العنوان هنا
تقييم حالة 08 أكتوبر ، 2021

خريطة القوى السياسية المشاركة في الانتخابات التشريعية العراقية 2021

عبد الجبار السعيدي

أستاذ الاجتماع السياسي والنظم السياسية في كلية العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية. عمل سابقًا عميدًا للكلية نفسها. له العديد من الكتب والدراسات والأوراق البحثية المنشورة في عدد من الدوريات العالمية والعربية المحكّمة، آخرها "احتجاجات تشرين في العراق: مدركات الاحتجاج في البيئة الشيعية ومآلات الاجتماع السياسي"، مجلة لباب للدراسات الاستراتيجية والإعلامية، العدد 6 (أيار/ مايو 2020)؛ “Turkish Immigration Policies: Challenges and Responses,” The Journal of Faculty of Economics and Administrative Sciences, vol. 21, no. 4 (2016).

في بلد، مثل العراق، تتنوّع فيه تفصيلات اجتماعه السياسي تنوّعًا مُعقّدًا، لا يمكن إدراك حركة فواعله السياسية إلّا من خلال خطوط عامة ترسمها تلك الفواعل. وما إن تحلّ مناسبة الانتخابات، الحديثة التجربة، حتى يتمحور معظم الجمهور حول تلك الخطوط الإثنوطائفية، فيكون الناتج نظامًا سياسيًا محاصصاتيًا، تستولي عليه طبقة سياسية فاسدة، تعمل بموجب سلطة أوليغارشية تُمارس سياسة البقاء بالسبل كلها.

لكن متغيرًا مهمًا حدث في النصف الثاني من عام 2019، غيّر الكثير من الحسابات، هو احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر 2019، التي كانت نقطة تحوّل كبرى في تغيير سياقات الاجتماع السياسي العراقي. وتمثّلت إرهاصات هذا الحدث قبل ذلك بالعزوف الشعبي في انتخابات عام 2018. ومن هنا انطلقت مسيرة الاحتجاج التي كان أحد أهم مطالبها تغيير النظام الانتخابي القائم. فإلى أي حدّ ساهم هذا التغيير في تشكيل خريطة القوى السياسية للانتخابات المُزمع إقامتها في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2021؟ وكيف تكيّفت هذه القوى مع تلك المتغيرات؟

أولًا: نظام انتخابي جديد

نتيجةً للحراك التشريني (نسبة إلى حراك تشرين الأول/ أكتوبر 2019) والمطالبات الشعبية الواسعة بتغيير المنظومة القانونية للعملية الانتخابية، ابتداءً من قانون مفوضية الانتخابات، مرورًا بقانون الأحزاب، وانتهاءً بقانون الانتخابات والنظام الانتخابي المعتمد، جاء قانون انتخابات مجلس النواب العراقي، رقم 9 لسنة 2020. وقد كان من المفترض انتهاء الدورة البرلمانية الحالية في عام 2022، إلّا أن الأحزاب السياسية قررت إجراء انتخابات مُبكرة، بعدما أطاحت احتجاجات شعبية واسعة بالحكومة السابقة رئاسة عادل عبد المهدي في أواخر عام 2019، لتحلّ محلّها حكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي بعد مخاضات عسيرة.

أما القانون الذي ستُجرى بموجبه الانتخابات البرلمانية، فيعتمد على الدوائر المتوسطة؛ أي تكوّن المحافظة من ثلاث دوائر فصاعدًا، مع حصة كوتا النساء لكل محافظة. وقد كانت القوانين الانتخابية السابقة تشجع الأحزاب والكتل السياسية على الانضواء إلى قائمة واحدة لكل محافظة؛ لأسباب كثيرة منها: أن أغلبية القوائم الانتخابية، ولا سيما الكبرى منها، تعتمد على علاقة المرشح برئيس القائمة، أو بمن يدعمون القائمة من قادة أحزاب أو حركات وتنظيمات سياسية. وكانت الأصوات العديدة - تصل أحيانًا إلى مئات الآلاف - التي يحصل عليها رئيس القائمة، تذهب لمصلحة أعضاء من القائمة نفسها لم يحصلوا حتى على بضعة آلاف. أما القانون الذي ستُجرى بموجبه الانتخابات النيابية المقبلة، فيميل إلى مصلحة الترشّح الفردي، والفائز في الدائرة الانتخابية هو الذي يحصل على أعلى الأصوات، ومن ثم الفائز الثاني الذي يليه مباشرة، وهكذا، بغض النظر عن القائمة أو التكتل السياسي.

جاء قانون انتخابات مجلس النواب العراقي، رقم 9 لسنة 2020، ليُقرّر نقلة نوعية في النظام الانتخابي المعتمد؛ إذ غادر نظام التمثيل النسبي الذي أجرت تعديلات عدة على عملياته الحسابية، إلى نظام الصوت الواحد غير المتحوّل الذي يقترب كثيرًا من عائلة نظم الأكثرية، والذي يؤثّر مباشرة في حجم الدوائر الانتخابية وعلاقة الناخب بالمرشح، ومن ثمّ عدد المرشحين وطبيعة التحالفات، عكس نظام التمثيل النسبي الذي يتميز بكثرة المرشحين والأحزاب. ولتبين ذلك، يكفي أن نُقارن بين عدد المرشحين بين انتخابات عام 2018 والانتخابات المُزمع إجراؤها. ففي عام 2018 كان عدد المرشحين 7178 مرشحًا، بينما صار عددهم 3249 في انتخابات العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

يتنافس هؤلاء ضمن قانون الدوائر الانتخابية المفتوحة التي يبلغ عددها 83 دائرة انتخابية، أُقرّت هذه الدوائر من خلال تصويت برلماني في تشرين الأول/ أكتوبر 2020. ويبلغ عدد المقاعد التي يتنافس عليها المرشحون 329 مقعدًا، كما إن هناك كوتا نسائية تصل إلى 25 في المئة من مجموع المقاعد.

تتوزع مقاعد المكوّنات وفقًا للتقسيم الآتي: خمسة مقاعد للمسيحيين، تُوزّع على المحافظات (بغداد، ونينوى، وكركوك، ودهوك، وأربيل)، ومقعد واحد للمكوّن الأيزيدي في محافظة نينوى، ومقعد واحد للمكوّن الصابئي المندائي في محافظة بغداد، ومقعد واحد للمكوّن الشبكي في محافظة نينوى، ومقعد واحد لمكوّن الكرد الفيليين في محافظة واسط[1].

قررت الحكومة العراقية إجراء الانتخابات العامة في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بدلًا من موعدها الأصلي في حزيران/ يونيو 2022، استجابةً لضغوط سياسية ولوجستية. ووفق إحصاءات رسمية، يحق لأكثر من 25 مليون مواطن التصويت في الانتخابات العراقية التشريعية المقبلة. ولا بد من الإشارة أيضًا إلى أن هذه الانتخابات تكتسي أهمية لإشراف الأمم المتحدة بصورة مباشرة عليها.

ثانيًا: الإشكالية الانتخابية

عادة ما تطرح الانتخابات العراقية، منذ عام 2005، إشكاليةً صارخةً؛ تتلخص في السلوك الهوياتي القائم على الطائفة والعرق، وما ينتج من ذلك. وعلى هذا الأساس، ينظر بعض المحلّلين نظرة تشاؤمية إلى صورة الانتخابات المقبلة، أساسها: أولًا، وجود قانون انتخابي مصمم لمصلحة إعادة انتخاب هذه القوى من خلال صيغة سانت ليغو المُشوّهة لحساب الأصوات الانتخابية التي اعتمدها هذا القانون؛ ثانيًا، هيمنة هوية مكوّناتية لدى جمهور واسع ومنقاد نسبيًا، حتى مع شعوره بالإحباط من طريقة إدارة السياسة، فهو يشعر بأن هذه القوى تُمثّله في آخر المطاف في معادلة السلطة القائمة على التحاصص الطائفي والعِرقي؛ ثالثًا، توافر موارد مالية ومؤسساتية كافية لدى هذه القوى لاستخدامها في المواسم الانتخابية، وتقديم الإغراءات المادية اللازمة لشراء أصوات الناخبين المترددين، أو الدخول في عمليات تزوير[2].

