Author Search
​باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة - قطر. عمل سابقًا أستاذًا في العلاقات الدولية، قسم العلوم السياسية في جامعة أم البواقي في الجزائر. حاصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة باتنة في الجزائر. نشر العديد من الدراسات والأوراق البحثية باللغتين العربية والإنكليزية في عدد من المجلات العلمية المحكمة.
صعود الصين في العلاقات الدولية موضوعًا لسيمنار المركز العربي
الدكتور محمد حمشي متحدثًا والدكتور مراد دياني رئيسًا لجلسة السيمنار
الدكتور محمد حمشي
الدكتور مراد دياني
الحضور المشارك في السيمنار
زاوية أخرى للحضور المشارك أثناء تقديم الدكتور حمشي محاضرته

استضاف برنامج السيمنار الأسبوعي الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، يوم الأربعاء 25 كانون الأول/ ديسمبر 2019، الدكتور محمد حمشي، الباحث بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الذي قدّم محاضرةً بعنوان "صعود الصين في النظام الدولي من منظور مغاير".

بيّن الباحث الجزائري في العلاقات الدولية أنّ مسألة صعود الصين من المسائل البارزة في عالم اليوم، وأنّ هذا الاهتمام الكبير بوضع الصين العالمي من لدن الأكاديميين والسياسيين والإعلاميين والمتابعين يقترن بحالةٍ من الارتباك الشديد؛ فهي قوة صاعدة، وقوة ناشئة، وقوة عظمى، وقوة كبرى، وقوة إقليمية (وأحيانًا قوة إقليمية ذات تأثير عالمي)، وقوة نامية (وأحيانًا قوة نامية كبرى)، وقوة منافسة، وقوة مراجِعة. ثم عرج الباحث إلى إبراز قصة النجاح الصينية المدهشة؛ إذ انتقلت الصين من مجتمع فلاحي يرزح تحت الفقر المدقع، إلى ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم. كما بيّن أنّ المدهش في هذه القصة هو أنّ الصين تمكنت، مع ذلك، من المحافظة على خصائص هوياتية مختلفة عن نموذج الغرب المهيمن، سواء في نموذج التنمية الاقتصادية، أو في نموذج الحكم، أو في نمط الانخراط في النظام الدولي القائم. ومع أنه يبقى من الواضح أن صعود الصين سيؤدي بها إلى التحول إلى قوة كبرى، إلا أنّ نمط هذا الصعود (إن كان سيستمر على نحو هادئ أم أنه سيتحول إلى صعود عنيف)، فضلًا عن انعكاساته على طبيعة النظام الدولي الراهن (إن كان سيؤدي إلى مراجعته أم إلى المحافظة عليه)، يبقيان من المسائل المثيرة للجدل.

وحلل حمشي وضع الصين العالمي استنادًا إلى استبصارات نظرية التعقد، مبينًا أنه من الملائم تحليليًّا تجاوز منطق الثنائيات (صعود سلمي - صعود عنيف، قوة محافِظة - قوة مراجِعة، صداقة - عداء، وهكذا) لأنه، وفي حالة الصين، يبدو أنّ الأمر يتعلق بدرجات متباينة من انخراط الصين في حوكمة النظام العالمي أكثر مما يتعلق بمجرد إن كانت الصين ترغب في المحافظة على النظام القائم أو مراجعته واستبداله. كما أبرز أن صعود الصين يشكّل أداة ملائمة لاختبار مختلف الافتراضات التي تستند إليها النظريات السائدة في حقل العلاقات الدولية. وفي هذا السياق، أحال حمشي إلى العشرات من الأدبيات ذات العلاقة، التي يمكن تصنيفها ضمن المواقف النظرية السائدة كالواقعية أو الليبرالية أو البنائية، سواء من خلال الانتماءات النظرية لأصحابها أو من خلال فحص حججها وأطروحاتها، ويمكن استخدام ما يمكن اعتباره نظريات جزئية لمقاربة مسألة صعود الصين، كنظرية انتقال القوة، أو نظرية استيعاب القوى الصاعدة، أو نظرية الصعود السلمي.

وقد تمثل جوهر حِجاج حمشي في تجاوز هذه النظريات السائدة عبر خطوتين أساسيتين؛ الخطوة الأولى هي الادعاء أنّ السواد الأعظم من افتراضات هذه النظريات تقع ضمن الفلسفة العقلانية على نحو عام، لذلك فهي تفشل في تزويدنا بفهمٍ كافٍ ومتسق لمسألة صعود الصين. أما الخطوة الثانية فهي الدعوة إلى إقحام استبصارات نظرية التعقد ضمن النقاش السائد حول هذه المسألة. ولذا من المناسب تحليليًّا، وفقًا للباحث، الإقرار بأنّ القيام بالخطوتين السابقتين معًا يبقى أمرًا صعبًا جدًا؛ إذ هناك على الأقل ثلاثة أنواع من الصعوبات التي ينبغي لنا التنبيه إليها مبدئيًا: أولها، الصعوبات المتعلقة بتجاوز التصنيفات النظرية السائدة، لأنها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من صورة حقل العلاقات الدولية في حد ذاته. ثانيًا، الصعوبات المتعلقة بغيض الأدبيات التي تتصدى لإسماع صوت المقاربة الصينية لمسألة صعود الصين (قد يرجع ذلك إلى مشكلة اللغة في حد ذاتها، بمعنى صعوبة قراءة ما يكتب في الموضوع باللغة الصينية، حيث تقتصر الأدبيات المتوافرة على تلك التي ينشرها الصينيون باللغة الإنكليزية، وطبعًا، تزداد هذه المشكلة حدة عندما يتعلق الأمر باللغة العربية). وأخيرًا، الصعوبات المتعلقة بمساعي التأصيل لنظرية التعقد في حقل العلاقات الدولية، إذا لا تزال هذه المساعي في بداياتها الأولى. ولذا حاجج حمشي بأنّ صعود الصين مسارٌ لاخطي Nonlinear ومعقد Complex، ولا يمكن فهمه عبر جملة من الفرضيات الاختزالية التي تدافع عنها المقاربات العقلانية السائدة. وفي هذا الإطار، أدرج الباحث نظرية التعقد كمقاربة بديلة في عالمٍ متزايد التعقد، بما في ذلك صعود الصين.

وأعقب المحاضرة نقاشٌ عامٌّ، شارك فيه الباحثون في المركز العربي، وأساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا وطلبته، وجمهور الحضور.