العنوان هنا
دراسات 23 يونيو ، 2019

التوسع المديني الخليجي الجديد: حلبات الاختبار، والحلول الالتفافية، وحدود المدن المستحدثة

هارفي مولوتش

أستاذ فخري في علم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا.

دافيد بونزيني

أستاذ مشارك في تخطيط المدن في جامعة البوليتكنيك في ميلانو.


ملخص

رُسمت صورة نمطية عن مدن الخليج؛ أنها مدن استثنائية ومستقبلية، وفي مقابل هذا الاحتفاء تسود تصورات، أغلبها استشراقيّ، تؤكد التخلّف الاجتماعي والسياسي وانعدام المساواة فضلًا عن التبعية الثقافية للغرب. ولكن بدلًا من استخدام الخليج مثالًا لإصدار أحكام قيمية، يمكن أن يعتبر الأكاديميون والباحثون في الدراسات المدينية مدن الخليج نماذج جديدة لفهم الاتجاهات التمدينية الصاعدة، ويمكنهم أن يلاحظوا، على نحو خاص، كيف تَعبُر هذه المشروعات الحدود الوطنية، وكيف تتفاعل مع البنى المادية والاجتماعية المحلية، التي تفرض عليها تطوير حلولٍ التفافية مؤسسية، تفضي، على نحو محايث، إلى أشكال مختلفة من التهجين. كما تُعلمنا التجربة التمدينية في الخليج حدود القدرات المالية وسلطتها في خلق بيئات ومجتمعات مدينية اصطناعية.

التعلم من مدن الخليج

إن التعلّم من مدن شبه الجزيرة العربية، ولا سيما المدن الأكثر دينامية وإثارة للجدل مثل دبي وأبوظبي والدوحة، لا يعني الاحتفاء بها أو السخرية منها. فالمؤلفان يسيران على هدي أفكار الباحثين المعماريين روبرت فنتوري ودينيس سكوت براون وستيفين إيزينور الذين درسوا مدنًا عاصروها ويعرفونها. ففي كتاب "التعلم من لاس فيغاس" Learning from Las Vegas الذي أصبح كلاسيكيًا الآن، تجاوزت رؤيتهم لمدينة لاس فيغاس كونها مدينة لا طعم لها، أو مادية، أو غير نمطية؛ إذ أكدوا أنها تعلّم دروسًا مهمة قد يستفيد منها جميع الأماكن. وبحسب رأيهم، يجب دراسة المدينة وفقًا لشروطها الخاصة؛ وهذا التأكيد لا يغيّر الفهم المستقبلي لمدينة لاس فيغاس فحسب، بل ينعكس على الهندسة والتخطيط والسياسات التمدينية على نحو عام أيضًا. ومن وجهة نظرهم، إن "الامتناع عن إطلاق الأحكام الأولية يشكل أداة لجعل الأحكام اللاحقة أكثر حساسية. إنها طريقة للتعلم من كل شيء".

وكما أوردنا في كتاب The New Arab Urban: Gulf Cities of Wealth, Ambition, and Distress لمجموعة باحثين من تخصّصات أكاديمية متنوّعة ودول متعدّدة، فإننا نسعى جاهدين للتعلّم من مدن الخليج، ولا سيما أبوظبي ودبي والدوحة التي تتصدّر الواجهة العالمية. وقد أولينا اهتمامًا أقل لمناطق مدينية urban أخرى في الخليج، كالمملكة العربية السعودية والكويت والبحرين التي تعتبر أيضًا جزءًا من الاقتصادات المترابطة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. لكننا استثنينا مدينة الرياض في السعودية، مع أنها أكبر مدن مجلس التعاون، لأنها تندرج ضمن فئة مختلفة عن البقية، من حيث التاريخ والطموح والعلاقات المعاصرة مع أجزاء أخرى من العالم.

وانطلاقًا من الاعتراف بالاختلاف، نتفادى التفكير وفقًا لـ "نموذج وحيد للمدن الخليجية". إذ لا نريد تكرار الخطأ الجوهري الشائع تاريخيًا بالتعامل مع مدن مختلفة أكانت "إسلامية" أو "عربية" أو "شرق أوسطية"، بصفتها متماثلة. وعلينا تجنب الانجرار إلى القوالب النمطية، بما فيها الأكاديمية، ولا سيما عند التعامل مع مساحات شاسعة جغرافيًا تشمل شعوبًا تباينت الدراسات الأكاديمية بشأنها كثيرًا.

لقد أطلقنا أحيانًا على المدن محط اهتمامنا تسمية "مدن الخليج"، في إيحاء إضافي لحدود مجالها، فما الذي يبدو مشتركًا بينها في الحدود الدنيا؟ إنها لا تستمد أهميتها من كونها مراكز مدينية مهمة بالنسبة إلى المناطق المحيطة كالقاهرة في مصر أو شيكاغو في الغرب الأوسط للولايات المتحدة، بل تكمن أهميتها المحورية في اتسامها بطابع عالمي. وقد بات بعضها يتحرّر بصورة متنامية من الاعتماد على الموارد الطبيعية الأساسية التي تميّز منطقتها (النفط)، ولا تعتمد إلا قليلًا على أي زراعة أو صناعة في محيطها.

* هذه الدراسة منشورة في العدد 28 (ربيع 2019) من مجلة "عمران" (الصفحات 35-56)وهي مجلة فصلية محكمة متخصّصة في العلوم الاجتماعيّة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات.

** تجدون في موقع دورية "عمران"  جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.