في الواقع، لا يزال العراق يعتمد المعادلة ذاتها في الحصول على مقاعد برلمانية، من خلال الاستقطابات التي اعتُمدت مناطقيًا وطائفيًا؛ ما يعني تحالفات مبنيّة على المذهب أو الطائفة والعرق، على الرغم من وجود بعض التكتلات العابرة لها.

بناء على معطيات الانتخابات السابقة، وتوزيع نفوذ الكتل السياسية التقليدية الشيعية والسُنية والكردية، فإن 40 دائرة انتخابية اتحادية، من مجموع 71، ستكون محسومة للقوى التقليدية؛ ذلك لأن هذه التحالفات السياسية لا تختلف كثيرًا عن الانتخابات السابقة.

من المهم الإشارة أيضًا إلى أنه، فضلًا عن التحالفات والكتل، هنالك قوائم تتمثل بأحزاب وأشخاص من شرائح مختلفة، أغلبيتها عشائرية وأكاديمية، ومن مجالس المحافظات المنحلّة ورياضيين وبعض الوزراء والنواب السابقين أو الحاليين، بل حتى أفراد في جماعات مسلحة ستخوض الانتخابات المقبلة في أغلبية المحافظات العراقية، وأعلن بعضها أنه يعمل بصورة مستقلة، بينما يخوض بعض التشرينيين في الوسطى والجنوبية هذه الانتخابات بصورة متشرذمة، ولا سيما أن كثيرين منهم قد قاطعوا الانتخابات. ومعظم هذه الكيانات يفضّل الترشّح في الضواحي والمدن ذات الامتدادات العشائرية التي غالبًا ما يراهن عليها الداخلون في السباق الانتخابي.

ثالثًا: الكيانات الشيعية: تجدد القديم واحتمالات انكفاء الجمهور

يُظهر معظم الشارع الشيعي ميلًا إلى عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة؛ بسبب اليأس من الطبقة السياسية التي يراها تُعيد إنتاج نفسها بطرائق شتى، مع بقاء الفساد والمحاصصة ونقص الخدمات، فضلًا عن انكفاء الاحتجاجات واقتناع بأن تأثيرات خارجية ومالًا سياسيًا هي التي تتحكم في مخرجات العملية الانتخابية، فضلًا عن التزوير المعتاد في كل انتخابات، وأخيرًا نفور هذا الجمهور من النظام السياسي برمّته. مع ذلك، فإن قطاعًا مهمًّا من الجماهير يؤمن بهذا النظام، ولا يرى ضيرًا من بقائه، على الرغم من مساوئه كلها، ما دام يُحافظ على الهوية المذهبية.

يشعر معظم القوى الشيعية بتفوقه بمعيار القوة والسلطة والدعم، ولهذا لا يرى غضاضة من الإبقاء على مسمياته السابقة ذاتها (الفتح، الكتلة الصدرية، دولة القانون).

 1. تحالف الفتح

جرى تشكيله في عام 2018 برئاسة هادي العامري، الأمين العام لمنظمة بدر، ويضم أجنحة سياسية لعدد من الفصائل المسلحة وأحزابًا وحركات، أهمها: منظمة بدر وتجمع السند (برئاسة النائب أحمد الأسدي الذي هو الآخر قيادي في الحشد الشعبي)، وحركة الصادقون (برئاسة قيس الخزعلي الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق). وكذلك المجلس الإسلامي الأعلى (برئاسة النائب السابق همام حمودي)، ومنظمة العمل الإسلامي وحركة الجهاد والبناء (برئاسة القيادي في الحشد الشعبي حسن الساري)، وكتائب سيد الشهداء. يخوض التحالف الانتخابات بـ 63 مرشحًا، يتفق جميعهم على برنامج انتخابي واحد، أهم فقراته إخراج القوات الأجنبية من البلاد ومحاربة الفساد وإعادة عجلة الإعمار. ويحاول "الفتح" في هذه الانتخابات الاعتماد على مرشحين شباب من مختلف المحافظات، بما فيها محافظات المنطقة الغربية، ومثال ذلك محافظة نينوى، حيث يطرح بعض مرشحيه من الآن مسألة إعادة ترسيم الحدود الإدارية مع إقليم كردستان[3].

