عقدت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة بعنوان "العلاقات الإيرانية - السعودية: بداية جديدة؟"، في 10 نيسان/ أبريل 2023. شارك في هذه الندوة آريابرزان محمدي، وهو أستاذ مساعد في كليّة الحقوق والعلوم السياسية بجامعة طهران، وعزيز الغشيان، وهو زميل في مشروع "الطائفية والوكلاء وإزالة الطائفية" (سيباد) Sectarianism, Proxies and De-sectarianisation Project, SEPAD في معهد ريتشاردسن بجامعة لانكاستر في المملكة المتحدة. وقد أدار الندوة الدكتور مهران كامرافا، مدير وحدة الدراسات الإيرانية وأستاذ الشؤون الحكومية بجامعة جورجتاون في قطر.
تناولت الندوة التداعيات الإقليمية والدولية للاتفاق الذي جرى التوصّل إليه مؤخرًا بين إيران والمملكة العربية السعودية برعاية الصين. استهلّ آريابرزان هذه الندوة بالبحث في أهميّة هذا الاتفاق بالنسبة إلى السياسة الخارجية الإيرانية، وفي علاقات إيران بالدول المجاورة، وقد رأى أنّ حكومة إبراهيم رئيسي عزّزت سياسة حسن الجوار في محاولةٍ منها للحفاظ على علاقات جيّدة مع الدول التي تجاورها مباشرة. ويشدّد موقف الصين، بوصفها وسيطًا لهذا الاتفاق التاريخي، على سياسة إيران في "التوجّه شرقًا". وفي هذا السياق، قال آريابرزان إنّ "هذا الاتفاق من شأنه أن يؤدي إلى استثمارات صينية مهمّة في المنطقة، وإنه يوجد احتمال قوي لتحوّل هذه المصالحة إلى اتفاقٍ إقليمي يعالج المخاوف الرئيسة التي تواجهها بلدان المنطقة".
أما في ما يتعلّق بديناميّات المنطقة المتغيّرة، فقد لاحظ الغشيان أنّه ثمة "منطق جديد يتبلور"، وأنّ المنطقة تشهد "فاعليّة إقليميّة"؛ إذ باتت بلدان إقليميّة "تبادر إلى حلّ المسائل العالقة الخاصة بها". وأدركت هذه الجهات الفاعلة أنّ ممارسة العداء بينها لا يصبّ في مصالحها. وأضاف الغشيان، في معرض تعليقه على انعكاس الاتفاق الإيراني – السعودي على العلاقات السعودية – الإسرائيلية أنّ مفهوم بناء تحالف سعودي – إسرائيلي لمواجهة إيران كثيرًا ما اتخذ أبعادًا مبالغًا فيها، ونفى أيضًا تعقيد العلاقات التاريخية بين السعودية وإسرائيل وبراغماتيتها. وفي الإطار نفسه، رأى أنّ وجود أهداف مشتركة بين السعودية وإسرائيل لا يعني شراكةً صريحة بينهما، وأنّ الكلام على جبهة سعودية – إسرائيلية يقلّل من أهميّة الوضع المعقّد في المنطقة.
لقد طرأ، في المدة الأخيرة، تغييرٌ ملحوظ على التفكير الاستراتيجي لدى النخب السعودية، في حين أن إيران كانت قد اقترحت إجراء مفاوضات بين البلدين منذ زمن طويل. ويرجع ذلك، بحسب آريابرزان، إلى النظام الإقليمي، في منطقة الشرق الأوسط، الذي يحول دون أن يصبح بلدٌ واحد القوّةَ الوحيدة في منطقة ترفض الهيمنة. وأضاف قائلًا: "أتمنّى أن تكون الأمور مختلفة الآن، بخاصةٍ في ضوء النظام العالمي الناشئ والمتعدّد الأقطاب. في هذه الأوقات العصيبة، تحتاج بلدان المنطقة إلى تعزيز علاقاتها في مواجهة أقطابٍ قويّة". ورأى آريابرزان أن هذا الاتفاق هو نتيجة الأحداث الإقليمية والدولية على حدٍّ سواء، مثل الحرب في أوكرانيا وحروب النفط. لا شكّ في أن التنويع في التفكير السعودي الاستراتيجي أمرٌ ضروريّ أيضًا؛ إذ نوعت السعودية في مصادرها المرتبطة بشرعية الدولة، واقتصادها، وأمنها، وتحالفاتها.
