نظّمت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في 9 تموز/ يوليو 2024، ندوةً عنوانها "انتخابات إيران الرئاسية لعام 2024". وقد شارك في الندوة عباس أصلاني، صحافي وزميل أوّل في مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط في إيران؛ ومهران كامرافا، مدير وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي، وأستاذ الشؤون الحكومية في جامعة جورجتاون في قطر؛ وزكية يزدان شناس، أستاذة مساعدة في الدراسات العالمية في جامعة طهران وزميلة أولى ومديرة مشروع الصين ومنطقة الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط في إيران. أدارت الجلسة نِجار مرتضوي، صحافية ومحرّرة ومضيفة برنامج "بودكاست إيران"، وزميلة أولى في مركز السياسة الدولية، وباحثة غير مقيمة في مجلس سياسة الشرق الأوسط.

استهلّت يزدان شناس الندوة مشيرةً إلى أنّ فوز مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية كان غير متوقع. وشدّدت على أن نسبة إقبال الناخبين في المرحلة الثانية بلغت 50 في المئة، أي إنها سجّلت نسبة زيادة بلغت 10 في المئة مقارنةً بنسبة المشاركة في المرحلة الأولى التي بلغت 40 في المئة تقريبًا. وقد حصل بزشكيان على 16 مليون صوتٍ مقابل 13 مليون صوت لسعيد جليلي. بحسب يزدان شناس، قرّر بعض المؤيدين المحافظين الذين صوّتوا لإبراهيم رئيسي في الدورة الانتخابية الماضية، عدم المشاركة في هذه المرحلة من الانتخابات. وقالت إنّ نسبة المشاركة في الانتخابات المنخفضة تدلّ على اتساع الفجوة بين الحكومة والمجتمع، الناجمة عن التحديات الاقتصادية المختلفة والتفاوت بين المطالب المجتمعية، وتنازلات الحكومة. إضافةً إلى ذلك، أشارت شناس إلى أنّ "التجارب الأخيرة حثّت بعض شرائح المجتمع على التصويت في الانتخابات بوصفها فرصةً تتيح تلبية احتياجاتهم الأساسية".

أما فيما يتعلّق بالعقوبات والعلاقات الأميركية - الإيرانية، فأشارت شناس إلى أن الرئيس المنتخب خلال المناظرة التي سبقت الانتخابات أوضح أنه يجب الحدّ من التوترات مع الغرب، ومع الولايات المتحدة على نحو خاص، من خلال المفاوضات المباشرة، التي ستفضي إلى رفع العقوبات أو تخفيفها. وأما الدعم الذي يقدّمه فريق حسن روحاني للسياسة الخارجية، بقيادة محمد جواد ظريف، فيشير إلى أنّ الإدارة المقبلة حريصة على الانخراط في محادثات مع الغرب، ولا سيما فيما يتعلّق بالبرنامج النووي الإيراني.

من ناحية أخرى، أكّدت شناس أنّ المرشد الأعلى هو الذي يحدّد السياسات العامة للنظام السياسي التي تتناول قضايا السياسة الخارجية المهمّة، وقالت: "إنّ هذا القرار سيتأثر بمجموعة من العوامل؛ بما في ذلك التطورات الإقليمية، والمطالب الداخلية والمشورة التي يقدّمها إلى المرشد مسؤولون يحظون بثقته في مجالات مختلفة، فضلًا عن ثقة خامنئي بفريق بزشكيان المفاوض". وذكرت أنّ نجاح المحادثات المتعلقة بالملف النووي يتوقّف على أسماء الأشخاص في وزارة الخارجية وأعضاء فريق التفاوض الذين تعتمد فاعليتهم على قدرتهم على إقناع الأطراف الأخرى المعنية بالسياسة الخارجية، بما في ذلك المجلس الأعلى للأمن القومي والحرس الثوري الإيراني. وأضافت شناس أنّ إيران تسعى للتخفيف من التصعيد وسط عدم الاستقرار الإقليمي.

من جهته، أشار عباس أصلاني إلى أنّ بزشكيان نفسه لم يتوقّع أن يوافق مجلس صيانة الدستور على ترشيحه لخوض السباق الرئاسي، وأنه سرعان ما تمكّن من حشد الدعم من عدد كبير من المسؤولين الإصلاحيين والمعتدلين. وقال أصلاني إنّه من المتوقّع عندما تكون نسبة الإقبال منخفضة أن يفوز مرشح محافظ في الانتخابات. ومع ذلك، اجتاز الإصلاحي بزشكيان المرحلة الأولى، وانتُخب رئيسًا في المرحلة الثانية. وأوضح أصلاني أنّ هذا معيارٌ جديد في السياسات الداخلية الإيرانية والسلوك الانتخابي، مشدّدًا على أن المحافظين أنفسهم يخسرون مؤيديهم.

