نظّمت وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الخميس 13 شباط/ فبراير 2025، ندوة بعنوان "خلدون النقيب: العلوم الاجتماعية النقدية في سياقها العربي والخليجي"، تناولت الإنجازات الفكرية والأكاديمية للسوسيولوجي الكويتي الراحل خلدون النقيب (ت. 2011)، ولا سيما ما قدّمه من مقاربات نقدية لحزمة من الظواهر المجتمعية الكبرى، في العالم العربي عمومًا، ومنطقة الخليج خصوصًا، ترتبط على نحو جوهري بالمجال السياسي، كالقَبَلية السياسية، والدولة التسلطية، وما إلى ذلك. وقد اشتمل جدول أعمال الندوة على ثلاث جلسات، شارك فيها ستة باحثين وباحثات.
استُهلّت الندوة بكلمة افتتاحية قدّمتها العنود آل خليفة، باحثة في وحدة دراسات الخليج، أشارت فيها إلى المهمة التي تلتزم وحدة دراسات الخليج بإنجازها، وهي تقديم مراجعات دورية لعدد من وجوه الخليج الأكاديمية البارزة، وما قدّمت من نتاجات، ليس لمجرّد الاحتفاء بها، بل لفهم الخريطة الفكرية والبحثية والأكاديمية في المنطقة. ومن ثمّ، لا يأتي التوقف عند النقيب من مجرد كونه أحد أبناء هذه المنطقة، بل لأنّه أسهم في إحداث نقلة تأسيسية في دراسات الخليج حين فكّها من سيطرة التدوين التاريخي المرافق لنشأة الدولة الحديثة في المنطقة، ووضعها على طاولة العلوم الاجتماعية.
أدار الجلسة الأولى، التي عُقدت بعنوان "النقيب: الدولة والمجتمع المدني"، مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي مروان قبلان، وقُدّمت فيها ورقتان. حلّل غانم النجار، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، في الورقة الأولى بعنوان "الدولة والمجتمع المدني عند خلدون النقيب"، تركيز النقيب على تأصيل مفهوم "الدولة"، التي تعامل معها، بحسبه، برؤية تفكيكية، وقدّم عنها طروحات إصلاحية أكثر ميلًا إلى ما يسميه "البراغماتية المنضطبة"، حيث تكون الدولة محطّة للخير العام والعدالة والحرية وعدم التمييز. وحاجّ بأنّ المخرج الذي رآه النقيب في سبيل تحقيق التعادل في المجتمع هو تقوية المجتمع المدني عن طريق تثبيت الحريات العامة والسياسية وتعزيز المشاركة السياسية.
أما الورقة الثانية، فقدّمها حارث حسن، باحث مشارك في المركز العربي، بعنوان "مقاربة خلدون النقيب للدولة التسلطية وموقعها في دراسات التسلطية العربية"، ودارت إشكاليتها حول مساهمة النقيب في حقل دراسة التسلطية في العالم العربي، حيث سعى لتوظيف التطور المعرفي في العلوم الاجتماعية لتقديم إطار عام لفهم التسلطية في ظل الدولة البيروقراطية الحديثة. كما قدّم إسهامًا في فهم التشابك بين آليات السيطرة الرسمية وغير الرسمية، ودور الكوربوراتية في الدولة العربية ما بعد الاستقلال، مستفيدًا من نظريات التبعية وتأثير هذه التبعية في علاقتها بالمجتمع وأنماط التسلط.
