Author Search
أستاذ علوم سياسية مشارك في جامعة جورج تاون ومدير دراسات الحكم والديمقراطية في جامعة جورج تاون. وهو أيضا مستشار خاص في المعهد الأميركي للسلم، وزميل غير مقيم في مشروع الديمقراطية للشرق الأوسط.
دانيال برومبرغ

ألقى الدكتور دانيال برومبرغ، في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، محاضرةً عن التحوّل الذي شهدته السياسة المصرية التي تنتقل من الانفتاح السياسي إلى الاستبداد الكامل، وذلك ضمن اللقاء الدوري في برنامج "سيمنار المركز العربي".

وقد قارب برومبرغ الموضوع من منظور السياسات المقارنة، مع التركيز على استدامة الاستبداد. ورأى في المجتمع المصري مجتمعًا متنوّعًا ومعقّدًا ومن الصعب السيطرة عليه؛ ما يجعل مؤسساته الرئيسة عرضة للتوتّرات والانقسامات نتيجة التحول الذي شهدته السياسة المصرية.

وأثار الباحث موضوع سنوات "الاستبداد الليبرالي" في مصر، بدءًا بالسادات ووصولًا إلى مبارك؛ إذ أتاح ذلك الاستبداد مستوى معيّنًا من التعدّدية يتناسب وتنوّع المجتمع المصري. وقد سمح هذا النوع من الاستبداد الليبرالي أن يكون هو الحَكَمَ المركزي الذي يفصل بين مختلف القوى السياسية. وبغية الحفاظ على شبكات المحسوبية؛ لجأ النظام المصري إلى مؤسسات مختلفة، مثل القضاء والحزب الوطني الديمقراطي، وغذّى الانقسامات داخل المجتمع المصري. وشملت هذه المؤسسات في بعض نواحيها جميع المجموعات الرئيسة في المجتمع المصري، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين.

غير أن الوضع اليوم بات مختلفًا تمامًا؛ إذ يسعى السيسي إلى تكريس مركزية السلطة وتقليص نفوذ عدد من تلك المؤسسات الرسمية من أجل تعزيز سيطرته الكاملة؛ فأصبح النظام إقصائيًا جدًا، وبخاصة تجاه الإخوان المسلمين. وتشهد مصر اليوم إقصاءً تامًا لبعض المجموعات، خلافًا لما كان يحدث في الماضي، عندما كانت تتطلّع جميع المجموعات إلى نوع من المشاركة في السياسات العامّة. ورأى برومبرغ أن هذا الإقصاء يحدّ من تحالفات النظام ويؤدّي إلى توتّرات تهدّد قدرته على السيطرة على المجتمع المصري.

وأخيرًا، حدّد برومبرغ بعض الثغرات التي قد تنجم عن جهود السيسي الحثيثة الساعية إلى توطيد السلطة وتعزيز قبضته على الحكم. أولًا، أصابت الهشاشةُ الدولةَ نفسها، من خلال وهن في جهازها المؤسّسي الضخم. ففي عهد مبارك، شهدت الدولة تفكّكًا في جهازها (أي "بلقنة الدولة")، من أجل السماح ببعض المرونة والتعدّدية. في حين يسعى السيسي إلى تحقيق تعاون بين هذه المؤسسات بطريقة مركزية؛ ما يقضي على الشرعية التي يريد السيسي استخدامها. ومثال على ذلك التعاون؛ دور مؤسسة الأزهر في ظل نظام السيسي، إذ عبّرت مؤسسة الأزهر عن عدد من التحفّظات في ظلّ النظام الجديد، ولا تزال التوترات بين الإدارة والجامعة على حالها. وثانيًا، قد تظهر بعض الثغرات عندما يحاول السيسي تجديد النظام التشريعي وإعادة صوغ النظام الانتخابي والمجلس النيابي. فقد كان المجلس النيابي يتيح تمثيل الطبقة الوسطى، في حين أنه لا آلية اليوم للتفاوض مع هذه الجهة الفاعلة الاجتماعية المهمّة. وعلاوة على ذلك، وقّع السيسي مؤخرًا على اتفاق مع صندوق النقد الدولي، من شأنه أن يجعل النظام يتنصّل من "عقده الاجتماعي" والطبقة الوسطى. وما النقاط المذكورة كلها سوى تعبيرات عن التوترات الكامنة.

وعلى العموم، حدّد برومبرغ بعض التحدّيات التي يواجهها نظام السيسي؛ إذ هو يعزّز قبضته على الحكم وينقل مصر من حكم استبدادي ليبرالي إلى حكم استبدادي كامل. غير أنه لاحظ أنه لا يمكن تحديد متى سيواجه التحديات، وذلك بسبب مرونة تلك الأنظمة تاريخيًا.