نظَّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في الفترة 20 - 22 شباط/ فبراير 2015، مؤتمره السنوي الثاني للدراسات التاريخية في بيروت، وهو بعنوان "مئة عام على الحرب العالمية الأولى: مقاربات عربية". وجمع المؤتمر نخبةً من الباحثين والمؤرخين؛ من المنطقة العربية، ومن خارجها. وعادت الأوراق البحثية التي عُرضت في المؤتمر وناقشها الحاضرون بزيارة فحصية وتأملية بشأن هذا الحدث العظيم الذي كانت له عدّة نتائج متعلّقة بمصائر العالم العربي برمته، ولا سيما أنّ بعض مناطق العالم العربي كانت ساحاتٍ لتلك الحرب، وأنّ بعض سكانها كانوا وقودًا، أو جنودًا، في جيوش المتحاربين. وعلى امتداد ثلاثة أيام و13 جلسةً، حاول المؤتمر أن يجيب عن السؤال: "كيف يمكن التأريخ لزمن التحولات التي أطلقها حدث الحرب العالمية الأولى بعد مئة عامٍ من وقوعه؟".

تحدَّث المشاركون في المؤتمر عن تبعات الحرب العالمية الأولى والتحوّلات الكبرى التي أحدثتها في العالم العربي. وتحدثوا عن مصائر شعوب عربية تقرّرت، وعن نشوء دول وإدارات وخرائط جيوسياسية جديدة رُسمت، وعن معاهدات ووعود وإستراتيجيات حُدِّدت، وعن طبقات اجتماعية جديدة وأحزاب وقوًى سياسية كُوِّنت، حتى كادت تحدث قطيعة في ثقافتنا بين ماضٍ إمبراطوري عالمي وسلطاني من جهة، ومستقبل آتٍ كـ "ماضي الأيام الآتية" من جهة أخرى.

وضمت جلسات المؤتمر ثلاثة محاور رئيسة، هي: إستراتيجيات الحرب وميادينها وأطرافها (المصالح والسياسات)، ومجتمعات البلدان العربية: الأحوال والتحولات في سياق الحرب، والتأريخ للحرب العالمية الأولى في المدى الطويل: السياق والذاكرة والمنظورات التاريخية. وقُدِّمت خلال المؤتمر ما يزيد على أربعين ورقةً بحثيةً تناولت خلفيات اقتصاديةً للحرب الكبرى، وتأثيراتها الاجتماعية في أوضاع الشعوب العربية، وطرائق عيْش هذه الشعوب أثناء الحرب وقد لذعتها مصائبها؛ من قبيل تحمُّل العرب تكلفة الحرب مع المتحاربين من دون أن يكونوا طرفًا مباشرًا فيها، سواء بتسخير اقتصادات الدول الواقعة تحت هيمنة الاستعمار الغربي في خدمة آلة الحرب، وما ترتب على ذلك من مجاعة وضيق عيشٍ، أو بالزَجِّ بشباب المنطقة في صفوف المتحاربين الغربيين الأولى.

وأبرزت بعض المحاضرات جوانب مهمةً من تفاعل المجتمعات العربية داخليًّا مع تطورات الحرب العالمية الأولى. ومن أمثلة ذلك ورقة بعنوان "الدعاية الألمانية بالمغرب خلال الحرب العالمية الأولى وردود الفعل المحلية"، وورقة ثانية بعنوان "الرأي العامّ التونسي والحرب العالمية الأولى: الجنود نموذجًا"، وورقة ثالثة بعنوان "تداعيات الحرب العالمية الأولى على الوضع الصحي بالمغرب".

وأخذ محور التحولات السياسية والفكرية التي أحدثتها الحرب الكبرى في العالم العربي حيزا مهما من اهتمامات أوراق المؤتمر، فتناولت مواضيع مثل "سياسات الحدود في المشرق العربي بعيد انهيار السلطنة العثمانية" و"تأثير الحرب العالمية الأولى على توجهات السياسة البريطانية في منطقة الخليج".