فجر العرب: شبابه وعائده الديموغرافي

18 أكتوبر،2016
المؤلفون

تبحث بسمة المومني في كتابها فجر العرب: شبابه وعائده الديموغرافي، الصادر عن سلسلة ترجمان في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (224 صفحة بالقطع المتوسط)، والمترجَم عن كتابها بالإنكليزية Arab Dawn: Arab Youth and the Demographic Dividend They Will Bring، شؤون الشباب العرب وشجونهم، وأحوال مجتمعاتهم، وطموحهم ورؤيتهم للمستقبل عشية الثورات العربية وخلالها. وتستند في بحثها إلى مجموعات مناقشة مركزة أعدتها في عدد من الدول، ومؤتمرات واجتماعات شاركت فيها، ومقابلات شخصية أجرتها، تتمحور كلها حول السؤال: ماذا يعتقد الشباب العرب وماذا يريدون؟

قسمت المومني كتابها إلى أربعة فصول وخاتمة. وتتحدث في الفصل الأول، بعنوان الخبز: الكرامة الاقتصادية والعمل المنتج، عن طلب الشباب العرب الخبز، مشيرة إلى الرغبة في الحصول على الكرامة الاقتصادية والعمل المنتج. وعلى الرغم من عدم وجود نقص في أعداد الشباب العرب المتعلّم، يواجه هؤلاء تحديات كثيرة عندما يبحثون عن فرص تتيح لهم الاستفادة من تعليمهم. فيبقى كثير من الشباب عاطلًا من العمل كليًا أو جزئيًا بعد التخرّج. وتتضمّن هذه التحديات النظام السياسي والاجتماعي الفاسد الذي يتميّز بمحاباة الأقارب والشبكات العائلية للحصول على الوظائف، ما يحد من قدرة الشباب المتعلّم على التنافس بالاعتماد على الجدارة. وترتفع نسبة ريادة الأعمال بشكل غير مسبوق في العالم العربي، مع تراجع الخيارات التقليدية. وهي من الوسائل التي تعتمدها الشابات العربيات خصوصًا لمواجهة التحيّز الجنسي في أمكنة العمل. كما سلّطت الضوء في هذا الفصل على عملية تحدي روح الشباب الريادية وأفكارهم الخلاقة لحارس المحسوبية القديم.

تتفحص المؤلفة في الفصل الثاني، موضوع الحرية، وتفكير الشباب العرب في ما يخص الحكومة والسياسة، واعتمادهم على منتديات شبكات التواصل لتحدي الوضع السياسي الراهن ومواجهته. فخلافًا للأجيال السابقة التي وافقت على حكم "الأقوياء"، يبحث الشباب العرب اليوم عن قادة يمكنهم إنجاز المهمات. وساد الاعتقاد مدة طويلة في الدوائر السياسية، خصوصًا في واشنطن، أنّ العرب يريدون رجالًا أقوياء ليكونوا حكامًا مستبدين، لكن هذا الاعتقاد – بحسب المومني – لم يساعد في تفسير سياسة المنطقة، في الأقل لأنه ينحدر إلى مستوى الحجج الثقافية التي تقول إنّ العرب يحترمون المسيء لهم، أو يرون ببساطة "القوة حقًّا". فقد كشف الربيع العربي زيف الرأي القائل بقبول العرب بالمتسلطين والأقوياء حكامًا، بالنظر إلى خلو هذه الثورات من القادة الذين يتمتعون بشعبية. فالشباب العرب لا يبحثون عن قادة جدد فوق المعتاد، ولا عن قادة يحتلون المنابر ويطلقون التصريحات لإعادة الثقة بالوعود الفارغة، بل يتوقون إلى حكومات تخضع للمساءلة، ويمكنها تحقيق البحبوحة، بدلًا من تبرير وجودها على أساس وجود عدو خطر.

