Author Search
أستاذ تاريخ إيران والشرق الأوسط المعاصر في جامعة قطر. عمل خبيرًا
متخصصًا في قضايا إيران والشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية
Author Search
أستاذ زائر في معهد الدوحة للدراسات العليا. مؤرّخ وفيلسوف ثقافي وناقد أدبي إيراني ـ أميركي، وأستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأميركية.
المتحدثون خلال السيمنار
حميد دباشي
من قاعة السيمنار
محجوب الزويري
مروان قبلان

عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يوم الأربعاء الموافق 3 كانون الثاني/ يناير 2018 ندوة بعنوان "الأعمال الاحتجاجية في إيران: خلفياتها وآفاقها"، شارك فيها الأستاذ الزائر في معهد الدوحة للدراسات العليا حميد دباشي، وأستاذ التاريخ في جامعة قطر محجوب الزويري، وأدار الندوة مدير وحدة تحليل السياسات في المركز العربي مروان قبلان.

استهل قبلان الندوة بالإشارة إلى عشر ملاحظات أساسية تساعد في فهم الأعمال الاحتجاجية في إيران، يتمثل أولها في أن ما يجري في إيران ليس ثورة بعد، لكنه قد يصبح ثورة إذا انخرطت فيها شرائح اجتماعية أوسع خاصة من الطبقات الوسطى. ثانيًا، أن انتشار الاحتجاجات أوسع مقارنة باحتجاجات عام 2009، لكن عدد المشاركين فيها أقل. ثالثًا، يتركز جمهور هذه الاحتجاجات على الطبقات المهمشة والفقيرة، في حين تغيب مشاركة واسعة من الطبقة الوسطى حتى الآن، وذلك على عكس احتجاجات عام 2009. رابعًا، تتسم الاحتجاجات بأنها بلا قيادة سياسية أو دعم من أي تيارٍ سياسي حتى الآن، على الرغم من أنها بدأت بتحريض من صقور المحافظين، لكنهم تبرؤوا منها بعد أن بدأت تخرج عن الإطار المرسوم لها في إضعاف الرئيس حسن روحاني وحكومته. خامسًا، عكست الاحتجاجات انقسامًا شديدًا بين التيارات السياسية في إيران حول قضايا سياسية واقتصادية مختلفة. سادسًا، يغيب الإصلاحيون تمامًا عن المشهد الاحتجاجي، ولهذا يبدو أن الصراع حاليًا يدور داخل المعسكر المحافظ. سابعًا، يشارك في الاحتجاجات الراهنة قوى من خارج النظام، إذ يلاحظ وجود شعارات لأنصار الملكية، ومجاهدي خلق، كما لوحظ وصول الاحتجاجات إلى المناطق الطرفية ذات الأغلبية غير الفارسية من عرب وكرد وبلوش وآذريين، وذلك على عكس احتجاجات عام 2009. وثامنًا، يلاحظ اختلاف الشعارات الاحتجاجية بحسب المناطق التي يخرج منها المحتجون، ما يعني أن ثمّة اختلافًا واضحًا في الأولويات والاهتمامات والأهداف لدى المحتجين وعدم وجود إطار ناظم ومحرك للاحتجاجات، وبعبارة أخرى، ليس هناك تنظيم يقود الاحتجاجات ولا ما يشير إلى وجود تحالفات تعكس وحدة الأهداف بين المحتجين. تاسعًا، باتت البيئة الإقليمية والدولية أكثر استعدادًا لدعم الاحتجاجات، فأعداء النظام اليوم أكثر بسبب تعاظم تدخلات إيران في المنطقة، وهذا يحفز بعض الدول على خوض معركة تهدف إلى تغيير النظام، وخاصة لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على عكس توجه إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.

