العنوان هنا
أوراق استراتيجية 30 نوفمبر ، 2023

"قتال الأشباح": الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية تجاه أنفاق المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة

مجد أبو عامر

باحث ومقرر وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وسكرتير تحرير دورية "عمران للعلوم الاجتماعية". حاصل على الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من معهد الدوحة للدراسات العليا، والبكالوريوس في القانون من جامعة فلسطين. تركّز اهتماماته البحثيّة على قضايا الانتقال الديمقراطي، والحركات الاجتماعية، والدولة العربية، والدراسات الفلسطينية.

مقدمة

نفّذت كتائب الشهيد عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس") يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 عملية نوعية هي الأولى من نوعها في تاريخ الكفاح المسلح الفلسطيني، أطلقت عليها اسم "طوفان الأقصى"؛ فهذه العملية لم تكشف فشل منظومة الردع الإسرائيلية فقط بل كشفت فشل مبدأ الإنذار (المبكر)، الذي يُعدّ العنصر الثاني في العقيدة العسكرية الإسرائيلية بعد مبدأ الردع، والذي يتكفّل بمهمة تحذير القيادة العسكرية من اقتراب اندلاع مواجهة أو حرب، في حال فشل مبدأ الردع في منع الخطر. إذ تمكّنت كتائب القسّام خلال العملية من اقتحام عشرات المواقع والمستوطنات الإسرائيلية في محيط قطاع غزّة، عبر إطلاق 5500 صاروخ وقذيفة، واستهداف أبراج المراقبة والإرسال ومنظومات الاتصال والتشويش الإسرائيلية، وفتح ثغرات في الجدار الفاصل المحيط بقطاع غزّة، بمشاركة 4500 مقاتل (3000 في عملية المناورة و1500 في عمليات الدعم والإسناد)، مستهدفةً فرقة غزّة في الجيش الإسرائيلي الموجودة في 15 موقعًا عسكريًا، فضلًا عن الهجوم على 10 نقاط تدخّل عسكرية وفصائل الحماية الموجودة في 22 كيبوتسًا. ومن ثمّ، توسّعت العملية خارج فرقة غزّة لتشمل قاعدة زيكيم، ونقطة التدخل البحري كاتسا، ومركز قيادة طوارئ الحرب، وقاعدة يادمو ردخاي، وقاعدة أوريم، وقاعدة تسيليم، وقاعدة ميشمار هينيغن.

وردًّا على هذه العملية، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي في اليوم ذاته العملية العسكرية "السيوف الحديدية"، بهدف القضاء على حكم حماس وقدراتها العسكرية، لتتوسع العملية يوم 27 تشرين الأول/ أكتوبر وتشمل غزوًا بريًا لقطاع غزّة، بعد عشرين يومًا من القصف الجوّي والبرّي والبحري غير المسبوق، أسفر عن استشهاد أكثر من 20 ألفًا من المدنيين الفلسطينيين، وإصابة أكثر من 36 ألفًا آخرين، ونزوح نحو 1.7 مليون شخص قسريًا، وتدمير أكثر من 225 ألف وحدة سكنية كليًا أو جزئيًا، خلال 49 يومًا من الحرب حتى بدء الهدنة الإنسانية المؤقتة يوم 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، لتكون أكبر حرب إبادة يواجهها الفلسطينيون منذ نكبة عام 1948[4].

منذ أن قرر الجيش الإسرائيلي بدء عمليته البرية في قطاع غزّة، مثّلت أنفاق المقاومة الفلسطينية أكبر تحدٍ أمامه، خاصةً بعد أن أثبتت فاعليتها خلال العملية العسكرية الإسرائيلية "الجرف الصامد" (8 تموز/ يوليو – 26 آب/ أغسطس 2014)، ما دفع جنديًا إسرائيليًا شارك في تلك المعركة إلى القول: "لم نرَ أيًا من مقاتلي حماس الذين اشتبكنا معهم، وكأننا نقاتل أشباحًا". وأدرك الجيش الإسرائيلي من خلال خبرته القتالية أنّه لا يمكن مواجهة الأنفاق من السماء، بل تتطلب تدخّل قوات برّية بإمكانها تنفيذ عمليات تحت الأرض. ورغم اقتراب الحرب الجارية من إتمام شهرها الثاني وحجم الدمار الهائل وعدد الغارات الجويّة الإسرائيلية الكبير، فإنّها لم تقوَ على كسر إرادة المقاومة الفلسطينية وفاعليتها القتالية. فما زالت قوى المقاومة، رغم خسائرها على مستويي الأفراد والمقدرات، قادرةً على إطلاق الصواريخ على مدن الداخل المحتلة، واستهداف آليات الاحتلال وجنوده في مختلف محاور قطاع غزّة، على نحو أسفر، منذ بدء التوغل البري إلى بدء الهدنة المؤقتة، عن مقتل أكثر من 70 جنديًا إسرائيليًا داخل القطاع، وإصابة نحو ألف جندي (202 منهم في حالة خطرة) وتعطيل أكثر من 335 آلية عسكرية إسرائيلية كليًا أو جزئيًا.

تهدفُ هذه الورقة إلى فهم الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية تجاه هذه الأنفاق، والتقنيات التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي لتحديد مواقعها وتدميرها/ تعطيلها، وحدود هذه التقنيات، خاصةً بعد وصول التوغّل العسكري الإسرائيلي إلى مناطق غير مسبوقة في قطاع غزّة منذ العملية العسكرية "الرصاص المصبوب" (27 كانون الأول/ ديسمبر 2008 – 18 كانون الثاني/ يناير 2009)، ووضع إسرائيل تدمير البنية التحتية لقوى المقاومة الفلسطينية، التي تتمثل في الأنفاق على نحوٍ رئيس، هدفًا معلنًا لحربها.