يرى قادة "الفتح" أن التحالف يملك حظوظًا وافرة لتحقيق نتائج "قوية" في الانتخابات المقبلة؛ نظرًا إلى وزنه السياسي الحالي، ثم إلى كونه حلّ ثانيًا في انتخابات عام 2018، بحصوله على 47 مقعدًا، بفارق سبعة مقاعد عن "تحالف سائرون" الصدري (54 مقعدًا)، ما يشكّل دافعًا للتحالف، بقيادة هادي العامري، إلى السعي لتصدّر لائحة المنتصرين انتخابيًا.

2. الكتلة الصدرية

دخل "الصدريون" هذه المرة إلى الانتخابات بتكتيكات جديدة، بعد انفراط عقد التحالف بينهم وبين الشيوعيين وسعد عاصم الجنابي، فنزلوا باسم "الكتلة الصدرية" بدلًا من "تحالف سائرون"، ثم انسحبوا، ثم عادوا. وغالبًا ما يعتقد أن لدى الصدريين ماكينة انتخابية قوية، إلّا أن ما هو أهم من هذه الماكينة الطاعة المطلقة التي اعتادها أتباع مقتدى الصدر. على الرغم من ذلك، فإن القادة الصدريين يتخوّفون، في هذه المرة، من خذلان جمهورهم وتقاعسه، آخذين في الحسبان نسبة المشاركة غير الكاملة لأتباعهم في انتخابات عام 2018، على الرغم من أنهم حصلوا على المركز الأول.

يدخل الصدريون الانتخابات هذه المرة وهم مصممون على الفوز برئاسة الوزراء. ويدخلونها كما دخلوها أول مرة، وهم مدجّجون بسرايا السلام، جناحهم العسكري الذي يُعدّل ثقل الموازنة بينهم وبين فصائل أخرى بدأت تدخل العمل السياسي، مثل العصائب وحزب الله وثأر الله. وبين هذه وتلك، يعتمد كيان الكتلة الصدرية على المناطق الهامشية في وسط العراق وجنوبه.

3. ائتلاف دولة القانون: رهانات المالكي

بقي ائتلاف دولة القانون على تسميته وهيكليته السابقة، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. ويعتقد بعض المراقبين أن ائتلاف المالكي لن يحصل على الكثير من الأصوات، ويتوقعون أنه سيتضرّر؛ على اعتبار أن جمهوره موزّعٌ في دوائر عدة، وهو من الوجوه القديمة التي لا يُحبّذها الشارع. والواقع، أن حظوظ المالكي قد تزداد، فيحصل على عدد مقارب لعدد مقاعده في الدورة السابقة، إن لم يزد على ذلك، والتي ربما ستكسب أهمية أكبر لو ائتلف مع تحالف "الفتح" بعد الانتخابات. والسبب في هذا التوقع أن قطاعًا لا يُستهان به في الشارع الشيعي يؤيد المالكي من كبار السن، وحتى من الشباب الذين يستذكرون سياسة التوظيف والرواتب وهم يبحثون عن الوظائف، بل من أناس لا يحبون المالكي، لكنهم سيصوّتون له نكايةً في خصمه اللدود مقتدى الصدر، كما أن هنالك قطاعًا بدأ يُحبّذ المالكي لأنه، في رأيهم، أقوى من جميع رؤساء الوزراء السابقين، وتجد هذا الميل لدى أفراد الجيش والشرطة؛ ما سيُعدّ مزية للمالكي في التصويت الخاص، ولا سيما أنه في المدة الأخيرة بدأ يطرح نفسه كرئيس وزراء مقبل.

4. ائتلاف قوى الدولة الوطنية: اجتماع القلقين

كثيرًا ما استفز اسم "قوى الدولة" بقية نظيراتها من الكتل الشيعية الأخرى؛ على اعتبار أن المقصود هو اتهام الكتل الأخرى بأنها قوى "اللادولة"، وهي عبارة كثيرًا ما أطلقت على الفصائل الشيعية المسلحة. والواقع أن طرح "قوى الدولة" إنما هو طرح جريء، لكنه جاء من خلال أطر تقليدية ما عادت فاعلة. ائتلاف قوى الدولة هذا - الذي يضم تحالف النصر (بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي)، وتحالف الحكمة (بزعامة عمار الحكيم) - يضم أيضًا حزب المؤتمر (بزعامة رجل الأعمال آراس حبيب الذي اتهمته وزارة الخزانة الأميركية بدعم حزب الله اللبناني وفرضت عليه عقوبات جراء ذلك). ويبدو هذا الائتلاف اجتماعًا اضطراريًا، يعكس قلق المؤتلفين فيه من تدني حظوظهم الانتخابية.