تعرض المومني في الفصل الثالث لمسألة الهوية، وتدرس كيف يرى الشباب العرب أنفسهم، وكيف يرون مكانهم في المجتمع. فيجب ألا يُنظر إلى نسق التوجه نحو التدين في المنطقة العربية مساويًا لانعدام التسامح والقمع. فالعالم العربي يشهد حركة تمدّن سريعة، تتشكل معها هوية أكثر كوزموبوليتانية، تختلط فيها الهويات الثقافية والعرقية والقبلية لإفساح المجال أمام التنوّع والتعدد. وفي حين يلجأ السياسيون غالبًا إلى استخدام الهويات القبلية والمناطقية والدينية لتحفيز ركائز ضيقة من الدعم، يشهد الجمهور الشاب المتعلم والحداثي رفضًا متزايدًا لهذه الانقسامات الاجتماعية. هنا يكمن، في رأي المومني، سبب الثورات العربية: إنها نتيجة تقدم التعليم والتمدّن، وتمكين الشعب العربي. فمن الصعب إقناع جيل الشباب أن عليهم الخضوع لمجرد أن شخصًا آخر يتحكّم بمكبر الصوت مدعومًا بالعصا التي تحميه. ويبقى تاليًا أن على الربيع العربي وضع حد لأطروحة "الاستثناء العربي" ومفادها أن العرب يسيرون دائمًا عكس الاتجاهات العالمية الحديثة ويفشلون في التقدّم، ولفكرة أننا ننتظر رجلًا قويًا آخر يكون بديلًا ممن أُطيحوا. أما انبعاث الهويات الإسلامية اليوم فلا يعني "الإسلام الجائر" الذي تعتمده الجماعات المتشددة والراديكالية التي تحتل صدارة عناوين الإعلام الغربي، بل يوجد إلى جانبه اتجاه متصاعد نحو الهويات الكوزموبوليتانية مع إعادة اكتشاف الشباب العرب إيمانهم بسبل الحداثة. ينشأ الشباب العرب اليوم في المدن عمومًا، على عكس الأجيال السابقة. وعندما يترك العرب الريف، ستتراجع عندهم أهمية الهويات البدائية للعشيرة والطائفة والقبيلة، وسيؤدي ذلك حتمًا إلى نشوء هويات كوزموبوليتانية أقوى.

ترى المومني أن ما يسمّى نهوض باقي العالم يشمل الشباب العرب أيضًا. فكيف سيتواصل الشباب العرب مع باقي المجتمعات، وخصوصًا الغرب؟ ومن الآراء المحلية إلى التأثير العالمي المحتمل، يتناول الفصل الرابع المعنون التنقل الدائري الأهمية الدولية لهذا العائد الديموغرافي، أي التأثير الإيجابي لوجود جيل شاب في العالم العربي يتواصل مع الغرب وباقي العالم. تدرس المؤلفة الروابط بين جيل عربي شاب والغرب، وتأثيرها في مسار العلاقات الدولية الاقتصادية والجيوسياسية والثقافية. فما عاد ممكنًا، مع تلاشي الحدود القومية عبر الكرة الأرضية، تجاهل التأثير الثقافي للغرب في العالم العربي، وتأثير الهوية العربية والإسلامية في المجتمعات الغربية المتعددة الثقافات، مع تحول المنطقة العربية في نظر الغرب مصدرًا للمهاجرين والعمال والمهارات. ومع عودة مئات الآلاف من الطلاب العرب من الغرب بشهاداتهم العالية، سنكون قد حظينا بجيش من الدبلوماسيين العامين الذين يحملون معهم قيمًا وأفكارًا جديدة ستؤثر في مستقبل بلدانهم، حيث لم يعد ممكنًا اعتبار عملية تدفق الناس والأموال والأفكار ذات اتجاه واحد فحسب؛ أي من باقي العالم إلى الغرب.

تجيب المؤلفة في الخاتمة عن سؤالين: ما هي الطروحات السياسيّة التي قد تساعد الشباب العرب في تعزيز نجاحهم؟ وماذا عن تصاعد العنف والتعصب الديني في منطقة الشرق الأوسط؟ كما تناقش التحديات الأمنية على الرغم من أنها ليست الموضوع الأساس للكتاب، فترى أن على صناع القرار العرب والغربيين التغلب على بعض تحديات السياسة، للسيطرة على النمو السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يمكن أن يرافق التحوّل نحو أكثرية عمرية شابة في العالم العربي. وسيكون أحد تحديات السياسة المشتركة في المنطقة العربية هو العمل على تعزيز النمو الاقتصادي المنتج والشامل، القادر على توظيف قدرات شبابها. وستنجح بلدان عربية أكثر من غيرها في قطف ثمار النمو السكاني. وستتصدّر دول، وستنشأ تفاوتات، وتقوم تحديات؛ إذ جعل الربيع العربي من نجاح الشباب ضرورة سياسية أيضًا. وتعلّم القادة السياسيون العرب أن عليهم تأمين الوظائف لمواطنيهم، وإلا فسيواجهون مصير المستبدين الذين أُطيحوا لأنهم خذلوا شعوبهم.

اقــرأ أيضًــا

 

فعاليات