وردًّا على السؤال: هل قدّمت إيران والسعودية ضمانات أمنية؟ قال الغشيان إنّ كلًّا من البلدين تعهّد بالعمل على توفير منطقة أكثر أمنًا، إضافةً إلى معالجة الشكاوى الخاصة بكل طرف. وشدّد على أهمية اعتماد نهج أكثر دقّة في ما يتعلّق بعلاقات إيران بالجهات غير الحكومية؛ إذ إنّ لهذه الجهات مصالحها وفاعليّاتها وحساباتها الخاصة أيضًا. ويرى الغشيان في ذلك مصدرَ قلقٍ محتملًا في المستقبل، وقد اتفق مع آريابرزان في قوله إنّ هذا الاتفاق كان قائمًا على التعاون، مستندًا إلى خطاب وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، وسعيه لبناء منطقة مزدهرة. وسلّط الضوء على أنّ هذا المسار يشكّل عمليّة، وأنّ الحسابات الاستراتيجية الإقليمية للمملكة العربية السعودية تهدف إلى تجنّب عدم الاستقرار والفراغ الأمني. وقال إنّ المسألة الأساسية تكمن في الاعتماد الاقتصادي المتبادل، وأن الصين مناسبةٌ في هذا الشأن أكثر من الولايات المتحدة الأميركية للاضطلاع بدورٍ يمكن أن يساعد على تحقيق ذلك. وترى السعودية أن الطرف الوحيد الذي قد يمارس أيّ ضغط حقيقي على إيران هو الصين. صحيحٌ أنّ السعودية تبذل جهودًا كبيرة لتنويع علاقاتها واستثماراتها وتفكيرها الاستراتيجي، إلّا أنها ترى أنّ العالم المتعدّد الأقطاب هو عالم غير متماثل، وهي بذلك تفضّل التوجّه نحو الولايات المتحدة.
في إطار تحليل تأثير الاتفاق الإيراني - السعودي في خطة العمل الشاملة المشتركة، ذكر آريابرزان أنّ إيران، بحسب خطابها الرسمي، تسعى لبناء علاقات إيجابية مع جيرانها؛ ما قد يعود بالفائدة على اقتصادها من دون الرجوع إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. لقد حاولت حكومة حسن روحاني إشراك الاتحاد الأوروبي، وإقناعه بالعمل بوصفه ضامنًا لخطة العمل الشاملة المشتركة، غير أنّ هذه المحاولة باءت بالفشل. أما الآن، خلال حكومة رئيسي، فإنّ إيران تسعى لاعتماد استراتيجية جديدة. ووفقًا لآريابرزان، تنطلق إيران من المنطقة والشرق، وإذا نجحت في حلّ الخلاف الإيراني - السعودي الذي طال أمده، فلن يعود هناك أيّ مبرّر للجهات الفاعلة الدولية، مثل الولايات المتحدة، لإلقاء اللوم على إيران في أي عملٍ "خاطئ" قد يحدث في المنطقة، واتهامها بأنها مصدرٌ لانعدام الأمن. وقد عزّز هذا الاتفاق موقف إيران في المفاوضات النووية.
أخيرًا، علّق آريابرزان على السؤال المرتبط بالتزام إيران بهذا الاتفاق وبإمكان تعهّدها بتطبيق مقتضياته، بقوله: "إنّ الترابط الاقتصادي، والتجارة الإقليمية التي ستعزّز التكامل الإقليمي أيضًا، بمنزلة الوسيلة الوحيدة التي تضمن الأمن والسلام الدائمين". لم يعد السلام البارد مفيدًا لأيّ طرف لأنه يحُول دون ازدهار بلدان المنطقة.