إلى جانب هذه التحالفات الأساسية، يبرز تحالف العقد الوطني بزعامة فالح الفياض (رئيس هيئة الحشد الشعبي)، ويضم "حركة عطاء" برئاسته و"الحزب الإسلامي العراقي" (سُنيّ) و"حزب الثبات العراقي" و"تيار الإصلاح الوطني" و"تجمع رجال العراق" و"حزب الوارثون" الإسلامي و"الحزب الوطني"، وسيخوض الانتخابات بـ 80 مرشحًا. ولهذا التحالف، كما هو واضح، امتدادات وتحالفات عميقة في المناطق السُنّية.

5. منفردون، لكن مؤثرون

ضمن الإطار الشيعي، برزت شخصيات لها قدر من المقبولية الشعبية. فعدنان الزرفي رئيس حركة الوفاء، قرر الدخول بقائمة منفصلة ستخوض الانتخابات في عدد من المحافظات، منها العاصمة بغداد والبصرة، إضافة إلى ما يَعدّه الزرفي ثقله السياسي والشعبي، أي محافظة النجف؛ كونه عمل سنوات محافظًا لها، ومن ثم نائبًا عنها في الانتخابات الأخيرة. وبرز أيضًا تيار محمد شياع السوداني، المعروف بـ "النزاهة"، ويذكر أن كليهما [الزرفي والسوداني] كان مرشّحًا لرئاسة الوزراء بعد استقالة عادل عبد المهدي. في هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى حركة "حقوق" برئاسة أمينها العام حسين مؤنس، المنسوب إلى كتائب حزب الله، والذي أعلن أن حركته مستقلة عن هذه الكتائب. وفي السياق ذاته، وفي البصرة على وجه التحديد، ترشّح يوسف السيلاوي عن حركة ثأر الله التي تملك فصيلًا مسلّحًا وسبق اتهامه بقتل متظاهرين[4].

ويمكن أيضًا الإشارة إلى قائمة "قادمون للتغيير" التي يترأسها رجل الأعمال حسين الرماحي، ولا يضم أي أحزاب أو حركات، وسيخوض الانتخابات بأعلى عدد من المرشحين (182 مرشحًا)، وهم من الكفاءات ورجال الأعمال. ومن الأمور المثيرة للاهتمام ترشّح محافظ البصرة الحالي، أسعد العيداني، الذي يطرح نفسه زعيمًا عشائريًا في قائمته الجديدة باسم "تحالف تصميم"، فقد رفض العيداني أن يؤدي القسم بصفته نائبًا في مجلس النواب وبقي متمسكًا بمنصب محافظ البصرة، كما تنقل خلال سنوات قليلة بين حزب المؤتمر ودولة القانون وتيار الحكمة وتحالف النصر بقيادة العبادي، ثم تحالف الفتح[5]. أما بالنسبة إلى الكيانات الفردية المستقلة، فقد تفوز بمقاعد في مناطقها، وتجد مقبولية شعبية، لأسباب عشائرية أو وجاهية.

رابعًا: الكيانات السُنّية: دينامية جديدة واندفاع جديد

على الرغم من التنافس الحادّ، وأحيانًا التناحر الحادّ، بين القوى السُنّية بشأن من يمثّل الطائفة، فإن صيغ ائتلافاتها الجديدة، وتأهب المناطق السُنّية للاشتراك في الانتخابات، يعكسان دينامية جديدة وفاعلة لهذه القوى في انتخابات عام 2021. وتأتي هذه الدينامية نتيجة أسباب عدة، منها أن الشارع السُنّي، قياسًا على نظيره الشيعي، لا يعاني تشرذمات عقائدية، كما أن سلوكه التصويتي هو سلوك عشائري في الدرجة الأولى، فضلًا عن أنه يتطلّع إلى حياة أفضل بعد حياة التهجير والتدمير في أثر حرب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش".