في الجلسة الثانية من الندوة بعنوان "النقيب: الأنثروبولوجيا والتاريخ"، وأدارها إسماعيل ناشف، أستاذ مشارك في برنامج علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في معهد الدوحة للدراسات العليا، عرض يعقوب الكندري، أستاذ الأنثروبولوجيا والاجتماع في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت، ورقةً عنوانها "خلدون النقيب: قراءة أنثروبولوجية"، حاول فيها قراءة التكوين الأنثروبولوجي في كتابات النقيب المتعددة وإنتاجه العلمي، الذي استند إلى فهم عميق للثقافة المحلية والعربية، ما مكّنه من تقديم تحليلات تتوافق مع رؤية سوسيوثقافية في مناقشته لموضوعات مثل القبيلة والتضامنية القبلية والتاريخ الاجتماعي الثقافي، وفي تحليلاته للشرائح الاجتماعية وقضايا التعليم والثقافة والأنظمة التسلطية والموقف من الغرب وغيرها.
وقدّم عبد الرحمن الإبراهيم، باحث في وحدة دراسات الخليج وأستاذ مساعد في برنامج التاريخ في معهد الدوحة، ورقة عنوانها "خلدون النقيب مؤرخًا"، أكّد فيها أنّ النقيب أعاد كتابة تاريخ المنطقة بطريقةٍ أكثر موضوعية من المؤرخين الخليجيين في زمانه، حيث قدّم قراءات نقدية لدور القبيلة والدين والاقتصاد في تشكيل المجتمعات الخليجية، ووظّف التاريخ توظيفًا منهجيًا في تعميق فهمه للمجتمع، واستخدم المصادر التاريخية في محاولة للتجسير بين التخصصات المختلفة في حقل دراسات الخليج والجزيرة العربية.
تضمّنت الجلسة الثالثة، التي جاءت بعنوان "في منهجية النقيب"، وترأستها أمل غزال، أستاذة التاريخ وعميدة كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في معهد الدوحة، ورقتين. قدّمت كريستين ديوان، زميلة باحثة أولى مقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، ورقة بعنوان "القبيلة والمواطنة: تأملات نقدية استنادًا إلى خلدون النقيب"، اعتمدت فيها على منهج النقيب في التنقيب في التاريخ لاستخلاص رؤى يمكن تطبيقها على القضايا المعاصرة، وذلك بهدف توضيح الديناميات السياسية التي تضعف قاعدة القوة القبلية في الدوائر الخارجية للكويت، حيث اهتم النقيب اهتمامًا خاصًا بالقبيلة بوصفها فاعلًا اجتماعيًا واقتصاديًا أساسيًا، وعاملًا حاسمًا في الصراع السياسي بين النخبة الحاكمة وقوى المعارضة الحضرية.
وفي الورقة الثانية بعنوان "البنائية منهجًا ونظرية: خلدون النقيب والقضية الفلسطينية"، انطلق عز الدين الفراع، أستاذ الفلسفة المغربي، من افتراض أساسه أنّ النقيب كان أحد السوسيولوجيين العرب الذين رسّخوا البنائية في تفسيراته النقدية لعلاقة الدولة بالمجتمع في الخليج والجزيرة العربية، بوصفها مقاربةً ضدّ وضعية، حيث انخرط في المسائل الاجتماعية والقضايا السياسية عن طريق كشف الرهانات الخفية التي لا يمكن فصلها عن البنى الاجتماعية للاقتصاد والثقافة السياسية، على عكس تعامي المقاربات الوضعية عن هذه الرهانات من منطلق الالتزام بالحياد والموضوعية، كما جرى في تعاملها مع حرب غزة.
واختُتمت أعمال الندوة بملاحظاتٍ ختامية لرئيس وحدة دراسات الخليج، حيدر سعيد، تطرّق فيها إلى الخطوات اللاحقة، التي ستشهد إعداد هذه الأوراق في كتاب، تُضاف إليها أوراق أخرى تحاول أن تسد الموضوعات التي لم تتمكن الندوة من تغطيتها، من قبيل موقعة إرث النقيب في الإرث السوسيولوجي العربي، وفي دراسات الخليج وتطورها، وما يدور في هذه الدائرة.
وقد شهدت سائر جلسات الندوة نقاشات معمقة بين الحضور والمشاركين، انطلاقًا مما أثارته الأوراق من أفكار.