الجلسة ألأولى
عبد الفتاح ماضي
ريما ماجد
باسل صالح
نور كلزي
جيل سماحة
فيرينا العميل
عبيدة التكريتي
الجلسة الثانية
علي مراد
حسين العشي
هبة الدندشلي
ماهر أبو شقرا
ناجي أبوخليل

استضاف مشروع "التحول الديمقراطي ومراحل الانتقال في البلدان العربية"، في سيمناره الشهري، الذي عُقد عبر تطبيق زووم، يوم الأربعاء 16 حزيران/ يونيو 2021، عددًا من نشطاء الحراك الثوري في لبنان، الذي بدأ في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019.

استُهل السيمنار بتقديم قصير لمنسق المشروع، الدكتور عبد الفتاح ماضي، أوضح فيه أن هذا السيمنار يأتي ضمن سلسلة من السيمنارات التي يعقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وغايتها رصد وفهم ما جرى في ما بات يسمى "الموجة الثانية للربيع العربي". بدأت هذه السلسلة بسيمنار عن العراق عقد في أيار/ مايو 2021، ويخطط إلى أن تغطي السلسلة الجزائر والسودان كذلك. ورحب ماضي بالمشاركين، منوهًا بأهمية إلقاء الضوء على هذه الحراكات عبر الاستماع لصوت الفاعلين المباشرين فيها والتحاور معهم، بما يجسّر المسافة ما بين الأكاديميا وناشطية الحركات الاجتماعية الداعية للتغيير.

أدارت الجلسة الأولى الدكتورة ريما ماجد، أستاذة علم الاجتماع بالجامعة الأميركية ببيروت، والناشطة السياسية وعضو تجمع "مهنيات ومهنيون " الذي أسهم في الحراك. ورسمت ماجد، في البدء، الخطوط العريضة لهذا الحراك بوصفه موجة ضمن الحراك الأكبر الذي بدأ في العالم العربي قبل عقد. وبينت أن المساهمين في السيمنار يعكسون وجهة نظر بعض الفاعلين ضمن الموجة الاحتجاجية التي عرفها لبنان، ولكن الحراك يظل أكبر من أن يدّعي أحد تمثيل طيفه السياسي والاجتماعي العريض. وأوضحت أن هذا السيمنار يركز على خبرة العمل في الحركة الاحتجاجية بلبنان، منذ بدء حراكات الربيع العربي، ليفهم طبيعتها وخرائط فاعليها ويلقي نظرة على قضاياها التنظيمية. ثم قدمت ماجد المشاركين في الجلسة الأولى، وهم خمسة من فاعلي الحراك: الدكتور باسل صالح، الأستاذ في الجامعة اللبنانية والناشط السياسي؛ ونور كلزي، وهي ناشطة حقوقية وعضو في حركة "مواطنون ومواطنات في دولة"؛ وجيل سماحة، وهو مهندس ومؤرخ وعضو لجنة الدراسات والتثقيف في المرصد الشعبي لمكافحة الفساد؛ وفيرينا العميل، وهي ناشطة سياسية وحقوقية وباحثة في القانون المقارن وعضو "شبكة مدى الشبابية"، وعبيدة التكريتي، وهو ناشط سياسي ومفوض الإعلام في حركة "مواطنون ومواطنات في دولة".


دارت النقاشات حول مجموعة من المحاور، اختص أولها بتأطير لحظة الثورة، ووضعها في سياقها، وبيان موقعها ضمن السياق الأوسع للربيع العربي، وضمن الحراكات المنادية بالديمقراطية والعدالة في العالم. وقد شدد المتحدثون على المسار التاريخي الممتد لهذا الحراك الذي مثلت "لحظة تشرين" ذروته، إلا إنه يمكن مده إلى لحظة تأسيس النظام الطائفي، مرورًا بمحطات مهمة بمسار اشتداد الأزمة البنيوية التي دخل فيها النظام، لعل أبرزها ما عرف بـ "حركة اسقاط النظام الطائفي" في عام 2011، التي عكست الكثير من تراكمات أزمات عامي 2005 و2008، ثم دخول النظام الطائفي تحت سيطرة حزب محدد وقوة سياسية محددة، مع اشتداد ضغوط النظام النيوليبرالي، وتحكم المراكز الاقتصادية والمالية في مفاصل السياسة في لبنان. وأشار المتحدثون إلى مجموعة من الحراكات الأساسية في هذا المجال، كحركة النساء ضد قوانين الحضانة، وأزمة الانتخابات النيابية، وإضراب الخمسين يومًا لأساتذة الجامعات، التي شكّلت زخمًا متنوعًا من المطالب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، رفقة المطلب السياسي، وخلّفت مناقشات عميقة حول كيفية الوقوف بوجه النظام والاشتباك الشعبي مع ركيزته، وهي أيديولوجيا النظام الطائفي ذات الوجهة النيوليبرالية.