إن التحالفات السُنّية هي في الغالب تحالفات انتخابية تكتيكية، تعتمد على التمويل من جهة، وعلى العلاقة بالسلطة ومؤسسات الدولة من جهة أخرى؛ لكنها عادة ما تنتهي حال إعلان نتائج الانتخابات، لتلتحق بالجهة التي ستحصل على رئاسة مجلس النواب وتحتكر القرار السُنّي[6]. لكن ما قد يُخفّف من ذلك، ويجعل هذه الائتلافات متماسكة، هو أن القانون يمنع الانتقال بين الكتل بعد الانتخابات.

ومن أبرز التحالفات السُنّية تحالف "العزم"، برئاسة رئيس "المشروع العربي" خميس الخنجر، ومشاركة شخصيات وازنة؛ مثل سليم الجبوري وخالد العبيدي. في حين يخوض رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، الانتخابات من خلال تحالف "تقدم". ويبرز التحالف الثالث باسم "جبهة الإنقاذ"، برئاسة أسامة النجيفي. ويمثل العرب السُنّة 71 نائبًا منذ انتخابات عام 2018، بعدما كان عددهم 90 نائبًا في الدورة التشريعية السابقة 2014–2018.

1. تحالف عزم

يترأس هذا التحالف رجل الأعمال خميس الخنجر، ويضم المشروع العربي، وحزب الحل (برئاسة جمال الكربولي المعتقل حاليًا)، وحزب الوفاء (برئاسة وزير الكهرباء الأسبق قاسم الفهداوي)، وحزب المسار المدني والكتلة العراقية الحرة والتجمع المدني للإصلاح وحزب التصدي وحزب المجد العراقي، وسيخوض الانتخابات بـ 123 مرشحًا.

من أهدافه المعلنة إعادة النازحين، وتأمين المناطق الغربية من الإرهابيين. ومن المعروف أن السيد الخنجر كان في تحالف ضمن تحالف الفتح بقيادة هادي العامري الذي ساهم في عودته إلى المشهد السياسي بعد خلافات مع حكومة المالكي. وتمكن تحالف "عزم" أيضًا من تنظيم عودة القيادي السُنّي البارز، رافع العيساوي، وضمه إلى صفوفه، وهو ما يعطيه دفعة جيدة في مواجهة تحالف "تقدم". ويذكر أن الخنجر فُرضت عليه عقوبات من وزارة الخزانة الأميركية بتهمة تمويل الإرهاب.

2. تحالف تقدم

يترأسه محمد الحلبوسي (رئيس مجلس النواب الحالي)، ويضم حزب التقدم (برئاسة الحلبوسي)، والخيار العربي وتجمع التعاون وحزب الحق الوطني ومقتدرون للسلم والبناء وتجمع نهضة جيل والمبادرة الوطنية، وسيخوض الانتخابات بـ 105 مرشحين. ولهذا التحالف نفوذ طاغٍ في الأنبار، ثم في بغداد، وأقل من ذلك في نينوى وصلاح الدين، بينما يحظى تحالف عزم بنفوذ أكبر في بغداد ونينوى وكركوك وصلاح الدين.

ضمن هذا التحالف أيضًا، يبرز تجمع "تعاون" (برئاسة محافظ الأنبار علي فرحان)، و"الخيار العربي" (برئاسة عبد الكريم عبطان)، و"حزب الحق" (برئاسة أحمد المساري)، وتجمع "نهضة جيل" (برئاسة أكرم العساف) وبعض الأحزاب الأخرى.

3. المشروع الوطني للإنقاذ

يقود هذا التحالف أسامة النجيفي الذي تحالف مع الشيخ جمال الضاري وعدد من السياسيين السُنّة الآخرين. ويعوّل النجيفي على معاقله في محافظة نينوى، وبدا أنه لا يستطيع مُجاراة الخنجر والحلبوسي في مناطق مثل بغداد أو تكريت. ويعتمد على فئات عشائرية وأخرى شبابية ونواب سابقين، ولديه أيضًا عناصر أمنية تتمثل بـ "حرس نينوى" الذي شكّله أخوه محافظ نينوى السابق، أثيل النجيفي.

