Author Search
باحث في المركز العربي ورئيس تحرير دورية "سياسات عربية"، 
حيدر سعيد محاضرًا في سيمنار المركز العربي عن ثورة العشرين في العراق
حيدر سعيد
آيات حمدان

استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 30 كانون الأول/ ديسمبر 2020، الدكتور حيدر سعيد، مدير قسم الأبحاث في المركز العربي، ورئيس تحرير دورية "سياسات عربية"، الذي قدّم محاضرةً عنوانها "قبل أن تطوي المئوية صفحتها: ثورة العشرين وصراع الذاكرة في العراق".

أبرز سعيد، في مستهلّ محاضرته، أنّ مشروعه البحثي ليس عن ثورة العشرين في حدّ ذاتها، التي شهدتها مناطق مختلفة من العراق ضد الاحتلال البريطاني في عام 1920، أو في أسبابها ومسبباتها، وإنما عن الخطاب عن الثورة، في روايتها والكيفية التي قدمت ورسمت بها صورتها، ولمَ كان هناك نزاع حول روايتها. فالبحث هو دراسة في رواية الثورة في منطقها الداخلي، وليس قياسًا على "حقيقة" خارجية معيارية، وتوازنات القوى التي تحكمت في هذه الرواية، بحيث أخرجتها بهذا الشكل. ومن ثم، فهو لا يبتغي الوصول إلى "الحقيقة": حقيقة الثورة وما جرى فيها، وذلك ليس من منطق عدمي، بل لأن الرواية، والصراع عليها، وتوازنات القوى التي تحكمت فيها، لا تقل أهمية عن الثورة في وقائعها الفعلية، إن لم نقل إنها أهم؛ بما أنّ الرواية هي ما وجّه المجريات اللاحقة، بالقدر نفسه الذي فعلت به الوقائعُ الفعلية. والحديث جارٍ عن سردية تأسس عليها الحكم الوطني في العراق، بحسب ما تقول أدبيات الثورة والأدبيات المؤسسة للعراق الحديث؛ فالتاريخ لا تحركه الوقائع الفعلية فقط، بل يحرّكه التأويل أيضًا.

ثم أبرز الباحث أنه حين تبدأ كتابةُ تاريخ الثورة، وتجري إعادة تقطيع للكم الكبير من الوقائع والمعطيات، يجري النظر إلى هذا الخطاب في كثير من الأحيان في ماهيته الخطابية المحضة، ويعود ليحمل كل السمات الثابتة للخطاب، لا بوصفه جزءًا من الواقع، بل عاكسًا له. وهكذا، يوضع الخطاب الذي كان ممتزجًا بالفعل الثوري في مصاف الخطابات التي أُنتجت بعد الثورة. وفي بعض الأحيان، وبسبب عدم تطابق بين مكونات الثورة أو بعضها، يُنظَر إلى الخطاب لا بوصفه مبدعًا لمعنى الثورة، بل ناقلًا وعاكسًا له، وقد يكون فشل أو تعثّر في هذه المهمة.

وفي تناوله تدوين تاريخ ثورة العشرين، بوصفه تأويلًا محضًا، خصص حيدر سعيد جزءًا مهمًا من حجاجه لرواية المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني (1903-1997)، في كتابه تاريخ الثورة العراقية (1935)، الذي يكاد يكون، بحسب الباحث، أول مؤلّف مستقل عن ثورة العشرين. وأبرز سعيد أنّ إغفال الحسني بعض الأدبيات حول ثورة العشرين التي سبقته ربما يرتبط بشعوره بأنّ الثورة العربية الكبرى والمنتسبين إليها من الطبقة السياسية العراقية متورطون في ما اشتكى منه في صدر الكتاب، من أنّ الثورة العراقية نُسبت إلى غير أبنائها.

ثم بيّن الباحث أنّ ذكر الثورة العربية الكبرى، في ثلاثينيات القرن العشرين في العراق، ونقدها والتقليل من شأنها، ليست أمورًا عادية؛ فالثورة العربية الكبرى من "الأساطير المؤسسة" للدولة العراقية الحديثة، بما أنّ ثورة العشرين، التي أفضت إلى الحكم الوطني، بحسب ما تجمع الأدبيات العراقية، هي امتداد للثورة العربية. ومن ثم، فهو يرى أنّ محاولة الحسني فكّ علاقة الثورة العراقية بالثورة العربية، في معناها الأبعد والصريح، هي محاولة لفك استحواذ الطبقة الحاكمة في العراق على مأثرة الثورة العراقية. وهو يعود في ذلك إلى كتاب محمد مهدي البصير تاريخ القضية العراقية الذي صدر في عام 1923، والذي يتحدث عن العوامل التي أدّت إلى ثورة العشرين، وينظّر من خلالها للتأثير الكبير للثورة العربية في ثورة العشرين.

ويتوقف الباحث عند كتاب أحد شيوخ الفرات الأوسط، وهو كتاب الحقائق الناصعة في الثورة العراقية (1952)، لفريق المزهر الفرعون، الذي يدافع عن الهوية العشائرية للثورة. ويخلص الباحث إلى أنّ الصراع على رواية ثورة العشرين يرتبط بالمخاض الطويل لعملية التحديث، المركزي الطابع، الذي تقوده الدولة، وهي تحاول بسط سيادتها وسيطرتها على سائر المؤسسات المجتمعية التقليدية. وفي عملية الشد والجذب هذه، محاولة السيطرة ومحاولة المقاومة، تُستعمَل مختلف الأدوات، ومنها الذاكرة. وقد كانت رواية ثورة العشرين بمنزلة رأس المال الرمزي، الذي تشهره العشائر في مواجهة التحديث الدولتي، بفهم أنّ الثورة التي أفضت إلى قيام الدولة الوطنية هي منجز عشائري. ولذلك، كان الصراع على رواية الثورة ينتعش في لحظات التوتر بين العشائر والدولة، في أواسط الثلاثينيات، وفي مطلع الخمسينيات.

وقد أعقب المحاضرة نقاش ثريّ، شارك فيه الباحثون في المركز العربي، وأساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا وطلبته، وأساتذة باحثون من ربوع الوطن العربي وخارجه، كما شارك فيه جمهور المتابعين عبر وسائط التواصل الاجتماعي.