وعلى نحو مفصّل، تحدث المشاركون عن الأزمات المتتالية التي كانت تثبت وصول النظام إلى حالة من التجمّد السياسي والعجز، وشكلت الفتيل الذي أشعل الغضب الاحتجاجي، من قبيل أزمة الحرائق، وفرض الضرائب على الاتصالات عبر الإنترنت. وقد ترافقت هذه الدعوات مع مشاورات قاعدية في عديد المناطق ومختلف المدن اللبنانية. من هنا كانت البداية بالشعارات المطلبية. ومع تكرار الأزمات الخانقة، تبين المجتمع أن النظام الذي يعيش في ظله يستحيل العيش معه، بما ينتجه من تفاوت حاد وانعدام للعدالة. لذا، تشكل وعي بضرورة التغيير، بحسب المتحدثين، رافق ذلك الوضع الضاغط على أغلب أطياف المجتمع وطبقاته المختلفة، في ظل معاناة الحياة اليومية، لتعم آثار الأزمة المجتمع كله، حتى صار تعريف "الثائر" بأنه كل شخص ينتفض بوجه الكيانات الجندرية والعرقية والاقتصادية والسياسية التي تنتج النظام الطائفي، وينخرط في رفض كل هذه الشبكات الزبائنية وأدوات التنميط الاجتماعي وصور التعليم البالية والممانعة للهويات المتعددة.

وأوضح المتحدثون أن الأساس في الحراك هو جيل الشباب المسيّس، الذي حضر إلى السياسة مجبرًا لكي يجد الفرصة لتحصيل حقوقه، ثم انخرط في الكيانات التنظيمية والحركية الجديدة؛ وهو جيل يرفض الواقع المفروض وقد حمل مسؤوليته بوصفه مواطنًا، لفرض تصوراته الجديدة. ويمكن تسمية هذا الجيل "جيل تشرين"، وقوامه الأساسي هو الحركة الطلابية النشطة.

وهكذا، يلاحظ المتحدثون، حدث الانتقال من المعيشي المطلبي إلى السياسي، فانتقل الخطاب من مكافحة الفساد وتغول الشركات الذي أنتج أزمات منها أزمة القمامة وحتى المطالب النسوية، وصولًا إلى مستوى أكثر وضوحًا في توجهه السياسي، باعتبار أن الصراع هو – في الأساس - ضد طبقة سياسية واسعة مهيمنة، تترابط حركتها، لتنتج الأزمات العديدة التي يحتج بسببها الناس. وهكذا، برزت العديد من المطالب ذات الطابع العمومي، التي تبنتها سريعًا أغلب الحركات الفاعلة، وباتت تشير إلى توجهات تغيير محددة للنظام. من هنا، لم يكن مستغربًا أن يتشكل شعار "كلن يعني كلن"، بروح الإصرار التي عكسها، وبما يتضمنه من طموح إلى تغيير جذري واسع يطيح الطبقة السياسية والنظام الطائفي، وينهي سطوة السرديات التي هيمنت على الحالة السياسية اللبنانية. لقد عكس الشعار، بحسب المتحدثين، حقيقة الشعور باسترداد الجماهير لقوتها وقدرتها على فرض إرادتها الجماعية، التي انتهت بإسقاط الحكومة. 

