Author Search
أستاذ العلوم السياسية المشارك في برنامج العلوم السياسية والعلاقات الدولية بمعهد الدوحة للدراسات العليا. 
من السيمنار
خليل العناني
محمد حمشي مترئسا جلسة السيمنار
جنب من المشاركين في السيمنار عبر تطبيق الفيديو عن بعد

استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في يوم الأربعاء 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، الدكتور خليل العناني، الباحث بالمركز العربي - فرع واشنطن، وأستاذ العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، الذي قدم بحثًا جديدًا له بعنوان "أمننة الديمقراطية: الديمقراطية بوصفها تهديدًا أمنيًّا للسلطويات العربية: مصر نموذجًا". بدأ العناني عرضه للموضوع بإبراز أحد التحديات البحثية الراهنة المتعلقة بتعثّر موجة الربيع العربي وفشلها في إنتاج أنظمة ديمقراطية مستقرة، وهي المرتبطة بفهمنا لخطاب النظم السلطوية العربية، وتصويره الديمقراطية بوصفها تهديدًا أمنيًا وخطرًا وجوديًا على المجتمعات العربية، على نحوٍ يسوّغ لهذه النظم ممارساتها القمعية وانتهاكها حقوق الإنسان.

في البداية، وصف العناني هذه الممارسات بأنها عملية ممنهجة تستهدف تشويه وعرقلة مساعي تحقيق الانتقال الديمقراطي، واستدل على ذلك بتكرار المسلك ذاته في عديد الأنظمة السلطوية العربية، وتجلّيه في خطاباتها وممارساتها، حتى تلك التي لم تشهد بلدانها ثورات. طرح الباحث حالة مصر تحت الحكم العسكري حالةً للدراسة، وتتبّع دور ما سماه "الأصولية السلطوية" في مصر، وسعيها إلى ترسيخ مفهوم سلبي للديمقراطية، يغيّر طبيعتها من مسألة سياسية، قوامها الحوار والتفاعل، إلى قضية "أمنية" بحتة. وانطلاقًا من هذه المخاتلة المفهومية، تم بناء خطاب كامل صوّر الديمقراطية تهديدًا وجوديًا للدولة المصرية، ومعه جرى تسويغ توظيف النظام العنف في مواجهتها، وتوسيعه قاعدة القمع لتشمل الحركات والتيارات المطالبة بالتغيير كافة، بغضّ النظر عن تمايزاتها الأيديولوجية والحركية.

قارب العناني هذا المسلك في الحالة المصرية بما نراه في الحالة السورية، وأشار إلى مسعى نظام الأسد إلى تشويه الثورة ضده، وتبنّيه منذ البدايات سرديتَي الإرهاب والمؤامرة الخارجية بغية تبرير قمعه وعنفه تجاه المتظاهرين. ومن ثم كان المآل عسكرة الثورة وتحويلها من محاولة جادة لتغيير النظام إلى وجهة ديمقراطية لتصير حربًا أهلية لم تشهد لها المنطقة العربية مثيلًا. فبمثل ما جرى لمفهوم الديمقراطية، جرى تحويل الثورة، مفهومًا وممارسةً، من مسألة سياسية، تعكس مطالب وتطلعات مشروعة نحو الإصلاح والتغيير، إلى "معضلة أمنية" لا يمكن التعامل معها إلا بمنطق القوة والعنف السلطوي.

في ضوء هذه الملاحظات، عرّج الباحث على مفهوم الأمننة Securitization مبيّنًا إمكانية توظيفه تحليليًا لفهم عدد من الظواهر المتعلقة بتعثر الانتقال الديمقراطي وإعاقة الإصلاح في العالم العربي منذ عام 2011، وبخاصة في نواحي الإعلام والممارسة السياسية والحرب على الإرهاب والإسلاموفوبيا وغيرها. وبيّن الباحث أن مفهوم الأمننة قد نشأ في حقل العلاقات الدولية، وأفاد من أطروحات مدرسة كوبنهاغن التي سادت خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي حول القضايا الأمنية، من ثم جرى استحضاره واستخدامه في حقول معرفية أخرى كحقل السياسة المقارنة.


استعرض العناني أبعاد المفهوم مبينًا صلاحيته بوصفه مرتكزًا لإطار تفسيري يعين على فهم مواقف السلطويات العربية من مسألة الديمقراطية في مرحلة ما بعد الربيع العربي. وطبّق هذا الإطار في تفسير تحولات مفهوم الأمن القومي لدى النظم السلطوية، وكيف انتقل من التركيز على التهديدات الخارجية إلى التمحور حول التهديدات الداخلية، وبخاصة مسألة الديمقراطية. وأوضح جوانب تطبيقه على فرضية مفادها وجود علاقة بين أمننة مسألة الديمقراطية من جهة، وترسيخ السلطوية من جهة أخرى، طارحًا أنه كلما جرت أمننة الديمقراطية، بتصويرها تهديدًا أمنيًا يستهدف النيل من استقرار الدولة والمجتمع، نجحت الأنظمة السلطوية في ترسيخ سلطتها وإدامة بقائها في السلطة ووجدت المسوغ لسياساتها القمعية. وبيّن الباحث كيف أن سعْي النظام المصري الحالي إلى "أمننة الديمقراطية" بتحويلها إلى مسألة أمنية محض، عمل بوصفه مرتكزًا في صناعة شرعية هذا النظام. ولا زالت أبرز مبررات انقلاب تموز/ يوليو 2013، من وجهة نظر داعميه، هو حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تسببت فيها الأزمة السياسية التي وقعت بين القوى السياسية وجماعة الإخوان المسلمين بعد وصول الأخيرة إلى السلطة منتصف عام 2012.

توسل الباحث منهجية تحليل الخطاب النقدي من جهة، ودراسة الحالة من جهة أخرى، ليكشف الأدوار على مستويَي الخطاب والممارسة التي أسهمت في خلق حالة "أمننة الديمقراطية" في مصر؛ والتي من خلالها جرى تبرير عمليات القتل خارج إطار القانون، والاختفاء القسري، وأحكام الإعدام الجماعية، وحالات القتل داخل السجون سواء نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي، فضلًا عن الزجّ بآلاف المعارضين في السجون.

وقد شهدت حلقة السيمنار التي عُقدت عن بُعد استجابةً لقواعد التباعد الاجتماعي، إقبالًا واسعًا، بحضور عدد كبير من الباحثين والأكاديميين، عبر تطبيق زووم، فضلًا عما شهدته من تفاعل الجمهور المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر ويوتيوب). وفي الختام، فتح الباب للمناقشات التي أدارها الدكتور محمد حمشي، الباحث في المركز العربي، والتي تناولت الأبعاد النظرية والتطبيقية لمفهوم الأمننة، وراوحت بين من اعتنوا بآثار خطابات الأمننة وممارساتها في الوضع السياسي في العالم العربي، وبين الذين يسعون لاستجلاء السبل الممكنة لكشف سياسات الأمننة ومراوغاتها وتعزيز آليات المجتمع الرامية إلى مقاومتها.