Author Search

​أستاذ متخصص في الفلسفة السياسية والأخلاقية الحديثة والمعاصرة في كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في معهد الدوحة للدراسات العليا. 

منير الكشو
محمد حمشي مترئسا جلسة السيمنار
جانب من الحاضرين في السيمنار عن بعد

عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات سيمنار التحول الديمقراطي، عن بُعْد، يوم الأربعاء 21 نيسان/ أبريل 2021، واستضاف الدكتور منير الكشو، أستاذ الفلسفة السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، الذي قدم محاضرة بعنوان "النظام السياسي والديمقراطية التمثيلية في سياق انتقال ديمقراطي: تونس مثالًا".

في هذه الجلسة التي تأتي ضمن البرنامج الأكاديمي لسيمنار المركز العربي، وأدارها الدكتور محمد حمشي، الباحث بالمركز، مهد الكشو لطرحه مؤكدًا أن التوافق على شكل النظام السياسي هو أحد أصعب الخيارات السياسية التي على الشعوب الوقوف عليها في إثر الثورات. وتزداد الحال صعوبة في بلدان الربيع العربي، ومنها تونس؛ فقد جرت المداولات حول طبيعة النظام السياسي المرجو بعد إطاحة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في ظل ثقافة سياسية لم تستوعب بعد فكرة الديمقراطية، وحصرت أطروحات التغيير في تبديل الأشخاص وليس في التعديل الجذري للمؤسسات السياسية وبنية الحكم. وتكرر ذلك في عديد البلدان؛ إذ اتجه التفكير إلى الديمقراطية التمثيلية، لكن من دون إيجاد الضمانات التي تكفل صحة الديمقراطية وفاعلية المشاركة السياسية وصلابة المؤسسات وفاعلية الأحزاب السياسية وحيوية المجتمع المدني.

وإذ تمركز الجدل حول النظام الرئاسي المعدل، أو بحسب تسمية موريس دي فرجييه النظام نصف الرئاسي، حاجّ الكشو ضد فاعلية هذا النظام في إنجاز الديمقراطية في المراحل الانتقالية، واعتبره نظامًا معطِّلًا لحركة المجتمع؛ إذ يعجز عن رعاية التعددية السياسية، ويبقى معرضًا للخطر أمام الموجات الشعبوية بما يوفره من أرضية لازدهار نزوات الانفراد بالحكم وتعطيل آليات الرقابة. من هذه الوجهة، يفضّل الباحث النظام البرلماني الذي، على الرغم من صعوبة تحقيقه في بلدان خبرت لمدة طويلة نمط الحكم الفردي الاستبدادي، يوفر ضمانات تقي من عودة الاستبداد الفردي، أبرزها نجاحه في الحد من تكثيف السلطة التنفيذية وتركيزها في يد رئيس الجمهورية. ويرى الباحث أن النظام البرلماني يقوم على مبدأ قوامه أن كل سلطة تحدّ من السلطة الأخرى؛ ما يقتضي التعاون والشراكة بين السلطتين، رغم احتمال التنافر والتنافس بينهما أيضًا.



وأخذ الباحث هذا التمييز ليختبره في الحالة التونسية، حيث بقي سؤال طبيعة ونوعية النظام السياسي المرجو بعد سقوط نظام بن علي محل جدل واسع، خلال مرحلة كتابة الدستور بين عامَي 2012 و2014. لقد اعتمد دستور 2014 نظامًا سياسيًا هجينًا، وضع السلطة التنفيذية بين يدي رئيس الحكومة لا رئيس الجمهورية، وجعل رئيس الحكومة مسؤولًا أمام البرلمان الذي يملك صلاحية مراقبة الحكومة وحجب الثقة عنها، بينما لا يتدخل رئيس الجمهورية في تعيين الوزراء وفي إقالتهم؛ إذ أوكل الدستور ذلك حصرًا إلى رئيس الحكومة واشترط موافقة البرلمان. ورأى الباحث أن هذا النظام ليس بالبرلماني الصرف حيث إن رئيس الجمهورية منتخب بالاقتراع المباشر من الشعب، وليس من البرلمان، ويتمتع بصلاحيات لا يمتلكها الرؤساء في الأنظمة البرلمانية؛ إذ يمثل الرئيس الدولة ويضبط، بعد استشارة رئيس الحكومة، السياسات العامّة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية. كما يتولى الرئيس رئاسة مجلس الأمن القومي، ويتولى القيادة العامة للقوات المسلحة، ويعلن الحرب ويبرم معاهدات السلم، بعد موافقة مجلس النواب، وهو يعلن حالة الطوارئ وينهيها، ويوقع القوانين ويأذن بنشرها في الرائد الرسمي. وله كذلك سلطة حلّ مجلس النواب والدعوة للانتخابات، وله حق التعيين في بعض المناصب العليا الدبلوماسية والعسكرية بعد استشارة رئيس الحكومة، فضلًا عن وظائف أخرى. لكن في مقابل هذه الصلاحيات، لا يتمتع رئيس الجمهورية في دستور تونس 2014 بصلاحيات تنفيذية كبيرة على المستوى الداخلي؛ إذ تظل المهمات التنفيذية الكبرى المتعلقة بتسيير أجهزة الحكومة من مهمات رئيسها الذي يمارس سلطاته تحت رقابة البرلمان.

