العنوان هنا
تحليل سياسات 14 يونيو ، 2023

الممارسات الإسرائيلية و"احترام" الدور الأردني في القدس: دراسة قانونية

أنيس فوزي قاسم

محام مقيم في عمّان، ومؤسس مكتب "قاسم للمحاماة". حاصل على شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة جورج واشنطن، في واشنطن، عام 1973. عمل مستشارًا قانونيًا للوفد الفلسطيني المفاوض في مدريد وواشنطن، وقد كان عضوًا في هيئة الدفاع الفلسطينية أمام محكمة العدل الدولية في قضية الجدار. عمل رئيس تحرير ثم مستشارًا للكتاب السنوي الفلسطيني للقانون الدولي (يصدر بالإنكليزية منذ عام 1984). كما أنه عضو مجلس أمناء جامعة بيرزيت.

مقدمة

ثمة كثيرون يتحفّظون على الاتفاقيات الموقّعة بين بعض الدول العربية وإسرائيل، ولكلّ طرف أسبابه. وأزعم أنّني من أشد المعارضين لتلك الاتفاقيات، لأنّها وُقّعت في ظروف انحسارات وطنية شديدة الوطأة، ومنها ما وُقّع من دون أسباب تُذكر سوى الانصياع للسيد الأميركي، الذي يصرّ على إدماج إسرائيل في المحيط العربي بالقهر والاستغلال. ولا جدوى، في هذا الصدد، من البحث والتمحيص في الفوائد إن وُجدت، وفي المثالب التي تفيض على هذه المقالة. ومع ذلك، سنتحدّث عن معاهدة وادي عربة، (المعاهدة) التي وقّعها الأردن مع إسرائيل في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 1994، واعتُبرت معاهدة دولية عادية، ومرّت في القنوات الدستورية المعتادة، وصدر قانون إنفاذها في الأردن، ووقع الشيء ذاته في الجانب الإسرائيلي، وأصبحت قانونًا إسرائيليًّا. وبموجبها جرى تبادل السفراء في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1994، وأُودعت نسخة منها لدى الأمين العام للأمم المتحدة لتسجيلها بمقتضى المادة (102) من ميثاق الأمم المتحدة. وهكذا، جرى تحديد الوصف القانوني للمعاهدة بأنّها اتفاقية دولية ملزمة لأطرافها، وأنّ الإخلال بأيٍّ من تلك الالتزامات الرئيسة يرتّب على الطرف المخلّ التزامات دولية. وعلى هذا الأساس، تجري مناقشة ما يُطرح من بنود وتفسيرات واقتراحات.

إنّ ما ورد سابقًا هو الاعتراف بـ "الأمر الواقع"، وفي ضوئه تجري مناقشة نصوص المعاهدة من دون التخلّي عن وضع القدس واعتبارها أرضًا محتلة، واقعًا وقانونًا، وهناك العديد من القرارات الدولية التي تؤكّد هذا الوصف، خصوصًا الفتوى القانونية الصادرة عن محكمة العدل الدولية في عام 2004 التي تعتبرها "أرضًا محتلّة" لا يجوز لأيّ طرف تغيير وصفها ووضعها.

وقبل الوصول إلى الموادّ ذات العلاقة، لا بدّ من التذكير بالخطاب المهمّ الذي ألقاه الملك حسين في 31 تموز/ يوليو 1988، وأعلن فيه عن فكّ الارتباط بين الضفة الغربية والضفة الشرقية. وفي إثره، سارعت الحكومة الأردنية آنذاك إلى إصدار ما يسمّى بـ "تعليمات" فكّ الارتباط، ولم تنشر هذه التعليمات في الجريدة الرسمية ولا في أيّ جريدة يومية. وظلّ هذا الخطاب الملكيّ حتى يومنا هذا مجرّد خطاب ملكيّ، ولم تجرِ ترجمته إلى قانون، ولم تأخذ "التعليمات" الصفة القانونية. ومع ذلك، فإن الإشارة إلى هذا الخطاب ضرورية لأغراض البحث، کما سنری.

يتطرّق هذا البحث إلى ما أصبح يُعرف بـ "الوصاية الهاشمية" على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس. وهذا التعبير لم يرد في المعاهدة، بل ورد النصّ على "الدور الأردني" في تلك الأماكن. وتثور إشكالية هذا الدور بعد أن تجاوز المستوطنون الإسرائيليون في تصرّفاتهم الحدود المرسومة أصلًا في المعاهدة، وأصبحت تجاوزاتهم مصدر توتّر وقلق شديدين على المستويين الرسمي والشعبي في الأردن. وبناء عليه، من المفيد التطرق إلى مسألة الدور الأردني في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وبحث حدوده، وبيان القيود المفروضة على الجانب الإسرائيلي بموجب المعاهدة، ثمّ اقتراح الحلول المتاحة للأردن.