وقال أصلاني إنّ بزشكيان كان ينتقد السياسات الداخلية والخارجية للمنظومة، وإنه يجب الأخذ في الحسبان عدم امتلاكه نظرة معتدلة. ويرى أصلاني أنّ بزشكيان سيسعى لإقامة توازن بين الإصلاحيين والتقليديين، على نحوٍ مؤدٍّ إلى تحديد سياساته، وإنه مدركٌ لوجود قيودٍ تفرضها البنية السياسية القائمة في البلاد. ويوافق أصلاني يزدان شناس في القول إنّ نطاق سلطة الرئيس في البلاد لا يزال موضع جدلٍ. صحيحٌ أنّ المنصب يشكّل أهميةً، إلا أنّ الرئيس ليس هو الوحيد الذي يتخذ قرارات تتعلّق بالسياسة الخارجية. فالبلاد لديها إطار عملٍ وبنية تحتية تضمّ جهات فاعلة متنوعة تشكّل السياسات وتصوغها.

وأكّد أصلاني أنّ "سياسات بزشكيان سترتكز على البراغماتية"، وقال إنه "حاول التشديد على الترابط بين الصعوبات الاقتصادية الداخلية للبلاد وسياستها الخارجية. لذلك، كان يدعو إلى تحسين العلاقات مع الدول الغربية، والعمل مع الشرق". ومن ثم، وصف أصلاني بزشكيان بأنه "مصلح حذر"؛ ما يدفعه إلى القول إنّ السياسة الخارجية والمسائل الداخلية قد تشهد تحوّلات تدريجية، لا تغيّرات جذرية. وفيما يتعلّق بحكومة الرئيس المنتخب، بيّن أصلاني أنّ بزشكيان تواصل مع مختلف التيارات، وإنه سيضمّ شخصيات من المعسكر المحافظ ضمن فريق عمله.

ولم يتوقع مهران كامرافا حصول أي تغيّرات جوهرية في سياسة طهران الإقليمية بالنسبة إلى السياسة الخارجية لإيران في عهد بزشكيان؛ ذلك أن بزشكيان والمسؤولين عن السياسة الخارجية من ضمن فريقه، بمن فيهم وزير الخارجية السابق ظريف، سبق أن أعلنوا أنّ إيران ستتّبع سياسة "حسن الجوار" التي نفّذها الرئيس رئيسي. وفي السياق نفسه، لن تتغيّر سياسة التوجّه شرقًا على نحو أساسي؛ إذ إنّ مصلحة البلاد تقتضي أن تكون إيران عضوًا في مجموعة "بريكس" ومنظمة شنغهاي للتعاون. وقد صرّح الرئيس المنتخب بأنه يعتزم تغيير علاقة إيران بالاتحاد الأوروبي، وحتى بالولايات المتحدة أيضًا. وأضاف كامرافا قوله: "من المهم الأخذ في الحسبان أنّ إيران إن كانت تريد التفاوض، أم لا تريد ذلك، لا يعني أنّ الأميركيين يريدون التفاوض معها".

وفي إثر ذلك، تناول كامرافا مسألة خلافة خامنئي، قائلًا: إنّ رئاسة بزشكيان ستكون حاسمةً في تحديد كيفية إدارة إيران والحكومة لمسألة الخلافة. وشدّد على أنّ الدستور يُلزم مجلس الخبراء بإنشاء لجنة تبحث باستمرار عن المرشحين المناسبين ليحلّوا مكان المرشد الحالي. وأكّد كامرافا أنّ "هذه حكومة بارعة في إدارة الأزمات"، وأنها "تمكّنت من تنظيم الانتخابات خلال فترة قصيرة، وهذا ما سنشهده مع خلافة المرشد الأعلى". وبشأن ما جرى ذكره من تحديات اقتصادية وحلول، قال كامرافا إنه توجد أنشطة ريعية كثيرة في النظام السياسي الإيراني؛ وإذا تمكّن الرئيس الجديد من كَبْح جماح بعض منها على الأقلّ، فإنّ الحكومة تستطيع في هذه الحال العمل على ميزانية لترشيد إنفاقها، تنفيذًا لبعض الوعود التي قطعها على الشعب الإيراني.