العنوان هنا
مراجعات 17 أبريل ، 2022

قراءة نقدية في كتاب "جيشٌ بلا آمر: الأسلحة المسيّرة ذاتيًا ومستقبل الحرب"

تكنولوجيا المستقبل ومستقبل الحرب

آمنة مصطفى دلة

​​أستاذة العلوم السياسية في جامعة حسيبة بن بوعلي – الشلف في الجزائر. حاصلة على شهادة الماجستير في الدراسات الإستراتيجية وتحضر لنيل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة الجزائر. لديها عدد من الدراسات المنشورة في دوريات محكمة في قضايا الأمن والإستراتيجيا.

عنوان الكتاب: جيشٌ بلا آمر: الأسلحة المسيّرة ذاتيًا ومستقبل الحرب"

عنوان الأصلي: Army of None: Autonomous Weapons and the Future of War

المؤلف: بول شار

الناشر:نيويورك/لندن: W.W. Norton

سنة النشر: 2018

عدد الصفحات: 463


يستهلّ بول شار، خبير الأمن والدفاع الأميركي ورئيس ومدير الدراسات في "مركز الأمن الأميركي الجديد" كتابه، جيشٌ بلا آمر: الأسلحة المسيّرة ذاتيًا ومستقبل الحرب، بسرد وقائع الليلة السادسة والعشرين من أيلول/ سبتمبر 1986؛ وهي إحدى ليالي الحرب الباردة التي أوشك العالم فيها أن يصيبه الفناء، لولا التفطّن البشري المبكر للكولونيل السوفياتي ستانيسلاف بيتروف (Stanislav Petrov). ففي مطلع ربيع تلك السنة، أطلق الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان (Ronald Reagan) مبادرة الدفاع الاستراتيجي "حرب النجوم"، بصفتها درعَ دفاعٍ صاروخي. وردًّا على ذلك، نشر السوفيات نظام الإنذار المبكر بوساطة الأقمار الصناعية "أوكو" (Oko)، للإبلاغ عن أي إطلاق صاروخي أميركي محتمل. وبعد مضيّ منتصف الليلة بقليل، وبينما كان بيتروف ماكِثًا في خندقه سربوخوف-15 خارج موسكو، انطلقت صافرات الإنذار، وومضت شاشة "الإطلاق" الحمراء العملاقة ذات الإضاءة الخلفية، محذرةً بيتروف من أنّ الأميركيين أطلقوا الصاروخ النووي الأول على الاتحاد السوفياتي، ثمّ الثاني، فالثالث، فالرابع، فالخامس ... إلخ. وهو هجوم صاروخي أعلنه نظام الإنذار بكثيرٍ من الثقة، ومن دون أي تردد. وفي مثل هذه الحالات، كان على بيتروف أن يسارع لإعلام قادته بالهجوم؛ على اعتبار أنه لم يتبقَ سوى ثوانٍ معدودة للاستجابة وللتفكير فيما ينبغي فعله في حال تعرّض بلدهم حقًّا لهجومٍ نووي.

لقد كان العالم على شفا حرب عالمية ثالثة، وكان الاتحاد السوفياتي على شفا مصير شبيهٍ بالمصير الياباني بعد هجوم بيرل هاربر الشهير في عام 1941. لكنّ شيئًا من ذلك لم يحدث. فقد أنقذ السوفيات سؤالٌ طريف تبادر إلى ذهن بيتروف: لماذا تطلق الولايات المتحدة الأميركية خمسة صواريخ فقط؟ فالأمر لم يكن منطقيًا؛ إذ كان يمكن أن يحدث هجوم مباغت هائل، أو ضربة قاضية تسحقُ الصواريخ السوفياتية على الأرض. وكل ما كان بيتروف في حاجة إليه هو مزيد من المساءلة الذهنية، ومزيد من الوقت، ومزيد من المعلومات لم يمنحها نظام الإنذار لنفسه. وقد أثبتت الرادارات الأرضية، في عقب كلّ ذلك، أنّه كان إنذارًا خاطئًا سبّبته أشعة الشمس المنعكسة فوق قمم الغمام.

في الواقع، تلخص القصة الجدل الذي أثارته الأسلحة الفتاكة المسيّرة ذاتيًا كليًا (Lethal Autonomous Weapons, LAW)، ومدى قانونية احتكارها لقرارات الحياة والممات وصوابيّتها. والأهم من ذلك أنها تلخص ما ستكون عليه حروبٌ مستقبلية مأهولة بمثل هذه الأسلحة؛ وهو جدل حاول المؤلف أن يعرضه في هذا الكتاب بكثيرٍ من التفصيل والسلاسة، عبر الأقسام الستة لكتاب جيشٌ بلا آمر. وهو يأخذنا طوال أسطر الكتاب، بصفته محللًا للسياسة المدنية بمكتب وزارة الدفاع بالبنتاغون، وقائدًا للمجموعة التي صاغت السياسة الأميركية الرسمية بشأن استقلاليّة الأسلحة، في جولة داخل أروقة شركات الدفاع المطوّرة لصواريخ ذكيّة، ومخابر البحث التي أجرت بحوثًا طلائعيّة حول تقنيّة "الاحتشاد"، ويُطلعنا على اعتقاد المسؤولين الحكوميين والعسكريين الأميركيين بشأن السياسات المتعلقة بمنظومات "الأسلحة المسيّرة ذاتيًا"، وعلى رفض الناشطين لذلك. إنها جولةٌ في تكنولوجيا المستقبل، وعالم جيل الأسلحة الروبوتيّة القادم الآخذ في التطوّر سريعًا، بعيدًا عن المناقشة والمساءلة العموميّة.


* هذه المراجعة منشورة في الكتاب السنوي السادس 2022 من دورية "استشراف"، وهي مجلة محكّمة للدراسات المستقبلية والاستشرافية، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا مرة كل سنة.

** تجدون في موقع دورية "استشراف" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.