خامسًا: الكيانات الكردية: اضطرار الابتعاد عن المركزية الكردية

كانت المركزية الكردية هي حاكمة السلوك الانتخابي الكردي منذ عام 2005، لكن مع استقرار واقع السلطة في بغداد، ومع فشل تجربة الاستفتاء، وتغيرات الأوضاع الإقليمية والدولية، فإن نوعًا من الابتعاد، ولو قليلًا، عن هذه المركزية، بدا واضحًا من خلال الاقتناع بأن حل المشكلات يأتي من خلال بغداد، وهذا هو منطق معظم الأحزاب الكردية في الوقت الراهن.

يكاد يكون المشهد الانتخابي في كردستان غير متجانس بصورة أكثر من ذي قبل مع بعض الاستثناءات. فالحزب الديمقراطي الكردستاني ما زال قويًا، وقد مدّ رقعته الانتخابية إلى محافظات خارج إقليم كردستان، مثل الأنبار وكربلاء. ويليه الاتحاد الوطني الذي دخل في تحالف مع حركة "كوران" لخوض الانتخابات باسم "تحالف كردستان"، حيث تم اختيار قوباد الطالباني رئيسًا للقائمة، وهو النجل الأصغر للرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني، ونائب رئيس حكومة إقليم كردستان.

ثمة اتفاق غير رسمي بين "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"الاتحاد الإسلامي" (بقيادة صلاح الدين بهاء الدين) و"جماعة العدل الكردستانية" (بقيادة علي بابير)، على دعم مرشحي بعضهم بعضًا في مختلف الدوائر الانتخابية[7]. والواقع أن الشارع الكردي، ولا سيما في معاقل الحزبين الرئيسين، ربما سيشهد إقبالًا أقل على المشاركة في التصويت؛ بسبب حالة الحنق واليأس السياسي والاقتصادي الذي ألمّ بفئات كثيرة، فضلًا عن فشل تجربة الاستفتاء السابقة.

على الرغم من أن الأحزاب الكردية ستواجه في كركوك المهمة نشاطًا منافسًا أقوى من التركمان والقوى العربية، فإن التركمان هذه المرة جمعوا أكثر أطرافهم المشتتة، وذلك أول مرة منذ عام 2005، في قائمة كبرى هي "الجبهة التركمانية العراقية"، ما قد يحقق لهم اختراقات انتخابية.

سادسًا: التشرينيون: الأقوى احتجاجًا والأضعف مشاركة

بسبب الانقسام العميق والافتقار إلى الخبرة والقيادة، لم يستطع المحتجون من التشرينيين إيجاد كتلة سياسية حقيقية تكون عنصرًا فاعلًا في تغيير المعادلات السياسية والانتخابية التقليدية، بل إن الكثيرين منهم قاطعوا الانتخابات وطرحوا أنفسهم جهةً معارضة. ولذلك ليس من المتوقع أن يحصلوا على مقاعد توازي حجم قاعدة الاحتجاج التشريني، بل إن كثيرين من مرشّحي هذه الأطراف سلكوا السلوك ذاته الذي تسلكه الأحزاب التقليدية الأخرى في دعايتهم الانتخابية.

أما أبرز الكيانات السياسية التشرينية التي كان أعضاؤها ومؤسسوها من ساحات الاحتجاجات، فهو "البيت الوطني" الذي أُعلن عنه في مدينة الناصرية، أحد أهم معاقل الاحتجاج التشريني، ويتزعمه عدد من شباب المظاهرات. ويُذكر أيضًا "الاتحاد العراقي للعمل والحقوق" ومقره في بغداد، و"حركة امتداد" التي يتزعمها علاء الركابي من الناصرية، إضافة إلى قوى أخرى، مثل "تكتل الاتحاد العراقي"، وما شابه في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب[8].

تبقى قضية أخيرة مهمة وهي قضية البعد الخارجي للانتخابات، إذ يبدو واضحًا تمحور الكيانات السياسية في جبهات تُعدّ مدعومة من دول بعينها. وليس أدلّ على ذلك من التحذيرات المستمرة من التدخل الخارجي في الانتخابات، وآخرها بيان المرجعية الدينية العليا في النجف[9]، وكذلك بيان السيد مقتدى الصدر الأخير[10].

