Author Search
أنثروبولوجي، ومدير البحوث في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس (EHESS)، والمركز القومي الفرنسي للبحث العلمي (CNRS).

نظّم برنامج السيمنار الأسبوعي الذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الأربعاء 10 أيار/ مايو 2017، محاضرة ألقاها الأنثروبولوجي موريس غودولييه، مدير البحوث في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس (EHESS)، والمركز القومي الفرنسي للبحث العلمي (CNRS). وتناول السيمنار موضوع: "ما البنية؟ ما الثوابت؟ ما الدين؟".

ركز الباحث في محاضرته على أنّ الناظم الأساسي لتشكّل المجتمع هو العلاقات الدينية والسياسية وليس علاقات القرابة التي أكدتها الأنثروبولوجيا التقليدية.

انطلق غودولييه من التذكير بضرورة تحديد مفهوم العلاقة الاجتماعية، وعرّفها بأنّها مجموعة من العلاقات بين شخصين. ومكونات العلاقات المجتمعية مضاعفة وتحتوي على مركب مادي وآخر عقلي، مؤكدًا على سبيل المثال، أنّه لا يمكن أن تتزوج في مجتمع من المجتمعات دون أن تعرف ما هو الزواج في هذا المجتمع، مشيرًا إلى نفيه كل الأنثروبولوجيين الذين يعزلون هذا الجانب عن العناصر أو المكونات الأخرى؛ فلا يمكننا دراسة أيّ علاقة اجتماعية دون دراسة الطريقة التي يرى بها الناس هذه العلاقة. وهو ما يعطيها معنى؛ فعلاقة الأب بالابن ليست هي علاقة الابن بالأب في تعريف طبيعة العلاقة الاجتماعية.

موريس غودولييه

رأى غودولييه أنّ الطبيعة الإنسانية تجمعنا، وبدأنا وجودنا مع الظروف المسبقة لأنّ الناس والبشر على عكس الحيوانات الاجتماعية لا يعيشون في مجتمعات فقط بل يخلقون علاقاتهم الاجتماعية ويطورونها، وتختلف حياة الأفراد بحسب طبيعة مجتمعاتهم. كما أكد أنّ العلاقة الاجتماعية فيها هذا المركب والتمثّل لها أكثر من نظام قواعد مفروض، مثل أن تتزوج المرأة من ابن عمها، وهو ما ينطبق على جزء من العالم الإسلامي.

كما أشار الباحث إلى توافر مجموعة من المكونات تؤثّر في طبيعة تلك العلاقات الاجتماعية؛ فالمركب والتمثّل قائمان على بنى مختلفة. وهو ما طرحه غودولييه خلال السيمنار في تطرّقه لموضوع البنية ورؤيته القائمة على أنّ بنية أيّ منظومة هي العلاقة بين العلاقات والرابطة بين تلك الروابط. وحتى تكون هذه البنية لا بد من وجود علاقات تناغم وعدم تناغم. وإذا أردت إجراء دراسة اجتماعية لا بد من دراسة العلاقة بين العلاقات واكتشاف تلك المنظومة من العلاقات. ويطرح غودولييه تساؤلًا خاصًا بالمسيحيين: هل يمكن تعميد الأطفال من دون معرفة الخطيئة الكونية؟

في حديثه عن الفرق بين العلوم والدين، أكّد الباحث أنّ العلوم تعطي أجوبة جزئية وفي حالات جزئية، أما الأديان فتعطي إجابات عامة لأمور عامة، ولا يمكننا أن نضع الدين محل العلم أو العكس؛ في إشارة إلى ضرورة تكاملهما في تشكيل طبيعة تلك العلاقات بين الأفراد. ولتأكيد ذلك ذهب إلى أنّ اختلاف المجتمعات غير مهم في العلوم الحديثة؛ فإجابات الفيزيائيين واحدة في كل المجتمعات وإن اختلفت دياناتها.

رأى غودولييه في حديثه عن أصل الدولة والاجتماع أنّ المجتمع لا يولد من عقد كما يقول روسو، وإنما فلسفة العقد كانت ضد الحكم الملكي. ثم من خلال نقد فكرة العقد، حاول الوقوف على ماهية العلاقات الاجتماعية التي تسمح لمجموعات بشرية مهما كان نوعها وطبيعتها أن تصنع مجتمعًا؛ وهل علاقات الإنتاج هي التي تحدد المنطق الاجتماعي العام؟ نافيًا هذا في الحالة الماركسية، لأنّ الطبقات موجودة بوصفها منطقًا سياسيًا دينيًا، فتقسيم العمل لا يصنع الطبقات بل الطبقات هي التي تصنع تقسيم العمل.

وأنهى المحاضر السيمنار بتأكيد أهمية إدراك المفاهيم والتأصيل لها جيدًا من خلال توضيح الفرق بين الانتماء القبلي في المجتمع المحلي community والكيان الإثني؛ موضحًا أنّ الانتماء القبلي المحلي يعطينا أرضًا وزوجة وحماية فهناك سلطة تحكمه. أما الانتماء الإثني فيعطينا ثقافة والثقافة لا تصنع مجتمعًا؛ فالمجتمع يتكون من مجموعة من الأفراد الذين تربط بينهم علاقات سياسية، وعلى العلوم الاجتماعية أن تفهم هذه الأمور وتدركها جيدًا.