وأخيرًا، فإن حجم الاهتمام العالمي بالاحتجاجات كبير جدًا؛ ما يؤكد على أهمية إيران، فأي تغيير هنا سيكون له تأثير في كامل المشهد الجيوسياسي الإقليمي، مع الأخذ في الاعتبار طبيعة التحالفات التي تربط روسيا بإيران، وتعاونهما في أكثر من ملف خاصة في سورية وأفغانستان، والتقارب الكبير في العلاقات الصينية - الإيرانية، بحكم موقع إيران الكبير في "مشروع الحزام والطريق"، والتقارب أيضًا بين إيران وباكستان نتيجة العداء الأميركي للطرفين، فضلاً عن تأثير ذلك في تركيا والموضوع الكردي. إن اهتزاز النظام في إيران سيكون حدثًا عالميًا بامتياز لجهة التأثير والتداعيات، وقد يؤدي إلى تصدعات ومواجهات كبرى.

أما دباشي فانطلق في مداخلته من أن إصدار أحكام سريعة على مصير الاحتجاجات الأخيرة في إيران مسألة معقدة، إذ إنها تحتمل سيناريو الإخفاق مثلما حصل مع الحركة الخضراء في عام 2009، أو سيناريو ارتفاع وتيرة الاحتجاجات المؤدية إلى تغييرات جوهرية كما حصل في الثورة الإسلامية في عام 1979؛ خصوصًا أن المتتبع للصيرورة التاريخية لتطور الأحداث منذ الثورة الدستورية التي اندلعت في عام 1906 يلاحظ بأن إيران تشهد احتجاجًا كل عشرة أعوام، واستمرت هذه الاحتجاجات منذ الثورة الإسلامية، حيث شهدت البلاد في عام 1988 احتجاجات على التعديلات الدستورية، وفي التسعينيات احتجاجات طلابية، ومن ثم جاءت الحركة الخضراء عام 2009.

وشدد على أن تكرار الاحتجاجات في إيران لا يمكن فصله عما يحصل في المنطقة العربية التي تشهد ثورات منذ عام 2011، ورأى أن المدخل الرئيس لحالة الاحتجاجات التي تشهدها المنطقة وإيران يمكن فهمها في سياق حالة الفشل الذي تواجهه الدولة الأمة (Nation-State) في الشرق الأوسط، فهذه الدولة جاءت على أنقاض سقوط ثلاث إمبراطوريات إسلامية ومتبوعة بتوسع الاستعمار الأوروبي.

وأشار دباشي إلى أربعة عوامل رئيسة تساعدنا في فهم الاحتجاجات وتحليلها، الأول أن عدد المتظاهرين أقل مما هو عليه في احتجاجات الحركة الخضراء، والثاني أن الطبقة الفقيرة تتصدر مشهد الاحتجاجات الإيرانية، وهذا يدعونا للقول إن الفقر دافع رئيس فيها، والثالث غياب الطبقة المتوسطة حتى الآن، ويتمثل العامل الرابع في تأثير السياق الجيوسياسي والإستراتيجي والتدخلات الإيرانية في المنطقة العربية.

ورأى دباشي أن هذه العوامل تتشابك مع الشعارات التي انتشرت في الاحتجاجات الأخيرة، وهي شعارات تطالب بتحسين الحالة الاقتصادية للطبقة الفقيرة، وشعارات ضد الفساد الذي يصيب النظام السياسي، فضلًا عن خليط من الشعارات ذات البعد العنصري ضد العرب والرافضة للتورط في الشؤون العربية. وأشار إلى أن الاحتجاجات في هذه المرحلة تفتقر إلى سردية واضحة، ولهذا تستند في الأغلب إلى كراهية عمياء واحتجاجات غير منظمة، وهذا لا يعني أن الاحتجاجات تفتقر إلى شرعية محقة ومبررة، إلا أنها حتى اللحظة من دون أي اتجاه واضح، فغياب الصحافة الحرة يؤدي إلى الاعتماد على شعارات المحتجين من أجل فهم طبيعة الحالة الاحتجاجية وسياقها وبواعثها، خصوصًا أن السرديات التي اعتمدت عليها إيران من أجل تبرير تدخلها في المنطقة وسرديتها لمواطنيها قد نفدت وأضحى النظام غير قادر على توظيفها لخدمة مصالحه.