استنتاجات

  • تعكس خريطة القوى السياسية في الانتخابات إعادة توزيع الأدوار بين النخبة السياسية التقليدية التي حكمت منذ عام 2003، وتعكس أيضًا اقتناع هذه النخبة بتكريس السلطة القائمة على المرتكز الإثنوطائفي، بل إن هذه القوى استفادت كثيرًا من هذه الانتخابات المبكرة وما رافقها من إنجازات على المستوى القانوني بسبب الاحتجاجات التشرينية، في الوقت الذي لم يحصل التشرينيون على ما يوازي ظهورهم الطاغي خلال الاحتجاجات.
  • أشارت خريطة القوى الانتخابية إلى عدم وجود تحالفات قوية عابرة للإثنيات والطوائف، تضم الفصائل العراقية – الكردية والسُنّية والشيعية كلها. وإذا كانت مثل هذه التحالفات موجودة فهي لأغراض مصلحية مرحلية.
  • بقدر ما يعمل قانون الانتخابات الجديد على عدم تشظّي الأحزاب والأصوات الانتخابية، فإنه في الوقت ذاته سيحافظ على نفوذ الأحزاب والكتل التقليدية، وسيُلحق الضرر بالأحزاب والتحالفات الجديدة ويُضعفها.
  • من المحتمل أن تحدث مفاجآت في نتائج هذه الانتخابات، بناءً على المعطيات التي ذُكرت سابقًا. وعلى صعيد القوى الشيعية، قد يحصل ائتلاف دولة القانون على مقاعد أكثر من السابق، أو على الأقل يحتفظ بعدد مقارب لمقاعد الدورة السابقة. وعلى الصعيد الكردي، قد يُحقق تحالف الاتحاد مع كوران اختراقًا انتخابيًا جديدًا. لكن المفاجأة الأكبر قد تكون في زيادة مقاعد القوائم السُنّية المؤتلفة أو المنفردة، وذلك بسبب الدينامية العالية التي تبدو واضحة، سواء على مستوى النخب أم على مستوى الجماهير.

[1] ينظر: المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، "دائرة الأحزاب والتنظيمات السياسية"، في:https://bit.ly/3ll0UYZ؛ "خريطة انتخابات العراق ... تنافس محموم ومسار التحالفات معقد"، موقع الحرة (واشنطن)، 15/9/2021، شوهد في 26/9/2021، في:https://arbne.ws/3uHeWHm

[2] عقيل عباس، "الانتخابات العراقية المقبلة ومأزق الأحزاب التقليدية"، سكاي نيوز عربية، 6/8/2021، في:https://bit.ly/3uMBp5D

[3] "63×63 معادلة ’الحصان الأسود‘ لتحالف الفتح في الانتخابات"، شفق نيوز، 19/9/2021، في: https://bit.ly/2Yt1uv0

[4] تميم الحسن، "البصــرة.. 4 قــوائــم كبيــرة تـعـاقــب كــل مـرشحيهــا السـابقيــن والفتح تعيد 5 من أصل 6 نواب لانتخابات الخريف"، صحيفة المدى، العدد 4985، 7/12/2021، شوهد في 6/10/2021، في: https://bit.ly/3Dg5sWG

[5] المرجع نفسه.

[6] عمران السويدي، "يترأسها الحلبوسي والخنجر والنجيفي ... هذه أبرز التحالفات السنية"، الجزيرة نت، 2/5/2021، شوهد في 27/9/2021، في:https://bit.ly/3iBmFBO

[7] Nawzad Shukri, “Iraqi Elections: Current Coalitions Are Not a Recipe for Change,” The Washington Institute for Near East Policy, 9/9/2021, at: https://bit.ly/3FoSkA8

[8] أسعد كاظم شبيب، "خارطة القوائم والتحالفات الانتخابية في العراق قبيل انتخابات تشرين الأول 2021"، مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، 9/5/2021، في: https://bit.ly/2Yl7oht

[9] "بيان مكتب سماحته [السيستاني] (دام ظلّه) حول الانتخابات النيابية القادمة في العراق"، موقع مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني،29/9/2021، شوهد في 29/9/2021، في:https://bit.ly/3DcIwYc

[10] إبراهيم صالح، "مقتدى الصدر يحذّر من التدخل في الانتخابات البرلمانية بالعراق"، وكالة أنباء الأناضول، 1/10/2021، شوهد في 1/10/2021، في:https://bit.ly/3Bjy28M