق وقائمة قادمون للتغيير. أما على مستوى الكيانات السُنّية، فأهمها تحالف عزم وتحالف تقدم، ويرى الباحث أن الاندفاع الشعبي في المجتمع السُنّي سوف يؤدي إلى حصولها على مقاعد أكثر من الانتخابات السابقة. واختتم مداخلته بتحليل خريطة القوى الكردية وقوى تشرين، وتحليل فرصها في الانتخابات المبكرة.
واختتمت الندوة بورقة قدمها حارث حسن بعنوان "سياسات القوى الشيعية واستراتيجياتها تجاه الانتخابات العراقية"، شدد فيها على أن هذه الانتخابات تحولت وظيفتها من الاستجابة لمطالب الحركة الاحتجاجية التشرينية إلى محاولة تجديد شرعية المنظومة السياسية القائمة، فقرار إجراء الانتخابات جاء استجابة من القوى الشيعية الرئيسة للتحدي الذي مثله حراك تشرين الاحتجاجي؛ لأن هذا الحراك تمركز جغرافيًا في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، وعبر عن أزمة سياسية مجتمعية في تلك المناطق. ويضيف الباحث أن فقدان الحركة الاحتجاجية زخمها لأسباب عدة، كالقمع، والاغتيالات، والاختطاف، والإغراءات لبعض الأطراف فيها، والإنهاك الثوري، وقيود تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد–19)، كلها عوامل حفزت القوى السياسية الشيعية على إعادة التكيف مع الواقع الجديد للسيطرة عليه. أما بخصوص مشاركة التيار الصدري، فيرى الباحث أنه يخوض اليوم حملة انتخابية غير مسبوقة، يشارك فيها مقتدى الصدر نفسه، زعيم التيار في العراق، ويضيف أن التيار، الذي يخوض الانتخابات لأول مرة بتسميته الصريحة "التيار الصدري"، انتقل منذ عام 2003 من موقف المتشكك في الانتخابات إلى قوة تعتمد على الانتخابات في ترسيخ وجودها في بنى السلطة والتحكم فيها.