رئيس المركز الأكاديمي للدراسات الاجتماعية. حاصل على دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة محمد الخامس بالرباط. يهتم بالنظرية الاجتماعية وعلم اجتماع التنظيمات وإثنوغرافيا البيئة وفلسفة العلوم الاجتماعية.
استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 3 آذار/ مارس 2021، الدكتور حسن أحجيج، الباحث والمترجم في علم الاجتماع والنظريات النقدية، ورئيس المركز الأكاديمي للدراسات الاجتماعية في القنيطرة بالمغرب، الذي قدّم محاضرةً بعنوان "التحديات البيئية للنظرية الاجتماعية الأرثوذوكسية: من أجل خيال سوسيولوجي جديد".
أبرز الباحث في محاضرته أنّ ثنائية "طبيعة – ثقافة" شكّلت القاعدة التي ارتكز عليها الجزء الأكبر من التفكير السوسيولوجي منذ نشأته في نهاية القرن التاسع عشر، وأنّ هذه الثنائية تركت في أغلب الأحيان انعكاسات قوية، غير معترف بها، على مناهج البحث وأسسه الإبستيمولوجية، بما في ذلك فصل العلوم الطبيعية عن العلوم الاجتماعية على المستويين الفكري والمؤسساتي. ولذلك، يعدّ الباحث أنّ تطوير نظرية اجتماعية تدمج الأبعاد الطبيعية والثقافية في إطار عمل بارادايمي واحد وواسع أصبح أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، وأنه لا يكفي فقط تطوير مقاربات جديدة تتضمن في بنائها النظري الطبيعة باعتبارها البعد المهمل للوجود البشري، كما لا يكفي تطبيق النظريات الاجتماعية الموجودة على الطبيعي.
في سبيل ذلك، يرى الباحث أنّ مجرد تطبيق النظريات والمقاربات الحالية على دراسة الظواهر المرتبطة بالطبيعة ليست طريقة مرضية لبناء معرفتنا بالطبيعي كعامل سببي في حياتنا الاجتماعية. وبدلًا من ذلك، يرى أنه يتعين علينا تطوير أشكال من الفهم تستوعب المكانة الفريدة التي تشغلها الطبيعة ضمن محددات السلوكات الاجتماعية، وأنه يجب الاعتراف بأن للطبيعة فاعليتها الخاصة التي تمنحها القدرة على تحويل البيئة الاجتماعية التي تتفاعل معها، ويجب إدماجها في النظريات بأكبر عمق ممكن.
في المقاربة الموسومة بالطموح التي يقترحها الباحث في هذا المشروع البحثي، من شأن التفسير السوسيولوجي أن يكون أفضل إن تخلص من الاشتغال داخل المصفوفة المفاهيمية الموروثة عن فلسفة الأنوار، والتي تقيم فصلًا صارمًا بين الطبيعي والاجتماعي، وكذا إن تجنب منح أسبقية كشفية لأحدهما على حساب الآخر. ذلك أنّ الخصائص الفيزيائية والحياة الاجتماعية لوضعية ما إنما هي، بالنسبة إلى الباحث، نتاج لما يسمى "التكوين المشترك" الذي بمقتضاه تقوم إحدى الخصائص ببناء الأخرى؛ ولذا، فإنه من دون إحراز تقدم في تحقيق هذه الأفكار، سنخاطر بتشويه رؤيتنا بواسطة تعريفاتنا البديهية المتفق عليها اجتماعيًا، والقائمة بالأساس على ثنائية طبيعة – مجتمع؛ ومن ثمّ سنخاطر بتعريض أنفسنا لأن نكون سجناء معرفتنا الظنية.
في هذه المساهمة، "يرافع" الباحث من أجل خيال سوسيولوجي جديد، ينتقل من المطالبة بربط البيوغرافيا بالتاريخ، كما هو الحال بالنسبة للخيال السوسيولوجي لرايت ميلز، إلى المطالبة بإقامة علاقة إبستيمولوجية ومنهجية بين البيوغرافيا والتاريخ من جهة (الاجتماعي)، والعالم المادي من جهة أخرى (الطبيعة). ومن ثمّ، فهو يحاجج بأنّ بناء استراتيجية تحليلية ملائمة للحياة الاجتماعية في ظل التهديدات البيئية مشروط بدمج العنصر الطبيعي بشكل إبستيمولوجي في المقاربات الاجتماعية العلمية، مع مراعاة عدم السقوط في النزعة الاختزالية للكيانات الاجتماعية، والكيانات الطبيعية، والكيانات الهجينة (التي يسميها برونو لاتور "أشباه الأشياء").
أبرز الباحث المغربي أنّ مقاربته للعلاقة بين المجتمع/ الثقافة والبيئة/ الطبيعة تقوم على مبدأين: أولًا، الدعوة إلى إعادة النظر في الطريقة التي يتم بها تحصيل معرفة علمية ملائمة للحياة الاجتماعية في ظل التحولات البيئية الكبرى والاهتمام الواسع بها (أي شروط إمكان معرفة اجتماعية علمية صادقة). ثانيًا، تجنب التناظر الأنطولوجي بين الظاهرة الاجتماعية والظاهرة الطبيعية.
وقد أعقب المحاضرة نقاش ثريّ، شارك فيه الباحثون في المركز العربي، وأساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا وطلبته، وأساتذة باحثون من ربوع الوطن العربي وخارجه، كما شارك فيه جمهور المتابعين عبر وسائط التواصل الاجتماعي.