وارتكز دباشي في الشق الثاني من مداخلته على مجموعة المؤشرات الاقتصادية، من بينها البطالة، والفقر، والتضخم، ورأى أن هذه المسائل غير منفصلة في الاحتجاجات الأخيرة عن مسألة التوسع العسكري الإيراني في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وأن ذلك أضحى أكبر من قدرة الدولة وطاقتها، فإيران تستغل الأزمات التي تندلع في المنطقة ولا تصنعها، وذلك ما حصل في أفغانستان والعراق ولبنان وسورية واليمن، على الرغم من كون الأطماع التوسعية في اليمن يتم المبالغة فيها في بعض الأحيان، واعتبر سورية إحدى الأزمات المهمة التي دفعت إيران إلى اتباع إستراتيجية الدفاع عن وجودها في المنطقة.

وقدم دباشي في الشق الأخير من مداخلته قراءة تاريخية ارتكزت على ثلاث محطات رئيسة تساعد في فهم مسار الاحتجاجات الإيرانية، تبدأ في عام 1979 ببروز الأيديولوجيا القومية المعادية، والمضادة للاستعمار، والإسلام الثوري (Militant Islamism)، ورأى أن النظام الإيراني استغلها من أجل تصفية خصومه السياسيين عن طريق الإعدامات الجماعية والاعتقالات الواسعة النطاق لخصومه والمثقفين وطلبة الجامعات، في مقابل فرض أيديولوجيا ثقافية أسهمت في وضع أرضية لتبرير ممارسات النظام. وثانيًا، شكلت السنوات الثماني لحكم الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني 1989-1997، بداية لدخول الاقتصاد الإيراني مرحلة الليبرالية الاقتصادية، التي أسهمت في تكوين طبقة مستحدثة من الأغنياء (Nouveau Riche)، واستكمل الرئيس محمد خاتمي 1997-2005 هذه المرحلة في التحول إلى فترة الإصلاح الاقتصادي والسياسي، التي سعى من خلالها إلى تقديم إصلاحات تهدف إلى تلبية طموحات الطبقة الاجتماعية الجديدة (بقايا الطبقة المتوسطة المرتبطة بالنظام) من أجل فرض مزيد من الإصلاحات النيوليبرالية. وثالثًا، شكلت فترة الولاية الثانية للرئيس محمود أحمدي نجاد 2009-2013، مرحلة مهمة في التحول في الخطاب السياسي نحو الميل إلى الطبقات الفقيرة والمهمشة، إذ تشير الأرقام إلى أن تلك الطبقات هي التي صوتت له ودعمته في الانتخابات الإيرانية.

ورأى دباشي أن الأزمة الحالية هي عبارة عن عاصفة كاملة (Perfect Storm)، نظرًا إلى وجود نظام مصاب بعمى أيديولوجي، ويدفع فاتورة تداعيات سياسات اقتصادية نيوليبرالية أدت إلى إفقار طبقات واسعة من المجتمع وشكلت ضغطًا كبيرًا على الطبقة الفقرة، فضلًا عن توسع عسكري إيراني في المنطقة العربية والشرق الأوسط. وبهذا تكون إيران قد بلغت مداها أو تعدت قدرتها وطاقتها المحلية والإقليمية والدولية، إلى جانب بروز حركة إصلاحية قد تشكل بديلًا من النظام، وبالكاد هي متورطة في جزء من عوامل فشل الدولة. ويختتم مداخلته بالتأكيد على استبعاد التدخلات الخارجية في الاحتجاجات، وعلى صعوبة التنبؤ بمستقبل الأحداث في إيران، إلا أنه يرى أننا أمام سيناريوهين متعاكسين، الأول أن تهدأ الأحداث وتتراجع وتيرتها كما حصل في الاحتجاجات في عام 2009، والثاني خروج الحرس الثوري الإيراني عن صمته والتوجه إلى الشوارع من أجل تغيير موازين القوى الداخلية على نحو جذري.

يشترك الزويري في مداخلته مع التأطير النظري والتاريخي الذي قدمه دباشي، بأن إيران تشهد في كل عقد ظاهرة احتجاجية شعبية بدأت منذ الثورة الدستورية في عام 1906 وصولًا إلى الثورة الإسلامية عام 1979، وأن تراكم الاحتجاجات الشعبية أدى في نهاية المطاف إلى تغيير جوهري. ولهذا، فإن هذه الاحتجاجات قد لا تقود بالضرورة إلى تغيير جوهري، لكنّ ثمة تراكمًا في الاحتجاجات يمكن أن يقود إلى تحقيق التغيير، ويستدل على ذلك بالاحتجاجات الدستورية في الثمانينيات والاحتجاجات الطلابية في التسعينيات والحركة الخضراء في عام 2009.  

ارتكز الزويري في مداخلته على مدخلين، الأول اجتماعي اقتصادي، ذلك أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال العقدين الأولين للثورة الإسلامية قامت على أكتاف الطبقة الفقيرة التي صنعت منهم طبقة متوسطة، ثم ما لبثت أن حولت الطبقة المتوسطة إلى طبقة فقيرة في العقدين الأخيرين، ويستدل على ذلك بأن أكثر من أربعين مليون إيراني يعيشون اليوم تحت خط الفقر، في المقابل حافظ النظام في سياساته على جزء من الطبقة المتوسطة المرتبطة بالنظام السياسي والتي تسعى لخدمة أهدافه ومصالحه.

وشدد على أن النظام الإيراني بركائزه الاجتماعية والاقتصادية، بات أمام خطر حقيقي، فالاستثمار في الطبقة الوسطى على مدار الأعوام الماضية، أضحى غير مفيد لحماية النظام السياسي، ومن جهة أخرى، فإن ارتفاع معدلات عدم التدين في المجتمع تشير إلى فشل الخطاب الديني الذي تقوم عليه شرعية الجمهورية الإسلامية، فضلًا عن ارتفاع معدلات التضخم الاقتصادي خلال الشهر الأخير من 8.3% إلى 9.7%، عدا عن ارتفاع معدلات البطالة خصوصًا لدى النساء، فمؤشرات البطالة غير الرسمية تشير إلى 24% وليس 12.3% كما يدعي النظام الإيراني. وبيّن أن فشل الدولة الريعية بسبب الاعتماد على النفط وفشل إقرار تشريعات جديدة لتحقيق التنويع الاقتصادي كان الضربة القاصمة لتوسع معدلات الفقر والبطالة.

وفي المدخل الثاني، ركز الزويري على الفواعل داخل النظام الإيراني، ولهذا فإنه رأى أن غياب القيادة السياسية والدينية والإعلامية، يمكن تفسيره بطريقتين، أن هذه الطبقة ليست متضررة من السياسات الاقتصادية للدولة، أو أنها تتابع تطور الأحداث قبل اتخاذ موقف محدد. فضلًا عن ذلك، رأى ضرورة البحث في أسباب غياب قيادات الحرس الثوري الإيراني وعدم تدخلها في الاحتجاجات الأخيرة، وأشار إلى أن المؤسسة العسكرية منذ انتهاء الفترة الرئاسية للرئيس أحمدي نجاد، بدأت تخشى على مكانتها في المشهد السياسي الإيراني، وأن الحرس الثوري سيتدخل حالما تبدأ الأمور بالخروج عن نطاق السيطرة. وشدد على أن تبرير "البروباغندا" الإعلامية للنظام الإيراني لسياساته في سورية ولبنان وغزة واليمن على أنها مصالح إيرانية، أضحى من دون أذانٍ صاغية في الداخل الإيراني، وأن ذلك سينعكس على سياسات النظام بالتراجع عن التدخل في شؤون دول المنطقة العربية في حال استمرار هذه الاحتجاجات. واختتم مداخلته بالتعليق على مسألة الدور الخارجي؛ إذ إن ما يحصل في إيران يعود إلى عوامل وبواعث داخلية وليست خارجية، وأن التدخل الخارجي من شأنه أن يقتل الحراك الداخلي، كما حصل في عام 2009.