/ACRPSAlbumAssetList/2025-daily-images/the-sea-history-in-tunisia-and-its-memory-in-the-modern-period.jpg
مراجعات 03 فبراير ، 2025

مراجعة كتاب "تاريخ البحر في تونس وذاكرته في الفترة الحديثة: بين المنطوق والمكتوب"

هشام الشرفي

​​أستاذ باحث في قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة صفاقس، تونس. حاصل على الدكتوراه في التاريخ الحديث من الجامعة نفسها.

عنوان الكتاب: تاريخ البحر في تونس وذاكرته في الفترة الحديثة: بين المنطوق والمكتوب.

المؤلف: الصغيرة بنحميدة.

الناشر: الدوحة/ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

سنة النشر: 2024.

عدد الصفحات: 271.

كلمات مفتاحية: تاريخ البحر، البحر الأبيض المتوسط، تقنيات الصيد، تقنيات الملاحة، الألفاظ البحرية.


مقدمة

لفت البحث في تاريخ البحر نظر عدد كبير من الباحثين الذين كرّسوا له اهتمامات بحثية متنوعة، تفرّعت إلى إشكاليات عولجت في سياقاتٍ زمنية مختلفة، بدايةً من الحقب القديمة حتى الفترة الاستعمارية. وكان أول اعتناء بدراسة تاريخ البحر من المتخصصين في الفترة القرطاجية، ثم توسع هذا الاهتمام ليشمل مختلف الحقب الزمنية الموالية. أما في الفترة الحديثة، موضوع هذه المراجعة، فقد ركزت البحوث في البداية على موضوع القرصنة والأسرى والغنائم البحرية، لينتقل الاهتمام لاحقًا إلى موضوعاتٍ أخرى، مثل التجارة البحرية والتهريب، ودراسة الأسطول البحري الرسمي للإيالة التونسية، وحركة الملاحة وطرائق الصيد المحلية وخصوصياتها، وأهمية البحر في الحياة اليومية بالنسبة إلى التونسيين.

في هذا الإطار، يتحدد العصر الحديث في تونس بفاصلين زمنيين مهمين، يتمثل الأول في احتدام الصراع بين القوى المتوسطية الكبرى، وسعي كل من العثمانيين والإسبان لتوسعة مجالهم البري وبسط هيمنتهم على البحر الأبيض المتوسط؛ ما ساهم في تمدد النشاط القرصني خلال النصف الثاني من القرن السادس عشر، حيث شكلت السواحل التونسية مركزًا مهمًّا لانطلاق عمليات القرصنة. أما الفاصل الثاني لهذه المرحلة التاريخية، فهو الحملة العسكرية الفرنسية على البلاد التونسية في عام 1881 وبداية مرحلة الاستعمار التي كشفت الفوارق التقنية العسكرية البرية والبحرية واختلال موازين القوى البحرية لمصلحة القوى الأوروبية الاستعمارية، بعد القضاء على النشاط القرصني الذي تُمارسه دول جنوب البحر الأبيض المتوسط من خلال حملة اللورد إيكسماوث Lord Exmouth في عام 1816، وهو ما عزز الفوارق التقنية العسكرية البحرية بين ضفتَي البحر الأبيض المتوسط.

استمرارًا لهذا الاهتمام البحثي بالبحر وتاريخه في تونس، تركز الصغيرة بنحميدة في كتابها تاريخ البحر في تونس وذاكرته في الفترة الحديثة: بين المنطوق والمكتوب على علاقة المجموعات البشرية المقيمة في سواحل البلاد التونسية بمحيطها الجغرافي، ودورها في استحداث تقنياتٍ بحرية محلية تتناسب مع بيئتها الطبيعية، واعتماد تقنياتٍ أخرى مستوردة بحسب خصوصية النشاط البحري الذي تمارسه هذه المجموعات وأصولها الجغرافية. وقد اعتمدت المؤلفة مقاربة منهجية مغايرة لما عهدناه في الدراسات التاريخية المهتمة بالفترة الحديثة للبلاد التونسية؛ إذ تؤكد أن الخوض في هذا المبحث اقتضى منها الجمع بين مناهج بحثية مختلفة، مثل تلك المناهج التي يعتمدها التاريخ، وتلك التي تعتمدها الأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا (ص 21).

تقليديًا، اعتمد البحث التاريخي في موضوع التاريخ الحديث على مصادر متنوعة؛ تمثلت أساسًا في الوثائق الأرشيفية والكتابات الإخبارية والحولية، إضافةً إلى كتب المناقب والتراجم وآثار الرحالة العرب والأجانب. إلا أن المؤلفة تمكنت من التجديد المنهجي عبر مساءلة البحر من خلال تاريخه، ومن خلال ذاكرته أيضًا، جامعةً بين الاستفادة من المكتوب والمدون في المصادر التقليدية التي يعتمدها الباحث في التاريخ، ومن المنطوق عبر التعويل على العمل الميداني وما يوفره من تقنياتٍ بحثية، مثل الملاحظة والاتصال المباشر بالعاملين في القطاع البحري وإجراء مقابلات معهم. ومن خلال هذا التنويع المنهجي، تمكنت المؤلفة من تجاوز حدود الفترة الزمنية الحديثة من أجل تعقّب استمرار استعمال التقنيات والألفاظ البحرية القديمة في المنطوق اليومي الذي حفظته الذاكرة، والذي لا يزال مستخدمًا في وقتنا الحاضر، ومقارناتها بما دونته المصادر التاريخية في الفترة الحديثة.

قسمت المؤلفة كتابها ثلاثة أقسام؛ يتفرع كل قسم منها إلى فصلين. اهتمت في القسم الأول بالبحر والمجموعات البحرية في تونس (ص 25-95)، في حين خصصت القسم الثاني لتاريخ التقنيات في البحر بين ما هو محلي وما هو وافد (ص 97-142). وقدّمت في القسم الثالث نتائج عملها الميداني، واستخلصت شبكة الجهاز اللفظي بين المنطوق واليومي (ص 143-230).



* هذه المراجعة منشورة في العدد 50 (خريف 2024) من دورية "عمران" وهي دورية فصلية محكمة متخصّصة في العلوم الاجتماعيّة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا.

** تجدون في موقع دورية "عمران"  جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.