عقدت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في 28 أيار/ مايو 2024، ندوة بعنوان "السياسة الإيرانية بعد رئيسي: التداعيات الداخلية والإقليمية"، شارك فيها مهران كامرافا، أستاذ الشؤون الحكومية في جامعة جورجتاون في قطر ومدير وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي؛ وحميد رضا عزيزي، زميل غير مقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية؛ ودينا إسفندياري، كبيرة مستشاري برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية. وأدارت الجلسة عائشة البصري، باحثة في المركز العربي.

­استهلّ كامرافا الجلسة باستعراض السياسة الإيرانية المعاصرة بعد الرئيس إبراهيم رئيسي، مؤكّدًا أنّ إيران تمرّ بفترةٍ انتقاليةٍ، على الرغم من أنّ السياسيين الإيرانيين يتابعون نشاطهم السياسي كالمعتاد. وقال: "ما شهدناه ينمّ عن جهودٍ ثابتةٍ ومستمرّةٍ تسعى إلى التقليل من أهمية الأزمة التي تمثّلت في خسارة الرئيس الإيراني ووزير الخارجية، وكذلك التقليل من أثرها في السياسة الداخلية، وقمع أي تعبير عن رأي معارض". وتجري الاستعدادات للانتخابات الرئاسية المقبلة، التي تشهد تنافسًا على صعيد الترشح للانتخابات. وثمة شعور سائد بالاستسلام والترقّب لدى عامة الناس، وهو شعور نابع من الإحساس بالريبة من المشهد السياسي المستقبلي.

وشدّد كامرافا على قدرة الدولة الإيرانية على الصمود، مسلّطًا الضوء على تفوّقها في إدارة الأزمات، وهي سمة متأصلة منذ نشأتها، وأكّد أنّ جهاز صنع القرار الأساسي ظلّ ثابتًا وقويًا، مشيرًا إلى أن وفاة رئيس جمهورية أثناء تولّيه منصبه داخل الجمهورية الإسلامية ليس أمرًا غير مسبوق. وركّز كامرافا على طبيعة النظام البراغماتية أثناء الأزمات، مشيرًا إلى أنّ "النفعية، التي تشكّل المبدأ الأساسي للنظام السياسي، تتمتّع بالأولوية"، وأشار أيضًا إلى الدمج المستمرّ للعلاقات المدنية - العسكرية، مشدّدًا على الدور المؤثر الذي يؤديه الحرس الثوري الإسلامي على صعيدَي السياسة والمجتمع.

وشرح كامرافا عمليّة التسييس الجارية للمذهب الشيعي، وإعادة تفسيره في عهد علي الحسيني الخامنئي، المرشد الديني، بهدف السيطرة على مقاليد الدولة، وتأثير الأخير في شؤونها، مسلّطًا الضوء على استخدامه تبريرات لاهوتية لأفعال مختلفة، مثل التذرّع بمفهوم "الحرام السياسي" في قضيّة الحجاب. ورأى أنّ من سيخلف خامنئي لن يمارس المستوى نفسه من النفوذ داخل المؤسسة الدينية التي تهيمن عليها الدولة.

أما عزيزي فقد تناول مسألتَي المنافسة بين النخب والانقسامات بين التيارات، ورأى أنه من الأفضل دراسة التيارات والاتجاهات الشاملة، بدلًا من التركيز على الأفراد في سياق الانتخابات المقبلة والمرحلة الانتقالية بعد خامنئي. وأشار إلى بروز ما وصفه بالانقسامات داخل التيارات المحافظة، على النقيض من التوقّعات الأولية لنظامٍ سياسيٍ موحّد تحت حكم رئيسي. وتوقّع عزيزي أن يشهد المعسكر المحافظ مجموعة من التيارات البراغماتية والمحافظة المتشدّدة. أما في ما يتعلّق بالبرلمان، فثمة تنافس ملحوظ داخل فريق المحافظين خلال انتخابات آذار/ مارس 2024، تخلّلته هجمات متبادلة بين المحافظين التقليديين والمتشدّدين من جبهة ثبات الثورة الإسلامية [الأصولية]. وعلى الرغم من الجهود التي بُذلت بعد الانتخابات لإقالة رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، فلم يكن من المستغرب أن يحتفظ الأخير بمنصبه؛ نظرًا إلى استبعاد الأفراد الذين تربطهم علاقات هامشية بالمجموعات المعتدلة أو الإصلاحية.

وناقش عزيزي علاقة إيران بمحور المقاومة في ضوء حرب إسرائيل على غزة ووفاة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، ورأى أنه لا يمكن حدوث تحوّل في موقف إيران ميدانيًا؛ فقد تحافظ الأخيرة وحلفاؤها على وتيرة التوترات مع إسرائيل أو تؤججها، لإظهار المرونة في الأزمات الداخلية. وسلّط عزيزي الضوء على دور عبد اللهيان في تأييد محور المقاومة، وتأثير ذلك في الساحة الدولية، وأن غيابه في ترتيبات ما بعد الحرب يمكن أن يكون له تأثير أكثر أهمية من غياب رئيسي.

وفيما يتعلق بإسفندياري، فقد قالت إنّ إيران ستحافظ على سياستها الخارجية؛ لأنّ صنع القرار يقع على عاتق المرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني. كما ستواصل التركيز على بناء العلاقات مع دول الخليج العربية المجاورة والدول في الشرق، فعندما تولّى رئيسي السلطة، تحوّل هدف السياسة الخارجية الإيرانية، وبات يركّز على الحدّ من وتيرة التصعيد والحفاظ على استقرار الحدود، وقد حاولت "الإدارة الإيرانية إشراك دول الخليج العربية بوصفها مجموعة، لكنها أدركت بمرور الوقت أن ذلك لن يكون ممكنًا بسبب المواقف المختلفة لهذه الدول".

واتفقت إسفندياري مع عزيزي في تحليله محورَ المقاومة، مسلّطةً الضوء على أهميته لاستراتيجية الدفاع الأمامية لإيران، التي تواجه عزلة دولية، باعتباره الإنجاز الأبرز للجمهورية الإسلامية، التي لجأت إلى بناء علاقات بجهاتٍ فاعلة غير حكومية. وأشارت إسفندياري إلى أنّ حضور إيران على نحوٍ متنامٍ، والذي يرجع إلى حاجتها إلى إظهار النجاح من جهة، وردًا على مقتل قاسم سليماني من جهةٍ أخرى، يدلّ على نأيها عن انخراطها السابق المتحفّظ مع جهات فاعلة غير حكومية.

وفي ما يتعلّق بالمحادثات النووية الإيرانية، لاحظت إسفندياري أنّ خطاب إيران بشأن برنامجها النووي أصبح أكثر تشدّدًا مقارنة بالمواقف السابقة، وأوضحت أنّ "هذا يعكس رغبتها في الاستفادة منه بوصفه ورقة ردع، وسط تصاعد التوترات الإقليمية، بخاصة مع إسرائيل. ويهدف هذا الخطاب المتصاعد إلى زرع الشك في المجتمع الدولي بشأن موقف إيران من قرارها السياسي بشأن امتلاك سلاحٍ نووي أم لا". ونتيجة لذلك، انخرطت رفقة الولايات المتحدة الأميركية في محادثات في عُمان لمعالجة هذه المخاوف، على الرغم من أنّ احتمالات تحقيق تقدّم كبير تبدو ضئيلة. وختمت إسفندياري بتأكيد "صعوبة تصوّر الشكل الذي قد يتّخذه الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني".