Author Search
خبير مشارك بمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية. حاصل عَلى دكتوراه الدولة في الليسانياتِ، وعمل أستاذًا للسانيات والنحو في جامعةِ نواكشوط العصرية. كما درَّسَ سابقًا في جامعةِ الإماراتِ، والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية (موريتانيا) ، وأدارَ مركزَ (البحوثِ والإنماءِ) بمنطقةِ أبو ظبي التيعليميةِ 2005 – 2006، وشَغَلَ منصبَ الأخصائيِّ الأول لمناهجِ اللغةِ العربيةِ في مجلسِ أبو ظبي للتعليم (2012 – 2015).
الدكتور مراد دياني رئيسًا والباحث محمد محمود أحمد محجوب محاضرًا في السيمنار
الدكتور مراد دياني
الباحث محمد محمود أحمد محجوب
الحضور المشارك في السيمنار
الباحث أحمد محجوب يجيب على تساؤلات الحضور
زاوية أخرى للحضور المشارك في السيمنار

استضاف برنامج السيمنار الأسبوعي الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، يوم الأربعاء 17 نيسان/ أبريل 2019، الدكتور محمد محمود أحمد محجوب، الباحث المشارك والخبير بمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، حيث قدّم محاضرةً بعنوان "رحلة المعنى في المعاجم العربية: من ’معجم العين‘ إلى ’معجم الدوحة التاريخي‘".

أوضحَ الدكتور محجوب، في البداية، أهمية المعنى في الحياة بوجه عام، وفي اللغة بوجه خاص، وفي المعاجم بوجه أخص. وأشار إلى أنّ أيَّ شيء خَلَا من المعنى فَقَدْ فَقَدَ مبرِّرَ وجوده، وأننا بإنْعامنا النَّظر نَجِدُ أن العلم - بجميع ضروبه - بحثٌ عن معاني الأشياء وحقائقها، وفَكٌّ لرموزها ودلالاتها. ثم قسم المحاضر المعنى إلى معنى لغوي ومعنى غير لغوي، مبينًا أن النوع الأول هو المعنيُّ بالعرض، وأنّه محلّ اهتمام علماء الكلام وعلماء أصول الفقه، والفلاسفة والمناطقة والأنثروبولوجيين وعلماء النّفس والاجتماع ودارسي الفنون والآداب، فضلًا عن علماء اللُّغة القُدامى واللِّسانيّين المعاصرين. لكن أكثر الناس صلة به، مع هذا، هم أصحاب المعاجم.

كما أكد الباحث أنّ المعنى عولج معجميًا في جميع المعاجم بدءًا بمعجم "العين" للخليل بن أحمد الفراهيدي، مرورًا ببقية المعاجم، ووصولًا إلى معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، وأن الغاية من العرض هي: بيان الجديد الذي أضافه معجم الدوحة التاريخي إلى الصرح المعجمي الذي سبقه، في مجال المعنى تحديدًا. ليتناول، عقب ذلك، المعنى من خلال ثلاثة مسارات؛ هي: "مسار الجمع"، ويُعنى بالمتن اللغوي المراد بناء المعجم لخدمته. و"مسار الترتيب"، ويهتم بالمنهج المتبع في ترتيب المداخل المعجمية (ترتيب المادة المعجمية المستخلصة من اللغة العامة)، و"مسار التعريف"، أي: شرح المعاني المتضمنة في الألفاظ.

وبعد أن استعرض الدكتور محجوب الطريقة التي تناولت بها المعاجم المسارين الأول والثاني، أوضح أن الإضافة التي قدمها معجم الدوحة التاريخي للغة العربية تكمن في أمرين اثنين؛ أولهما: اعتماده مدونة تستحضر كثيرًا من نصوص التّراث العربيّ المدوَّن عبر المراحل الزمنيّة المتعاقبة للُّغةِ، خضعت لعمليّات التّصفيّة والتّنميط والوَسْم، وخزنت في قاعدة بيانات إلكترونيّة، قابلة للاستدعاء والمعالجة والتّحليل آليًّا، وثانيهما: استحداثه ترتيبًا داخليًا للمداخل المعجمية على أساس تاريخي، ينسجم والغاية من المعجم التاريخي.

وأكد الباحث – في حديثه عن المسار الثالث – أنّ معجم الدوحة التاريخي للغة العربية ينطلق – خلافًا للمعاجم اللغوية الأخرى – من السياق، أي من النص اللغوي، ليحدد من خلاله المعنى، قبل صياغته تعريفًا، وهو ما يمثل تحديًا حقيقيًا؛ وذلك لاستغلاق كثير من السياقات اللغوية وانبهامها، كما أن المعجم يستثمر المعنى الوظيفي للعبور منه إلى المعنى المعجمي، مضيفًا أن من أهم ما يميز معجمنا تقديمه المعنى في بعده التطوري، حيث يحاول أن يبني لكل لفظ من ألفاظ اللغة ذاكرة. فالفكرة فيه قائمة على أن المعنى يمثل التجربة الإنسانية وتلك مستمرة ولانهائية. كما أشار إلى وجود ما سماه "الكسوف الدلالي" وغموض المعنى في المعاجم التراثية والحديثة، وضرب له بعض الأمثلة ذاكرًا طرائق القائمين على معجم الدوحة التاريخي في محاولة التغلب على مثل تلك الظواهر، بما فيها اعتماد ضوابط معيارية في تحديد المعنى وفي صياغة التعريف.

وعرض الخبير اللغوي نماذج من التطور الدلالي لبعض الألفاظ الحية كيف كانت، وكيف أصبحت، وانتهى بعد عرضها إلى خلاصات تؤكد أن المعجم التاريخي يمثل إرثًا حضاريًا وثقافيًا تنعكس على صفحاته الحياة الاجتماعية لمتحدثي اللغة العربية عبر الزمن، فمادته تشكل مجالًا دسمًا للدارسين الأنثروبولوجيين وغيرهم، وتحديده للدلالات في صلتها بالزمن والقائلين سيسهم في حل كثير من المشاكل الفكرية والمصطلحية المتراكمة. كما ذكر أن تجربته مع المعنى، في رحلته عبر المعاجم، أظهرت أن كثيرًا مما يصنف خطأً معجميًا لا يعدو أن يكون ملاحظات تعكس اختلافًا في المنهج والرؤية، أو عدم تقدير لمرونة اللغة العربية في بعض الجوانب كتداخل الجذور المتشابهة البنية.

وختم الباحث عرضه بأنّ ما يظهر الآن من معجم الدوحة التاريخي للغة العربية شبيه بقمة جبل الجليد التي تخفي تحتها قاعدة عملاقة، وأن رحلة المعنى ستنجلي انجلاءً أوضح يوم يستوي معجم الدوحة على سُوقه، ويصل إلى العصر الحديث مكملًا جميع مراحله التي لم يكتمل منها – حتى الآن – سوى المرحلة الأولى.

وبعد الانتهاء من العرض، أغنى الحضورُ موضوع المحاضرة بالمداخلات والأسئلة التي شملت: الألفاظ العجمية من حيث تطورها، والمصطلح الفلسفي في صلته بالمعجم التاريخي، والعلاقة بين المعنى السياقي والمعنى المعجمي، ودور اللهجات في كشف بعض المعاني المستغلقة، والإفادة من تجارب الأمم الأخرى في بناء معاجمها التاريخية.