العنوان هنا
مقالات 29 نوفمبر ، 2011

الأحزاب المصريّة وانتخابات البرلمان المصريّ 2011/2012

مقدّمة

انطلقت بحلول الثامن والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي المرحلة الأولى من انتخابات مجلسي الشّعب والشورى في جمهورية مصر العربية، وستنتهي آخر مراحلها في الحادي عشر من آذار/ مارس المقبل. وينتظر أن تبرز نتائجها أوّل برلمان تعدّدي في تاريخ مصر، بعد أن ظل المجلسان طوال العقود الماضية تحت سيطرة السلطة التنفيذية وأجهزة الدولة الأمنية، وظلّ تمثيل الشعب عبر مقاعدهما محلّ تشكيك كبير، بل إنَّ تزوير إرادة النّاخبين باختيار أعضاء المجلسين عام 2010 كان القشة التي قصمت ظهر البعير، ومهَّدت لثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير.

وتكتسي هذه الانتخابات أهمّية قصوى في المشهد المصريّ، باعتبارها الخطوة الأولى لإنهاء المرحلة الانتقاليّة وتسليم العسكر السلطة إلى مؤسّسات مدنية مُنتخبة، ومن ثمّ إنشاء نظامٍ سياسيٍّ جديد على أنقاض نظام مبارك، وتشكيل حكومة تسعى إلى الخروج من الأزمات الاقتصاديّة الخانقة التي تعاني منها البلاد.

ويُعلّق المصريون آمالا كبيرة على أن تكون هذه العملية ممثلة للإرادة الحرّة للناخب المصريّ في ظلِّ توقّعاتٍ وأمنياتٍ بنزاهتها،خاصةً مع عودة الإشراف القضائي التامّ لإدارة كل مراحل العملية الانتخابيّة.

وهي الانتخابات الأولى التي يُتاحُ فيها للمواطنين المقيمين في الخارج الإدلاء بأصواتهم عبر السفارات والقنصليات، والأولى أيضًا التي يسودها نظام مختلط يتيح ترشّح القوائم الحزبيّة وقوائم الأفراد بعد عقدين من الاقتصار على النظام الفردي. وأخيرًا هي الأولى التي تشهد توسيعًا غير مسبوقٍ  في القاعدة الشعبية للمشاركة، حيث يحقّ لكلّ مصريّ يحمل بطاقة الهويّة؛ ويزيد عمره على ثمانية عشر عامًا التّصويت المباشر، بدلا من قصره على من يستخرجون بطاقات مخصّصة للانتخاب في أوقات زمنيّة محدّدة، وهو الأمرالذي كان يقيّد نِسبَ المشاركة.

سوف تحدّد نتيجة هذه الانتخابات شكل المشهد السياسيّ المصريّ بعد الثورة، خاصّة مع تخويل البرلمان المنتخب اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد يحدّد العلاقة بين السّلطات، فضلا عن حسم هويّة الدولة المتنازع عليها بين التيّارات المختلفة، ولا سيّما الإسلاميّة والليبراليّة منها.


الإطار القانونيّ للانتخابات

تجري الانتخابات البرلمانية في مصر وفقًا للإطار القانوني الذي حدّده الإعلان الدستوري الذي تمّ استفتاء الشّعب عليه في التاسع عشر من آذار/مارس الماضي 2011، وكذلك في ظلّ اللائحة التنفيذيّة الصّادرة عام 2011، لتفصيل قانون مباشرة الحقوق السياسيّة الصّادر في عام 1965، فضلا عن مراسيم القوانين المنظّمة لمجلسي الشّعب والشّورى الصّادرة من المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة هذا العام.

وتجري عملية انتخاب ثلث مقاعد البرلمان بالنّظام الفرديّ، والثّلثين بنظام القائمةالمغلقة، بعد السّماح للأحزاب بترشيح أعضائها للمقاعد الفردية. وتجري الانتخابات على ثلاث مراحلَ في مجلس الشّعب (في الفترة من 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 وحتّى 10 كانون الثاني/يناير 2012) وثلاث مراحل أخرى في مجلس الشورى (في الفترة من 29 كانون الثاني/يناير 2012 وحتّى 11 آذار/مارس 2012).

ويُلاحظ أنّ جملة القوانين واللوائح التنفيذيّة الجديدة المنظّمة للعمليّة الانتخابيّة جاءت محافظة للغاية، وفي نفس الإطار الفلسفيّ والقانوني الذي دشّنه النظام السياسيّ السابق. فقد أصرَّ الدستور على الحفاظ على نسبة التمثيل الخاصّة بالعمّال والفلاحين (50%)، وهي النّسبة التي تجاوزها الزّمن وتجاوزتها طبيعة النّظام السياسيّ الجديد المزمع إنشاؤه، خاصّة في ظلّ لجوء العديد من المرشّحين إلى تغيير صفتهم الانتخابيّة إلى "فلاح" أو "عامل" بغير وجه حقّ.

