عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات سيمنار التحول الديمقراطي، عن بُعْد، يوم الأربعاء 17 شباط/ فبراير 2021، وذلك ضمن نشاطات مشروع "التحول الديمقراطي ومراحل الانتقال في البلدان العربية"، إذ استضاف الدكتور رضوان زيادة، الباحث في المركز العربي - فرع واشنطن، الذي قدم محاضرة بعنوان "ما بين الحكمة والشورى: كيف غابت فكرة البرلمان في الفكر السياسي الإسلامي؟".
استهل الباحث عرضه بطرح التساؤل الإشكالي عن غياب فكرة البرلمان في الفكر الإسلامي، متتبعًا تطور الفكرة الديمقراطية، بدءًا من الحضارة اليونانية، حيث نشأت بصيغة ذات طابع طبقي، يقصر ممارستها على النبلاء، لكن هذه الفكرة كانت استثناء لما ساد العالم حينها من حكم الملوك. وألمح إلى نشوء النظام الديمقراطي في فترة تحرر روما من حكم الإتروسكان الملكيين، حيث فضّل الرومان الديمقراطية على الملكية، بعدما تبينت لهم خطورة حكم الفرد، ممثلًا في ملك توسكان. من ثم، أسسوا مجلسًا للشيوخ أوكلوا إليه وظيفة ترشيد فكرة الحكم الفردي عبر آلية للسلطة جماعية. وبالرغم من ذلك، لم تعمّر الجمهورية الرومانية التي حوت الفكرة الديمقراطية، لتحلّ الإمبراطورية الرومانية محلّها، ولتستمر أكثر من ثلاثة قرون قبل انقسامها ودخولها في طور اضمحلال، وصولًا إلى سقوطها. وساد تلك القرون نموذج حكم الفرد ممثلًا في الإمبراطور.
وبيّن الباحث أهمية طرح السؤال عن غياب فكرة البرلمان أو مجلس الشيوخ في الفكر وفي تطبيقات النظام السياسي الإسلامي في تعاقبات الدول الإسلامية؛ من الأموية إلى العباسية، فالفاطمية، وصولًا إلى الفترة العثمانية. وترسخ خلال هذه الفترات حكم الفرد، أميرًا أو خليفة أو سلطانًا. وتساءل عن أسباب استنساخ المسلمين التجربة الرومانية القيصرية، ولماذا لم يجر التطرق في الفكر الإسلامي إلى تبنّي مجلس شورى أو مجلس حكماء، لترشيد القرار، بعدما عهد العلماء المسلمون آثار الحكم الفردي الوخيمة؟ هذا، على الرغم من أن المسلمين قد لمسوا، شأنهم شأن اليونانيين، خطورة الحكم الفردي مبكرًا. وأشار زيادة إلى أن تجربة يزيد بن معاوية كانت علامة فارقة مفادها أنّ الحكم الفردي المتوارث يضر بالإجماع الإسلامي وبالشريعة ذاتها.
طرح الباحث فكرة مفادها أن المفكرين المسلمين قد قرأوا عن الفكرة الديمقراطية وعن مجلس الشيوخ في متونهما الرومانية، لكنهم لم يأخذوا بهما، بل جرت أسلمة فكرة الإمبراطور في صورة أمير المؤمنين/ الخليفة/ السلطان. وأوضح أنّ مجالس أهل الحل والعقد، على الرغم من قربها الظاهري من الفكرة، ظلت صورية إلى حدٍّ بعيد، واقتصرت مهمتها على الاستشارة فقط، بينما لم تُمنح دورًا مؤسسيًا في ترشيد رأي الأمير والخليفة، كما تحولت في الفترة المتأخرة من العصر العباسي إلى ما يشبه مجالس للندماء؛ إذ باتت تشغل بالأصحاب ومدّاحي الخليفة، ونأى عنها الكثير من أهل العلم، وصارت مثلًا يُضرب عن الفجوة بين أهل العلم وأهل السلطان.
وأوضح، أيضًا، تطور الآداب السلطانية في اتجاه تأسيس مفهوم الطاعة على حساب مفهوم الرشد، فعلى الرغم من ورود كلمة الشورى في القرآن مرّتين، فإنّ الفكر الإسلامي ظل بمنأى عن الاستفادة من فكرة مجلس الشيوخ بابًا لتطوير فكرة الحكم الرشيد، عبر العصور الأربعة للحضارة الإسلامية، ولتبقى كلمة الشورى تحوم في الحياة السياسية الإسلامية من دون طرحها من زاوية مؤسسية.
وخلُص الباحث إلى أنّ ترشيد الحكم بالفكرة البرلمانية بقي غائبًا، في ظل كثافة الكتابة الفقهية على حساب السياسة الشرعية. وأكد أنّ أسبابًا سياسية واجتماعية عاقت ممارسة فكرة "الشيوخ" أو "البرلمان" في الممارسة السياسية الإسلامية، بدلًا من أن يتم تطوير هذه المؤسسات داخل النظام السياسي الإسلامي الذي كان سيحدّ من تأثير "الخليفة" لحساب إشراك مجلس الشيوخ في الرأي. وأشار أيضًا إلى صعوبات ثقافية اعترضت تبيئة مفهوم الديمقراطية في الحضارة الإسلامية.
ثم فتح مدير الجلسة الدكتور محمد حمشي الباب للنقاشات ولتعليقات المشاركين في السيمنار، سواء عبر تطبيق زووم أم عبر منصات التواصل الاجتماعي للمركز العربي. وقد ناقش الحاضرون جوانب الموضوع التاريخية والفكرية.