العنوان هنا
مراجعات 04 سبتمبر ، 2022

قراءة نقدية في كتاب: الثورة الصناعية الرابعة

مستقبلات العلوم والتكنولوجيا العربية في الثورة الصناعية الرابعة

عنوان الكتاب: الثورة الصناعية الرابعة. 

عنوان الكتاب في لغته الأصلية: The Fourth Industrial Revolution

المؤلف: كلاوس شواب Klaus Schwab. 

سنة النشر: 2016. 

مكان النشر/ الناشر: Geneva: World Economic Forum. 

عدد الصفحات: 181 صفحة.

مقدمة

بدأت تلوح منذ بضع سنوات معالم ثورةٍ صناعية جديدة، أُطلق عليها "الثورة الصناعية الرابعة"، سِمتُها الرئيسة تقارب الابتكارات الرقمية، والبيولوجية، والمادية؛ ما يسهم في تغيرٍ جذري في الأساس التكنولوجي للأنظمة الصناعية. وتأتي هذه الثورة في إثر العديد من الثورات الأخرى التي ميزت البشرية عبر تاريخها. فقد حدث أول تحول عميق في التطور البشري في الانتقال إلى الزراعة منذ حوالى 10000 عام، حين أحدثت الثورة الزراعية نقلةً نوعية في مجالات الإنتاج والنقل والاتصالات، بفضل تضافر جهود البشر مع جهود الحيوانات المدجّنة. ومع تحسّن إنتاج الغذاء، تزايد النمو السكاني، ونمت مستوطنات بشرية أكبر؛ ما أدى إلى التحضر وظهور المدن. ولاحقًا، ساعدت الثورات الصناعية المتتالية بدورها في تغيير وجه الحياة البشرية على الأرض وطريقتها، وأنماط التغذية، والتداوي، والتنقل، والإنتاج، والاستهلاك.

تندرج "الثورة الصناعية الرابعة" في هذا المنحى التطوري، بمعنى تغيّرٍ عميق في بنية الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية ووظيفتها، من خلال إحداث تغيير جذري في أنماط الابتكار وفي التشبيك فيما بينها. بل أكثر من ذلك، من شأن الثورة الصناعية الرابعة أن توفر فرصًا أكبر من سابقاتها لتسخير التكنولوجيا حتى توسع نطاق القدرات البشرية في إنتاج الموارد وتوزيعها على نحوٍ أكثر إنصافًا واستدامة، وفي التعافي من الأمراض والأوبئة، وفي الترفيه، والتعلّم، وغيرها من مجالات الحياة. وفي الآن ذاته، ستطرح أيضًا تحديات جمّة بالنسبة إلى الأفراد، والمنظمات، والمجتمعات.

يأتي السؤال بالنسبة إلى الدول العربية، إن هي كانت تروم الاستفادة من الفرص التي تتيحها الثورة الصناعية الرابعة، وترغب في التخفيف من التحديات التي تواجهها اليوم، لا سيّما في ما يخصّ بنية العلوم والتكنولوجيا العربية والارتقاء بها. وهو ما يفيد الحاجة إلى فهم ديناميات تأثيرات التكنولوجيا التي تميّز هذه الثورة في بنية الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية ووظيفتها، وشروطها، ورهاناتها.

من ثمّ، تأتي أهمية التناول النقدي للكتاب الذي صدر في عام 2016، والذي صاغ هذا المفهوم، وهو كتاب الثورة الصناعية الرابعة لكلاوس شواب، الاقتصادي الألماني المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي (منتدى دافوس). فقد كان شواب من بين الأوائل الذين لاحظوا تقارب الابتكارات باعتبارها "ثورةً صناعية"، وعبّر عن ذلك بصيغة "الثورة الصناعية الرابعة". وفضلًا عن كونه اجترح هذا المفهوم، تكمن أهمية هذا الكتاب أيضًا في أنه قد أسهم في إنتاج أدبيات كثيرة وفي كل المجالات تناقش جوانب مختلفة من التقنيات التي تضمنت الثورة الصناعية الرابعة. وهو ما سنسعى لاستيعاب بعض أهم عناصره في هذه القراءة النقدية، لا سيما من خلال ربط موضوعه بمنظومة العلوم والتكنولوجيا العربية.

في اشتباكنا النقدي مع الكتاب، نناقش الفكرة الرئيسة، أنّ الثورة الصناعية الرابعة تتجاوز حدود ثورة في تكنولوجيات فائقة عديدة وتلاقيها، بل هي أيضًا ثورة في تكنولوجيا الحوكمة، لا سيما من خلال تقنية "قاعدة البيانات المتسلسلة" (يُنظر الهامش 15)، وهو ما يعني بالنسبة إلى البلدان العربية تغييرات مهمة على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لذا، نسعى من خلال هذه القراءة إلى ربط تحليل هذه الأبعاد الرئيسة للثورة الصناعية الرابعة بالعلوم والتكنولوجيا العربية، في محاولةٍ لرصد واقعها في الجوانب المتعلقة بالثورة الصناعية الرابعة، واستشراف آفاقها في المستقبل وشروط النهوض بها. قبل ذلك، من المهم أن نعود إلى الثورات الصناعية الثلاث الأولى، لنبرز أشكال القطيعة التطورية التي تحدثها اليوم الثورة الصناعية الرابعة.


* هذه المراجعة منشورة في الكتاب السنوي السادس 2021 من دورية "استشراف"، وهي مجلة محكّمة للدراسات المستقبلية والاستشرافية، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا مرة كل سنة.
** تجدون في موقع دورية "استشراف" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.