وقد حافظ المجلس العسكريّ الحاكم على ضعف سلطات مجلس الشورى، رافضًا مطالب القوى السياسية بزيادة سلطاته أو إلغائه، ليظلّ الشّورى أقرب إلى المجلس الاستشاريّ منه إلى التّشريعيّ؛ وهو الأمر الذي واجهته انتقادات واسعة من القوى السياسيّة، لأنّ انتخابات الشّورى أصبحت  مضيعة للوقت، فضلا عن أنّها ستكون إهدارًا لموارد الدّولة لاطائلَ منه.

كما ساوم المجلس العسكري على مطالب القوى السياسية والثورية، في فرض قانون العزل السياسيّ على قيادات الحزب الوطني المحَلّ ومنعهم من خوض الانتخابات لما اقترفوه من جرائمَ سياسية في البلاد على مدار العقود الفائتة؛ فتارة سوّف المجلس وأخرى أجّل، وفي ثالثة فرض الأمر الواقع، وإصدار القانون في نهاية المطاف دون تطلّعات القوى السياسية. وجاء ذلك بعد فوات الأوان وإغلاق فترة إيداع التّرشيحات، حيث يخوض الكثير ممّن انتموا إلى الحزب المحَلّ الانتخابات تحت راية أحزابٍ معروفة أو على المقاعد الفرديّة.

وقد تعرّض الإطار القانونيّ المنَظّم للانتخابات البرلمانيّة في مصر لانتقاد معظم القوى السياسيّة بسبب محافظته الشّديدة على فلسفة عهد مبارك، إلا أنّ معظم هذه القوى اضطرّ إلى الموافقة على الدّخول في المعترك الانتخابيّ تحت هذه القواعد، حتى يفوّت الفرصة على من يدفع باتّجاه بقاء العسكر في السلطة لفترة زمنيّة طويلة، قد تتحوّل إلى هيمنة دائمة على مراكز صنع القرار.


الأحزاب والائتلافات المتنافسة

وصل عدد الأحزاب المتنافسة على مقاعد البرلمان المصريّ (498 مقعدًا لمجلس الشعب و270 لمجلس الشورى منهم 90 عضوًا سيعيّنهم رئيس الجمهورية الذي سيتم انتخابه) إلى حوالى 67 حزبًا، بينهم 24 حزبًا قائما قبل الثورة وبقيتها شُكّل عقبها.

ومع الأخذ بعين الاعتبار حلّ الحزب الوطني الذي انتشرت فلوله ضمن أحزاب جديدة وقديمة، فإنَّ معظم الأحزاب الصغيرة لاتتمتّع بأيّ شهرة أو شعبيّة حقيقيّة في الشارع، وقد انخرط عددٌ منها في ائتلافات لخوض الانتخابات بقائمةٍ موحّدة. ويمكن التفرقة في هذا الإطار بين ثلاث مجموعات من الأحزاب على النحو التالي:


أوّلا: تحالفات الأحزاب

يمكن التمييز في هذا الإطار بين أربعة تحالفات رئيسة:

1- التحالف الديمقراطي: أُنشئ في تمّوز/يوليو 2011، ويضمّ أحزاب: الحريّة والعدالة (المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين)، والغد الجديد (ليبراليّ ويرأسه السياسي المعروف أيمن نور)، والكرامة (ناصريّ يساريّ)، بالإضافة إلى ثمانية أحزاب أخرى صغيرة معظمها لا يتمتّع بأيّ شهرة.

وقد بدأ التّحالف واسعًا، وبمشاركة العديد من الأحزاب وفي مقدّمتها الوفد (الليبراليّ) والنور (السّلفيّ)، إلا أنّ خلافاتٍ واسعةً حول وثيقة المبادئ الدّستورية، ومساحة تمثيل الأحزاب داخل القوائم المغلقة قد أدّت إلى انسحاب حزبي الوفد والنور، ليكون الحريّة والعدالة هو القائد الفعليّ لهذا التّحالف.

ويخوض التحالف الانتخابات في كلّ دوائر الجمهورية وعلى جميع المقاعد، ويحتلّ مرشّحو الحريّة والعدالة نحو 70% من قوائمه، و90% من ترشيحات التحالف للمقاعد الفرديّة. ويسعى التحالف إلى إنشاء دولة مدنيّة بمرجعيّة إسلاميّة يحدّد معالمها "الحريّة والعدالة" الشّريك الأكبر والقائد في هذا التّحالف.

