العنوان هنا
مراجعات 22 مارس ، 2022

مراجعة كتاب "أخبار التونسيين: مراجعات في سرديات الانتماء والأصول"

الكلمات المفتاحية

فهمي رمضاني

أستاذ مبرز في التاريخ، معهد المغيرة فوشانة، تونس.

المؤلف: لطفي عيسى.

عنوان الكتاب: أخبار التونسيين: مراجعات في سرديات الانتماء والأصول.

الناشر: دار مسكلياني للنشر والتوزيع، تونس.

سنة النشر: 2019.

عدد الصفحات: 350 صفحة.

مما لا شك فيه أن حرفة المؤرخ اليوم لم تعُد متّصلة بتتبّع وقائع الماضي وسرد أخبار الأزمنة الغابرة والعصور السحيقة وأحداثها، بل أصبح دوره أكثر ارتباطًا بقضايا العصر وإشكاليات الحاضر المعقّد الذي ما انفك يطرح مسائل تكتسي أهمية كبيرة، وفي الوقت نفسه يتطلّب الإلمام بها جهدًا معرفيًا ومنهجيًا؛ فخارج حاجات الراهن، لا يمكننا الحديث اليوم عن تاريخ في حقيقة الأمر. ولا مندوحة من الإقرار بأن المؤرخ مطالب بأن يكون عنصرًا فعّالًا في المجتمع من خلال انخراطه في النقاش الثقافي والفكري السائدين، من أجل المساهمة في إيجاد إجابات عن المسائل التي قد تطفو على سطح الواقع بين الفينة والأخرى، والمساهمة أيضًا في فهم الماضي وتمثّل الحاضر واستشراف المستقبل.

في هذا الإطار، تُعتبَر مسألة الانتماء وقضايا الهوية من أهم الإشكاليات التي أصبحت تحظى باهتمام مجتمعي متزايد، خصوصًا من المؤرخين، فضلًا عن كونها تُعدّ من الأسئلة التي تخترق المجتمعات العربية الإسلامية في الوقت الراهن؛ إذ لا يزال النقاش محتدمًا بشأن السرديات والمرويات الجماعية ودور المؤرخ في إعادة تركيبها وصوغها وفق المستجدات الراهنة، تزامنًا مع تحوّل اهتمامات العلوم الإنسانية، وعلى رأسها التاريخ، لدراسة الفرد والبحث في العناصر المشكّلة لشخصيته وانتمائه عبر التاريخ، بدلًا من كتابة تاريخ الإمبراطوريات والدول والسلالات، أو التأريخ للحروب والمعارك والأحداث.

هذا هو ما يجسّده المؤلَّف الأخير للمؤرخ التونسي لطفي عيسى أخبار التونسيين مراجعات في سرديات الانتماء والأصول؛ إذ حاول من خلاله مراجعة السردية الجماعية للتونسيين بشدّها إلى مختلف انتماءاتها، زمانيًا ومكانيًا، وإعادة تركيبها على نحو يخدم حاجات الراهن وقضايا الحاضر. ويمكن القول إن الكتاب تمثّل ونظر في قضايا مرتبطة بإبستيمولوجيا المعرفة التاريخية وفلسفتها، وفي كيفية كتابة تاريخ تونس من جديد، وهو ما أصبح أقرب إلى تاريخ التونسيين من تاريخ البلاد. وفي هذا الباب، يرى المؤلف أنّ المؤرخين اليوم يجب أن يكتبوا تاريخ التونسيين، وليس تاريخ تونس (ص 336- 337)، وخصوصًا بعد التحوّلات الفارقة التي عرفتها البلاد مؤخرًا، منذ عام 2011.


*هذه المراجعة منشورة في العدد 14 من مجلة "أسطور" (تموز/ يوليو 2021)، وهي مجلة محكّمة للدراسات التاريخية المتخصصة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا كل ستة أشهر.

** تجدون في موقع دورية "أسطور" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.