العنوان هنا
تحليل سياسات 31 ديسمبر ، 2023

الدعاية في الحرب على غزة 2023: كيف خسرت إسرائيل سرديتها؟

بـاسم الطويسي

رئيس برنامج الصحافة في معهد الدوحة للدراسات العليا. حاصل على الدكتوراه في الدراسات الإعلامية، وعمل عميدا لمعهد الإعلام الأردني 2013-2019، ومديرا لمركز الاستشارات ودراسات التنمية في جامعة الحسين بن طلال، ورئيسا لمجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية.

مقدمة

مع دخول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة شهرها الثالث، تكشف التطورات عن حالة مفارقة في الروايات الإعلامية للأحداث؛ فالحرب بدأت بهجوم دعائي غير مسبوق خلق تأييدًا عالميًّا كبيرًا للرواية الإسرائيلية، ثم أخذت الدعاية الإسرائيلية تخسر هذه الحرب في معظم أنحاء العالم، وتحديدًا في الغرب. وفي الوقت الذي استمر فيه دعم العديد من الحكومات الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، للحرب الإسرائيلية وتأييدها، أخذت اتجاهات الرأي العام في أنحاء كثيرة من العالم تشهد تحولات جوهرية لمصلحة الرواية الفلسطينية.

منذ زمن طويل قيل إنّ "الحرب تبدأ بالكلمات وتستمر بالطلقات والكلمات وتنتهي بالكلمات"، وبين الكلام والرصاص تشكّل الدعاية السياسية والعسكرية أداةً فاعلة للحروب المعاصرة، وقد ارتبطت الدعاية والحرب النفسية حديثًا بقوة وسائل الإعلام وتأثيرها أساسًا، وشهد العالم المعاصر مراحل كبرى في تطور استخدام الدعاية والحرب النفسية في إخضاع العدوّ وتحطيم إرادته منذ الحرب العالمية الأولى التي اكتُشفت فيها أهمية الدعاية وقوتها، والحرب العالمية الثانية التي مثّلت مختبرًا كبيرًا للعديد من الأفكار والأساليب الدعائية، ثم الحرب الباردة التي نَحَتْ إلى استخدام أدوات سباق القوى الناعمة في التأثير وإدارة الإدراك والمعتقدات، في حين شكّلت حروب الولايات المتحدة على العراق ساحةً أخرى لتطور أساليب الدعاية والحرب الإعلامية، وقيل في حرب الخليج الثانية 1990-1991 إنها أول حرب يصنع فيها الانتصار على شاشات التلفزيون، حتى إنّ التلفزيون قد حوّل الحرب آنذاك إلى دراما وطنية مثيرة. ومن دون شك، تشكّل الحرب الإسرائيلية – الفلسطينية 2023 مرحلة مختلفة وجديدة في الدعاية والحرب النفسية.

تسعى هذه الورقة إلى الإجابة عن سؤالين أساسيين، هما: كيف تراجعت قوة السرد الدعائي الإسرائيلي في الحرب على غزة مقابل تعاظم قوة السرد المؤيد للرواية الفلسطينية؟ وما أسباب هذا التراجع؟ ولعله من المفيد الإشارة إلى أنّ هذه الورقة لا تسعى إلى تحليل آثار الدعاية الإعلامية بأبعادها السياسية والعسكرية بقدر ما تسعى إلى تحليل المحتوى الكيفي للرسائل التي شكّلت الروايات والأساليب التي حاولت بناء التصور العالمي للصراع والحرب.