العنوان هنا
دراسات 09 نوفمبر ، 2021

سياسة دولة قطر وتجربتها في الوساطة وتسوية المنازعات

مطلق بن ماجد القحطاني

باحث قطري متخصص في القانون الدولي والعلاقات الدولية.


دانه بنت منصور آل ثاني

باحثة قطرية متخصصة في العلاقات والشؤون الدولية.

مقدمة

تعتبر دولة قطر واحدة من أهم الدول الفاعلة على الساحتين الإقليمية والدولية في استعمال الدبلوماسية الوقائية والوساطة والمساعي الحميدة أداةً فاعلةً في تسوية المنازعات الإقليمية والدولية، ولا سيما خلال العقدين الأخيرين[1]. فقد تمكنت بهذه الجهود من المساهمة في حفظ الأمن والسلم الإقليميين والدوليين. ومنذ تولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني (1995-2013) مقاليد الحكم في البلاد عام 1995، تبنت منهجًا مستقلًا في سياستها الخارجية؛ ما وضعها في مكانة مميزة، ولا سيما على الصعيد الدبلوماسي، بل اعتبرت هذا النهج جزءًا لا يتجزأ من دستورها الدائم[2].

وبعد تولي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مقاليد الحكم في البلاد عام 2013، أكد النهج الدبلوماسي نفسه، بل سعى لتعزيز هذا الدور من خلال دعم العديد من جهود مبادرات السلام في أماكن عديدة من العالم، وبذلِ كثيرٍ من المساعي الحميدة والوساطة لتسوية مجموعة من المنازعات والأزمات الدولية. ومن ثمّ، أصبحت الوساطة ركنًا من أركان السياسة الخارجية لقطر. وهكذا، رسّخت قطر مكانتها بوصفها دولة صانعة للسلام في العالم، عبر استراتيجيات التحالفات والشراكات الإقليمية والدولية والدبلوماسية الوقائية، مستفيدة من قوتها الناعمة التي أكسبتها القوة على الصعيد الإقليمي، وكونت صورة ذهنية وعلامة مميزة لها في هذا المجال[3].

ومع دخول قطر مجلس الأمن عضوًا غير دائم في الفترة 2006–2007[4]، أصبح دور الوساطة القطرية أكثر نشاطًا وحيويةً؛ فتنوعت بين التدخل في تسوية أزمات داخلية في لبنان، وأزمات وحروب أهلية في اليمن والسودان، ومنازعات حدودية في جيبوتي وإرتيريا، وحروب أهلية ذات طابع دولي كالحرب الدائرة في أفغانستان. فقد خلقت هذه الجهود وعمليات الوساطة التي عكفت عليها الدوحة صورة إقليمية ودولية لقطر بوصفها وسيطًا معتبرًا وموثوقًا به في تحقيق السلم والأمن الإقليميين والدوليين، على الرغم من كونها واحدة من أصغر دول الشرق الأوسط من حيث المساحة الجغرافية والتعداد السكاني.

تعالج هذه الدراسة أدوار الوساطة القطرية من خلال مناقشة سياسة دولة قطر وتجربتها في الوساطة وتسوية المنازعات الدولية ومساهماتها في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. وسيجري ذلك من خلال الإجابة عن مجموعة من الأسئلة الفرعية، أهمها: ما استراتيجية الوساطة القطرية ودوافعها؟ وما آليه الوساطة القطرية في الدول المتنازعة؟ وما مستقبل الوساطة القطرية بعد الحصار؟

استند الباحثان في هذه الدراسة إلى معلومات من مصادر أولية، فضلًا عن جمع وتحليل المعلومات المستندة إلى المراجعة الأدبية المكثفة والمتضمنة مجموعة من الكتب والمقالات حول الوساطة. وقد قُسمت الدراسة إلى خمسة أجزاء: يتناول الجزء الأول السياسة الخارجية القطرية، في حين يناقش الجزء الثاني دوافع استخدام الوساطة خيارًا استراتيجيًا لدولة قطر، ويركز الجزء الثالث على توضيح المبادئ الأساسية لوساطة قطر والمتضمنة قوتها الناعمة والدبلوماسية الإنسانية والتنموية والمحافظة على سرية المفاوضات والالتزام بمبادئ القانون الدولي، بينما يتناول الجزء الرابع تحليلًا لبعض نماذج الوساطة القطرية والتحديات التي واجهتها وكيفية التغلب عليها كاليمن، ولبنان، والسودان، وجيبوتي وإرتيريا، وأفغانستان. أما الجزء الخامس، فيوضح مستقبل الوساطة القطرية بعد الحصار.

[1] تعتبر الدبلوماسية الوقائية من الجهود الرامية لمنع نشوب النزاعات بين الأطراف، ولمنع أي خلافات قائمة من أن تتسع وتتحول إلى نزاعات.

[2] تنص المادة السابعة من الدستور الدائم لدولة قطر بأن: "السياسة الخارجية لدولة قطر تقوم على مبدأ توطيد السلم والأمن الدوليين عن طريق تشجيع فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية، ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتعاون مع الأمم المحبة للسلام". يُنظر: دولة قطر، "الدستور الدائم لدولة قطر، 8/6/2004". الجريدة الرسمية، العدد 6، 8/6/2005، شوهد في 7/9/2021، في: https://bit.ly/3kXEN9C

[3] Sultan Barakat, “Qatari Mediation: Between Ambition and Achievement,” Brookings, 10/11/2014, p. 58, accessed on 16/8/2021, at: https://brook.gs/3x8I8GK

[4] الأمم المتحدة، مجلس الأمن، "البلدان التي انتخبت لعضوية مجلس الأمن: قائمة بجميع الدول التي انتخبت لعضوية مجلس الأمن مرة واحدة على الأقل منذ عام 1946"، شوهد في 16/8/2021، في: https://bit.ly/36Xlmqz