2- الكتلة المصريّة: أُنشئت في آب/أغسطس 2011 بتحالفٍ واسع ضمّ أربعة عشر من الأحزاب الليبراليّة واليساريّة، بهدف الوقوف في وجه التكتّلات الإسلاميّة، إلا أنّ انشقاقاتٍ عديدة قلّصت الكتلة لتخوض الانتخابات بتحالف ثلاثة أحزاب فقط، وهي: المصريّون الأحرار (ليبراليّ ومحسوب على رجل الأعمال الشّهير نجيب ساويرس ويحتلّ 50% من قوائم الكتلة)، والحزب الديموقراطيّ الاجتماعيّ (يسار الوسط ويحتلّ 40% من قوائم الكتلة)، إضافة إلى حزب التجمّع (يساري ويحتلّ 10% فقط من قوائم الكتلة). وتنافس الكتلة في 46 دائرة، بينما تخوض الانتخابات بمقاعد مبعثرة في الدّوائر الفرديّة. ويتّفق أعضاء التحالف سياسيًّاحول الطبيعة المدنيّة-العلمانيّة للدّولة، ولكنهم يختلفون بين يساريّ وليبراليّ على النّحو سالف الذّكر.

3- التّحالف الإسلاميّ: وقد أُنشئ في أيلول/سبتمبر 2011، ويكاد يكون التّحالفَ الوحيد ذا المرجعيّة الواضحة وغير المتقاطعة (المرجعيّة الإسلاميّة)، ويتكوّن من حزبي النور والأصالة (السلفيّين)، بالإضافة لحزب البناء والتّنمية التابع للجماعة الإسلاميّة.

ويقود التّحالف حزب النور السلفيّ، ويخوض الانتخابات في معظم الدوائر الخاصّة بالقائمة والفرديّ، ويعتبر الأكثر محافظة بين التّحالفات والقوى السياسيّة الأخرى. ويسعى التّحالف صراحة إلى إنشاء دولة إسلاميّة "تحافظ على حقوق الأقلّيات" على حدّ وصف أعضائه.

4- تحالف الثورة مستمرّة: وهو تحالفٌ منبثقٌ عن الكتلة المصريّة وشبيهٌ بها من حيث الائتلاف بين الليبراليّين واليساريّين، ويضمّ في عضويّته حزب مصر الحرية، وحزب التيار المصريّ (ليبراليّين)، وحزب التّحالف الشّعبي الاشتراكي (يساريّ).

وينافس التّحالف في 33 دائرة انتخابية بثلاثمئة مرشّحٍ فقط على القوائم وخمسين مرشّحًا على المقاعد المستقلّة. ويدافع عن مدنيّة الدولة وعلمانيّتها مع ضمان برامج الضّمان الاجتماعيّ للمواطنين.


ثانيا: الأحزاب غير المتحالفة

يوجد عددٌ كبير من الأحزاب التي قرّرت النّزول إلى المنافسة الانتخابيّة دون الانضمام إلى أيّ ائتلافات. وباستثناء أحزاب: الوسط (إسلاميّ) والعدل (وسطيّ) والجبهة الديموقراطيّة والوفد (ليبراليّون)، تعاني معظم هذه الأحزاب من تدنٍّ شديد في مستوى الشعبيّة وكذلك في مستوى احترافيّة العمل السياسيّ، ويعتمد معظمها على العلاقات الشّخصيّة والعائليّة في المقاعد الفرديّة، للوصول إلى البرلمان.

ولعلّ أقوى هذه الأحزاب هو حزب الوفد والذي ينافس منفردًا بعد انسحابه من الائتلاف الديمقراطي في معظم دوائر القائمة والفرديّ.


ثالثًا: الأحزاب المنبثقة عن الحزب الوطنيّ المحلّ

يدخل في سباق الانتخابات مايقرب من اثني عشر حزبًا انبثقت من الحزب الوطني المحلّ، ومعظم قياداتها من النوّاب السّابقين في البرلمان المصريّ. ولا تعتمد هذه الأحزاب على أيّ برامجَ أو توجّهات فكريّة وأيديولوجيّة محدّدة، ولكنّها تخوض السّباق معتمدة على ارتباطاتها العصبيّة في صعيد مصر وشبه جزيرة سيناء.
 

