استضافت وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الإثنين 26 شباط/ فبراير 2024، ريكس براينن، أستاذ العلوم السياسية في جامعة مكغيل في مونتريال، الذي قدّم محاضرةً عن بُعد عبر تطبيق "زووم" بعنوان "مستقبل غزة؟"، أدارتها عائشة البصري، الباحثة في المركز العربي.

استهلّ براينن محاضرته بالإشارة إلى أنّ حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة أودت بأرواح عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وتسبّبت بتهجيرٍ قسري، وكارثة إنسانية، وأضرار في البنية التحتية؛ فأصبح كثير من المناطق غير صالح للسكن، كما غيّرت على نحو دائم الحسابات السياسية للنضال الفلسطيني من أجل تقرير المصير. وأوجز براينن السيناريوهات المستقبلية المحتملة، محذرًا من أوجه التشابه بين مستقبل غزة ومناطق أخرى شهدت صراعات مماثلة، مثل لبنان بعد حرب عام 1982، والصومال، وشمال سوريا. وشدّد براينن على الحاجة الملحة إلى المساعدات الإنسانية الدولية للتخفيف من معاناة سكان القطاع، مؤكّدًا على أهمية التقييم الموضوعي في فهم حالات الطوارئ المعقدة ومعالجتها، داعيًا إلى أهمية تضافر الجهود لإيصال المساعدات وتقديم مبادرات للسلام.

ويرى براينن أنّ الفاعلين الدوليين لا يؤدون سوى دور ثانوي في التأثير في الحكومة الإسرائيلية في حربها على غزة؛ إذ سعت الإدارة الأميركية إلى خفض وتيرة الحملة العسكرية الإسرائيلية فقط بدلًا من محاولة وقفها بالكامل؛ ما أدّى إلى بروز انتقادات داخل أوساط معينة في الحزب الديمقراطي، وانقسام الرأي العام في الولايات المتحدة الأميركية، مع تحولات في وجهات النظر الأساسية. أمّا حاليًا، فتركز الجهود الأميركية في المقام الأول على تثبيط الهجوم الواسع النطاق الذي تخطط إسرائيل لشنّه على مدينة رفح، وضمان التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، يرافقه إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. ويرى براينن أنّ اتفاق كهذا من شأنه أن يقود إلى انخفاض مؤقت في أعمال العنف فقط، وليس إنهاء الصراع في غزة.

وأشار براينن إلى التحديات السياسية التي تواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتحديدًا تراجع شعبيته مع اقتراب شبح المساءلة الانتخابية. وعلى الجانب الآخر، ذكر براينن ما رآه تزايدًا في شعبية حماس في الضفة الغربية؛ ما يوحي بتحولٍ في الديناميكيات السياسية التي قد تعوّق احتمالات التوصل إلى حلول طويلة الأمد. وبالتفكير في المسارات المحتملة للمضي قدمًا، اقترح براينن وسائل مثل الآليات القانونية الدولية، كالمحكمة الجنائية الدولية، والاعتراف بدولة فلسطينية من قِبل فاعلين رئيسين؛ مثل: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وفي ختام محاضرته، أكّد براينن على التحديات التي تحول دون حل أزمة غزة، في ظل انهيار المسارات المطروحة نحو الحل، إلى جانب التحديات التي تواجه إيصال المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، لافتًا الانتباه إلى التداعيات الأوسع للأزمة، بما في ذلك تأثيرها في الفلسطينيين في لبنان وسورية، والوضع غير المستقر الذي تواجهه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بسبب تعليق التمويل.

ورغم ضبابية المشهد وصعوبة التنبؤ، فإن براينن يتوقع أنّ يتعامل مختلف الأطراف مع حماس فيما يتعلق بوقف إطلاق النار والأسرى، لكن سيكون من الصعب على المجتمع الدولي أن يتعامل مع هذه القضايا على المدى الطويل. ويرى أنّ قرار محكمة العدل الدولية قد يؤدي إلى نتائج مهمة، وكذلك الاعتراف المحتمل بدولة فلسطينية من قِبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وقد يصدر قرار عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في وقت لاحق من العام الجاري يُحدد مسارًا للمضي قدمًا، إلّا أنّ هناك حاجة إلى جيلٍ جديد من القيادة الفلسطينية يكون قادرًا على مواجهة التحديات القادمة، لا سيّما مع الرغبة الإسرائيلية الملحّة في تحقيق الأمن الإسرائيلي، ومنع تكرار هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وفرض نظام صارم للسيطرة على سكان قطاع غزة، فضلًا عن التحديات المتعلّقة بإعادة الإعمار.