العنوان هنا
تقييم حالة 05 أغسطس ، 2015

غرداية: أزمة ممتدة في عهدة بوتفليقة

الكلمات المفتاحية

قاسم حجاج

​قاسم حجاج: من مواليد مدينة غرداية سنة 1965، جنوب الجمهورية الجزائرية، أستاذ باحث في العلوم السياسية، تخصص العلاقات الدولية. حاليا أستاذ محاضر بقسم العلوم السياسية، رئيس سابق للقسم نفسه، كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة قاصدي مرباح ورقلة. نشر عدة مؤلفات ومطبوعات وله مساهمات في عدة ملتقيات علمية وطنية ودولية. صحافي ورئيس تحرير سابق.

مقدمة

تشهد مدينة غرداية الصحرواية (600 كلم جنوب الجزائر العاصمة)، منذ آخر عام 2013، تفاعلات أزمة أمنية – سياسية - اجتماعية ممتدة إلى اليوم. وقد عرفت الأزمة صعودًا وخفوتًا، في سلسلة موجات تصعيدية بلغت أكثر من عشر موجات. ذلك أنّ البداية كانت من مدينة القرارة في 24 تشرين الثاني / نوفمبر 2013، وبلغت ذروتها مع مجزرة القرارة يومي 7-8 تموز / يوليو 2015، وطالت أحياء وفئات محددة في مدن أو بلديات هي القرارة وغرداية وبريان وبنورة ؛ وهي المدن التي تسجل التعايش الأكبر بين مواطنين جزائريين من أعراش وعشائر أمازيغ مزابيين إباضية وأعراش وقبائل عربية مالكية.

واليوم، تم وضع ست بلديات من بين ثلاث عشرة بلدية في ولاية غرداية تحت إدارة قائد الناحية العسكرية الرابعة بورقلة الجنرال عبد الرزاق شريف؛ بينما تشهد المنطقة التي تعرضت لصدمات عنيفة، تحولت معها أحياء بلديات معينة إلى كانتونات عنصرية يسودها مناخ الكراهية والتوجس، وتجري عمليات بناء جدران فاصلة إسمنتية بين بعض الأحياء، بينما يسود المنطقة هدوء حذر بعد إتمام سلسلة من الاعتقالات التي يخشى بعض الحقوقيين والسياسيين الجزائريين أن تتخذ أكباش فداء؛ للتغطية على جناة آخرين تورطوا وتواطؤوا في أكثر من فصل من فصول أزمة غرداية الممتدة على تنوع مستوى المسؤولية الأخلاقية والسياسية والجنائية لكل منهم. كما تتواصل التحقيقات والتمشيطات الأمنية لبعض الأحياء، فيما يراه المراقبون تغيرًا نوعيًا في إدارة الأزمة، بعيد إقرار مجلس الأمن الرئاسي المصغر لاستخدام القوة العمومية والحزم القضائي لاستئصال ما أسمته السلطات العمومية "رؤوس التحريض والفتنة بين الجزائريين"، على عكس السياسات والأساليب المنتهجة إلى حد اليوم في إدارة أزمة غرداية.

وقد عمدت السلطة من خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير إلى تغيير الوالي (المحافظ) للمرة السادسة منذ 2004، وكان آخر الولاة عز الدين مشري (23 تموز / يوليو 2015). وبينما استهلكت الأزمة الأخيرة ثلاثة ولاة، فقد تعاقب ثلاثة وزراء على وزارة الداخلية، أخفقوا جميعًا في الوفاء بوعود إيجاد حل للأزمة. كما تعاقب على المنطقة عدة قادة أمنيين من شرطة ودركة أخفقوا جميعًا في إرداتها. لقد جرت تعيينات متكررة لم تفض إلى أي نتيجة على الأرض، إذ الوضعية الأمنية والتنموية ما تفتأ تزداد تعفنًا وتدهورًا؛ بما يؤكد تورط جهات متصارعة على القرار في عملية تأجيل الحلول الجذرية التشاركية لأزمة غرداية، ربما إلى أن تحسم أزمة الجزائر التي تمثل العهدة الرابعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة عنوانها الرئيس.

وفي انتظار ما ستسفر عنه التعيينات الجديدة في هرم عدة مؤسسات أمنية وإدارية - سياسية مركزية هذا الصيف، تدخل أزمة غرداية مرحلة جديدة، مفتوحة على كل الاحتمالات، خاصة أنّ الجزائر برمتها تتجه - مع استمرار تراجع أسعار النفط، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني الغربي - مباشرة نحو سيناريو أزمة عدم استقرار شاملة شبيهة وربما أوسوأ من أزمة منتصف الثمانينيات، وفق تقديرات بعض الخبراء المتشائمين.

تحاول هذه الورقة إضاءة بعض فصول أزمة غرداية التي قارب عمرها العامين، وتتناول السياقات الزمانية والمكانية لتفاعلاتها الممتدة، والأسباب التي أفضت إلى تفجر الأوضاع الأمنية والاجتماعية في ولاية غرداية منذ عام 2013، وتعرض الأطاريح المفسرة لأسبابها الظرفية والجذرية، ومراحلها وتطوراتها، والسيناريوهات الأكثر احتمالًا لتطورها في المستقبل.