وعرج الباحث على بعض ملامح النقاش حول طبيعة النظام السياسي في المرحلة التأسيسية، وبخاصة ما دار بين فقهاء القانون الدستوري والنخب السياسية والفكرية. وفي هذا السياق، أوضح أن الساحة السياسية شهدت انقسامات بين من يدافعون عن النظام الرئاسي باعتباره الأفضل للاستقرار السياسي للبلاد وللديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ولتحقيق مطالب الثورة من عدالة وحرية وكرامة، وبين من يرون أن هذا الشكل من الأنظمة لا يتواءم مع ديمقراطية ناشئة وأنه بتركيزه جل السلطات بين يدي رئيس البلاد يعبّد الطريق لعودة الاستبداد من جديد. وقد حُسم الخلاف لصالح النظام السياسي البرلماني المعدّل.

كما أضاف الباحث أبعادًا ضمن هذا الجدل تخص الهندسة الانتخابية، والعلاقة بين السلطة المركزية ومستوى الحكم المحلي وما تعلق بتطبيق نظام اللامركزية. وبخصوص الانتخابات، أشار إلى أن نظام الاقتراع على القوائم وفق قاعدة النسبية، والذي طبق في تونس، له بعض المزايا، وبخاصة إدخال ممثلين عن قطاعات المجتمع المهمشة، والتي لم يكن أن تتوافر لها قاعدة تمثيل عبر نظام الاقتراع الفردي. كما أقرّ الدستور قاعدة التناصف (نساء/ رجال) الأفقي في الانتخابات التشريعية، ثم العمودي والأفقي في الانتخابات البلدية، وضمن تمثيل ذوي الاحتياجات الخاصة والشباب دون سن الخامسة والعشرين، على نحو ما حدث في الانتخابات البلدية. لكن يظل المشكل، في نظر الباحث، في هذا النمط من الاقتراع، أنه لا يُمكّن من إفراز أغلبية وازنة داخل مجلس نواب الشعب، ويفضي في أكثر الأحيان إلى تركيبة فسيفسائية ومتشظية. وأشار إلى أن الانتخابات التشريعية الأخيرة 2019 أفرزت مشهدًا برلمانيًا مجزّأ، جعل من الصعب على حركة النهضة تشكيل حكومة؛ لذلك طرحت بشدة قضية تعديل القانون الانتخابي. وقد برز في هذا الصدد مقترحان كبيران: الأول يعتبر أن الفاعلية والاستقرار السياسي والأمن مقتضيات عاجلة، يقتضي تحقيقها اعتماد نظام الانتخاب الفردي وفق قاعدة الأغلبية، لتتشكل أغلبية قادرة على تكوين حكومة مستقرة وفاعلة. أما الثاني، فقد دافع عن نظام الاقتراع وفق القوائم النسبية، ونجاح مبدأ التناصف في الانتخابات البرلمانية والبلدية. وأشار إلى أن أغلب الحلول المطروحة لتجاوز مشكلة التشظي البرلماني تطرقت إمّا إلى تعديل القانون الانتخابي في اتجاه منح الحزب الفائز الأوّل هبةً تتمثل في عدد من المقاعد تكون في حدود 30 في المئة من عدد مقاعد البرلمان تمكنه من تشكيل حكومة، وإما بإدخال عتبة انتخابية ما بين 5 و10 في المئة.

أكد الباحث أن إشكال الانتخابات في تونس كامن في عدم اكتمال المنظومة السياسية والقانونية؛ من ذلك أن المحكمة الدستورية لم تتشكل بعد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى هيئات مستقلة أخرى نصّ عليها الدستور مثل هيئة الحَوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وهيئة الاتصال السمعي البصري. وهي هيئات ذات صلة بالعملية الانتخابية. وطرح الباحث ضرورة إحياء نص القانون الانتخابي في صيغته المعدّلة، والذي يقر عتبة 3 في المئة، ويحظر أيضًا ترشيح من يروّج لخطاب الكراهية والعنصرية ويحرّض على العنف، وكذلك من يوظّف العمل الجمعياتي والخيري لأغراض سياسية. وقد أكد ضرورة الإسراع بتأسيس هيئة الاتصال السمعي البصري وإعمال قواعدها بخصوص القنوات والإذاعات التي تمارس الدعاية السياسية.

وفي سياق تناول علاقة السلطتين المركزية والمحلية، أشار الباحث إلى أن الباب السابع من الدستور التونسي وضع إطارًا للامركزية، لكنه لا يزال معطلًا الآن رغم صدور مجلة الجماعات المحلية؛ إذ باستثناء الانتخابات البلدية التي أجريت في 2018 لم يقع انتخاب مجالس بقية السلطات المحلية، وهي الأقاليم والجهات، ولم تتوضح بعد آليات نقل السلطات إليها. وبيّن الباحث خطأ اعتقاد من يطرحون المخاوف من هذا النظام ويزعمون أنه يضر بوحدة الدولة؛ فتطوير الإدارة المحلية يُمكّن الجماعات المحلية من مسؤولية الحكم والتدبير الذاتي في نطاقها، وبما يخفف العبء على السلطة المركزية، مبقيًا للمركز الدور الرقابي من خلال الهيئات الإدارية الرقابية المختصة وكذلك القضاء.

وبعد أن اختتم الكشو عرضه، فتح مدير الجلسة الباب للنقاشات وتعليقات المشاركين في السيمنار، سواء عبر تطبيق زووم أم عبر منصات التواصل الاجتماعي للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.