أهمّ التحدّيات التي تواجه الأحزاب في الانتخابات

رغم الحرية الكبيرة التي أتاحتها ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير للأحزاب السياسية، إلا أنّ معظم الأحزاب تواجه العديد من التحدّيات في الانتخابات المقبلة.

أولا:يتمثل أهمّ هذه التحدّيات في القدرات الإداريّة الضّعيفة للجهاز الحكوميّ والذي أفرز قاعدة بيانات غير منقّحة، انبثقت عنها بطاقات هويّة لا تبيّن من هو ممنوعٌ من التصويت،مثل الهاربين من تنفيذ الأحكام وخاصّة في جنوب مصر، ومن يؤدّي الخدمة العسكريّة. ولن يتّضح للقاضي المشرف على لجان الانتخابات مثل هذه الموانع، نظرًا للضّعف الشّديد الذي تعاني منه قواعد البيانات.

ثانيًا: تواجه معظم الأحزاب المتنافسة ظاهرة الهشاشة الأمنيّة للدولة، ورغم أنّ الجيش تعهّد بالاشتراك مع الشرطة في تأمين سير العملية الانتخابيّة، إلا أنَّ شكوكًا كبيرة تحيط بمدى قدرة الأمن على حماية لجان التّصويت والحفاظ على الإرادة الحرّة للنّاخبين.

ثالثًا: تعاني معظم الأحزاب من عدم شعبيّتها، نظرًا لحداثة الغالبيّة العظمى منها، فضلاعن أنّ الشّارع غير المؤدلج بطبيعته لن يصوّت عادةً وفقًا لبرامجها وتوجّهاتها الأيديولوجيّة، وهو مايعزّز فرص الأحزاب الإسلاميّة والتي سيحظى معظمها بأصوات لمجرد كونه "إسلاميًّا".

أخيرًا: تواجه الأحزاب تحدّيًا كبيرًا فيما يتعلّق بالسّماح للأحزاب المنبثقة عن الحزب الوطني بدخول الانتخابات، وتأخّر تفعيل قانون العزل السياسي إلى ما بعد انتهاء فترة إيداع التّرشيحات، وهو مايقوّض فرص الأحزاب الجديدة منها، وغيرها من القوى السياسيّة، وخاصّةً في مناطق العصبيّات والقبليّات والتي يتوقّع أن تُسيطر عليها أحزاب "الفلول".


خاتمة

رغم الآمال الكبيرة المعلّقة على الانتخابات المصريّة لإنهاء المرحلة الانتقاليّة التي زادت فيها المعاناة والتخوّفات من حكم العسكر؛ والتوقّعات المتزايدة بإجراء انتخابات تتمتّع بقدرٍ معقول من النّزاهة؛ ورغبة الجميع في أن تكون نتائج الانتخابات مُرضية معبّرة عن الإرادة الحقيقيّة للشّعب وممثّلة لغالبيّة القوى السياسيّة، إلا أنَّ الانفلات الأمنيّ وسياسات العسكر المحافظة والمخالفة لروح الثورة؛ وفرضه لقواعد اللّعبة السياسيّة؛ فضلا عن حداثة معظم القوى السياسيّة وضعف تنسيقها ووجودها الفعليّ في الشّارع؛ واستغلال بعض القوى الإسلاميّة للشّعارات الدينيّة فيجذب أصوات ملايين البسطاء وغير المسيّسين بالضّرورة؛ كلّها عوامل تجعل القوى والأحزاب السياسيّة بين مطرقة القبول بقواعد اللعبة الانتخابيّة غير الثوريّة التي فرضها المجلس العسكريّ، وبين سندان مقاطعة الانتخابات وإعطاء الفرصة للعسكر والقوّة المضادّة للثّورة في تأجيل تسليم الحكم للسّلطات المدنيّة.

 إنّ بعض هذه السّيناريوهات لا يستبعد احتمال الفوضى الأمنيّة العارمة، ومن ثمّ توقيفها في منتصف الطّريق، وهو سيناريو يتوقّع أن يفضي إلى موجةٍ ثانية من الثّورة وإلى مواجهات غير محمودة العواقب بين الشّعب والعسكر.

أمّا السّيناريو الأسوأ فهو أن تتمّ الانتخابات وسط تجاوزات أمنيّة وإداريّة تنتهى إلى نتائجَ غير معبّرة عن إرادة الشّعب، وغير مرضية للقوى الثوريّة، وهو ما يقود إلى نفس النتيجة السّابقة. أمّا سيناريو نزاهة الانتخابات والانتقال السلميّ للسّلطة من العسكر إلى المدنيّين فهو آخر ما يتوقّعه أيّ مراقب، فلاتوجد علامات كثيرة تؤيّده على أرض الواقع.