بعد إعلان إسرائيل بدء الاجتياح البري في جنوب لبنان، في 30 أيلول/ سبتمبر 2024، شرع الجيش الإسرائيلي في استهداف مواقع "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان"، المعروفة اختصارًا بـ "اليونيفيل"، في هجمات عديدة أوقعت عددًا من الجرحى في صفوف قوات حفظ السلام، وألحقت أضرارًا جسيمة بمرافق البعثة. وطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأمم المتحدة بإخلاء اليونيفيل مواقعها الموجودة في محيط "الخط الأزرق" فورًا، زاعمًا أن حزب الله يتخذها درعًا بشريًّا. رفضت الأمم المتحدة الخضوع لهذا الطلب وأصرت على إبقاء قوات حفظ السلام في جنوب لبنان، على الرغم من تصعيد المواجهة المسلحة بين الجيش الإسرائيلي ومقاتلي حزب الله؛ ما يعرض جنودها للخطر. إنّ صمود اليونيفيل يعرقل خطة إسرائيل بشأن اجتياح جنوب لبنان، ويعرّض دولة الاحتلال لاصطدام مع عدد كبير من الدول الأوروبية الحليفة التي يعمل جنودها في صفوف البعثة.
أولًا: اليونيفيل
أُنشئت اليونيفيل بموجب قرار مجلس الأمن 425، في آذار/ مارس عام 1978، في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان ضمن ما يعرف بـ "عملية الليطاني"[1]، من أجل تأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان، واستعادة الأمن، ومساعدة الحكومة اللبنانية على استعادة سلطتها في المنطقة. وعقب انسحاب إسرائيل من لبنان في عام 2000، حدّدت الأمم المتحدة "خَطَّ انسحاب" مؤقتًا يفصل بين لبنان وإسرائيل على امتداد 120 كيلومترًا، وقد صار يُعرف باسم "الخط الأزرق"، وأسندت إلى بعثة اليونيفيل مهمة مراقبته وتسيير دوريات بانتظام. وبعد حرب عام 2006، اعتمد مجلس الأمن القرار 1701 تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتعلق بالتسوية السلمية للنزاعات. ويهدف القرار إلى تحقيق وقفٍ دائم لإطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل عبر إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أيّ أفراد مسلحين أو معدات أو أسلحة، ما عدا القوات المسلحة اللبنانية، وقوة اليونيفيل التي كلّفها بالمساعدة على إنشاء هذه المنطقة[2]. وبموجب القرار ذاته، وسّع المجلس مهمّات البعثة وأوكل إليها مهمة رصد وقف الأعمال العدائية بين الطرفين، ومرافقة القوات المسلحة اللبنانية ودعمها أثناء انتشارها في جميع أنحاء جنوب لبنان، وأثناء انسحاب القوات الاسرائيلية، وضمان العودة الآمنة والطوعية للنازحين، إضافة إلى قيام اليونيفيل بدوريات في جنوب لبنان وإبلاغ مجلس الأمن بأي انتهاك للقرار 1701. وتتوافر لليونيفيل قوة بحرية تدعم منذ عام 2006 القوات البحرية اللبنانية لمراقبة المياه الإقليمية اللبنانية ومنع دخول الأسلحة والعتاد غير المصرح به إلى منطقة العمليات[3]. ومنذ تأسيسها، تعرضت البعثة للعديد من الهجمات، أشهرها "مجزرة قانا" التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي، 18 نيسان/ أبريل 1996، بقصفه قاعدة لقوات اليونيفيل في قرية قانا، جنوب لبنان، التي كانت تُؤوي نحو 800 مدني لبناني يحتمون داخل المجمّع، وأسفر الهجوم عن قتل ما لا يقلّ عن 106 أشخاص من المدنيين من بينهم 52 طفلًا، وجرح آخرين؛ بمن فيهم عناصر من قوات اليونيفيل[4]. وعلى الرغم وجود دلائل على تعمّد الجيش الإسرائيلي الهجوم على مقرّ بعثة الأمم المتحدة، اكتفى تحقيق الأمم المتحدة باستخلاص أنه "من غير المحتمل أن يكون قصف مجمع الأمم المتحدة ناتجًا من أخطاء تقنية و/أو إجرائية فادحة"[5]. وفي ضوء تسامح مجلس الأمن مع الجيش الإسرائيلي، استمرت اعتداءاته على بعثة اليونيفيل منذ ذلك الحين.
[1] “Resolution 425 (1978) of 19 March 1978, Adopted by the Security Council at its 2074th Meeting,” accessed on 23/10/2024, at: https://bit.ly/3Am7fxk
[2] الأمم المتحدة، مجلس الأمن، "القرار 1701 (2006) الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته 5511 المعقودة في 11 آب/ أغسطس 2006"، شوهد في 23/10/2023، في:https://bit.ly/4dWIkOD
[3] للمزيد بشأن هذا الموضوع، ينظر: قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، اليونيفيل، "قوة اليونيفيل البحرية"، موقع اليونيفيل، شوهد في 23/10/2024، في: https://bit.ly/3Ugby4k
[4] United Nations, The Question of Palestine, “Written Statement/ Submitted by North-South XXI, a non-Governmental Organization in Special Consultative Status,” 22/12/2000, para. 1, at: https://bit.ly/4fddt1x
[5] Ibid., para. 2.