مقدمة
بعد مرور نصف عام على الغزو الروسي لأوكرانيا، ما زال المشهد يفتقد لمبادرة دولية من شأنها أن تدفع النزاع المسلح بين البلدين إلى تسوية دبلوماسية بمساعدة أطراف خارجية. ويطرح هذا الوضع أسئلة عدّة متعلقة بدور مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة، وعجزه عن منع الاجتياح الروسي ووقف الحرب على أوكرانيا بطرق سلمية. وفي حين يمتعض كثيرون من فشل الأمم المتحدة، ويتساءلون عن جدوى وجودها، ووجود مجلس الأمن أيضًا، يرى آخرون أن المنظمة أنجزت الكثير بشأن الحرب في أوكرانيا من خلال استجابتها الإنسانية والحقوقية، على نحو يبرّر وجودها. وتختلف التقديرات في هذا الأمر؛ ما يستدعي الوقوف على أوجه نجاح المنظمة وفشلها تجاه حرب امتدت تداعياتها إلى العالم بأسره.
أولًا: خلفية عن أزمة أوكرانيا ودور مجلس الأمن إزاءها
ظلّت الأمم تعتبر الحرب ضرورية لحلّ النزاعات التي تنشأ بينها إلى حين تأسيس منظمة الأمم المتحدة في عام 1945. خصّ ميثاق المنظمة الفصل السادس بالحلول السلمية التي تشمل التفاوض والتحقيق والمساعي الحميدة والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، فأصبح القانون الدولي - أول مرة في تاريخ البشرية - يُلزم الأمم بتسوية النزاعات الدولية عبر "الوسائل السلمية". لكن منذ نهاية الحرب الباردة، يواجه العالم نزاعات دولية كثيرة ومتزايدة، يشكّل الاجتياح الروسي لأوكرانيا آخرها، وربما لحظة مفصلية في تاريخ المنظمة نفسها.
طُرحت مسألة "أوكرانيا" على جدول أعمال مجلس الأمن، في 28 شباط/ فبراير 2014، عقب غزو روسيا لشبه جزيرة القرم وضمّها، واحتلال القوات المدعومة من روسيا أجزاءً من الشرق الأوكراني. وتبنّى المجلس، في شباط/ فبراير 2015، القرار 2202 بالإجماع، وطالب بتنفيذ كامل لحزمة التدابير التي تنص عليها اتفاقية "مينسك 2" الموقّعة في مطلع الشهر ذاته، بوساطة فرنسا وألمانيا. وكان ممثلون عن أوكرانيا وروسيا ومنطقتي دونيتسك ولوهانسك الأوكرانيتين قد توصّلوا إلى هذه الاتفاقية التي تتضمن 13 بندًا، نصّ أبرزها على الوقف الفوري والشامل لإطلاق النار في أنحاء معينة من منطقتي دونيتسك ولوهانسك، وسحب كلا الجانبين الأسلحة الثقيلة من أجل إنشاء منطقة أمنية بينهما، وإجراء انتخابات محلية وفقًا للقوانين الأوكرانية بشأن النظام المؤقت للحكم الذاتي المحلي في أنحاء معينة من المنطقتين، وإصلاح دستوري تكون اللامركزية أحد مكوّناته الأساسية.
وأوكلت اتفاقية مينسك 2 مهمة الرّصد التقني لوقف إطلاق النار وباقي بنود الاتفاقية إلى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا OSCE، بدعم من "مجموعة الاتصال الثلاثية" التي تتألف من المنظمة ذاتها إلى جانب أوكرانيا وروسيا. ولم تمنح الاتفاقيةُ مجلسَ الأمن دورًا دبلوماسيًا يضمن تنفيذها؛ ما أضعف قدرته على الحدّ من تصعيد الأزمة، مع الأخذ في الاعتبار قلق روسيا الأمني من جرّاء توسّع منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" شرقًا، في منطقة تعتبرها جزءًا من فضائها الحيوي.