ورأى المتحدثون أن تغول النظام الطائفي وارتباط ذلك بحالة التفاوت المعيشي الحاد في لبنان، أسهما في الدفع بوعي جديد، أخذ بعدًا جيليًا متجاوزًا الطوائف، لتتشكّل قناعات عبر هذا المسار التاريخي الممتد، بضرورة بروز أصوات تعبّر عن أزمة المجتمع، تعمل من خارج المنظومة المهيمنة، وبعيدًا عن قواعد إدارتها المطيّفة. وقد انخرطت في هذا الحراك الشرائح الاجتماعية البعيدة عن المركز، الذي تكتلت فيه القوى الرأسمالية والطائفية. وبهذا، ضم الحراك فئات من قبيل اللاجئين، والعمال الأجانب، والمغتربين، وسواهم.

هكذا، يلاحظ المتحدثون أن الفئات الاجتماعية التي انخرطت في الاحتجاج كسرت التصنيفات التقليدية المفروضة، التي تعيد إنتاج المنظومة الطائفية. ومن ثمّ، استنتج المتحدثون أن عملية تفكيك النظام الطائفي، الذي تجاوز عمره القرن وتكرّس في سائر مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية، ينبغي أن تجري من أسفل إلى أعلى، ليحلّ الوعي بالتنظيم وامتلاك قدرات حركية فضلًا عن تصور للتغيير مختلف، محل التكتلات الرأسمالية والطائفية، في التعبير عن مصالح المجتمع. وفي هذا، تطورت الحركات الاجتماعية المطلبية والسياسية وحدثت تعبئة واسعة منفتحة على أطياف المجتمع المختلفة، وإن لم يتبلور مشروع متكامل يطرح منظومة بديلة من النظام الطائفي.

وأشار المتحدثون إلى أن الأحزاب والمجموعات ضمن هذا الحراك زادت، وانكسر الكثير من القناعات السياسية بعين هذا الجيل الجديد. وقد استهدفت التصورات الجيلية التحرر من قهر السلطات على اختلافها؛ سواء أكانت اجتماعية أم سياسية. وقد تمكن هذا الجيل من التحرك في مساحات أكبر من الأجيال الأسبق التي ابتلعت العلاقات المفروضة السياسية والاجتماعية. وبيّن المتحدثون كيف تصاعد، في سياق تشرين، الخطاب الاحتجاجي في مجابهة سردية النظام والقناعات التي استطاع تسييدها في المجتمع، وهو خطاب أسهم في جعل تشرين لحظة فارقة.

وفي الخلاصة، جاءت ثورة تشرين يمخيال سياسي جديد، تراكمت عناصره من الحراكات الأسبق، وبالخصوص تلك التي اندلعت وتتابعت منذ عام 2011، ولكن كان لانضمام جيل جديد مسيّس دوره في رفد هذا الخيال الجديد.

واليوم تفرض مآلات الحراك الانتقال من مرحلة التفاؤل والأمل، الذي صاحب بواكير لحظة تشرين ونجاحها في إنفاذ إرادة الناس، إلى مرحلة أخرى، قوامها الإصرار وعزيمة الاستمرار. ولذلك، أجمع المتحدثون على أنه لا تزال هناك فرصة للتغيير لا يجب تضييعها، فالقوة التي استعادها الشعب المنتفض وقدرته على التحدي صارت رقمًا في الحياة السياسية اللبنانية. والأهم أن ثمة إدراكًا من الشعب والقوى الناشطة في الحراك لطبيعة أزمة النظام، وتعدد مناحي التغيير المطلوبة؛ فخطاب التغيير واسع، والصراع لأجل التغيير ليس صراعًا قصير المدى، والمطلوب هو التخطيط لمسار أطول وأكثر قدرة على الضغط، فثمة أبواب للتغيير الاقتصادي، والبناء لبدائل سياسية حزبية، تحتاج إلى دفعة تنظيمية وتشكيل تصورات وطرحها للنقاش. وهذا كله يقتضي من القوى الفاعلة القبول بالمواجهة خيارًا يوميًا لإنجاز هذه التصورات والعمل على إنتاج شروط جديدة للتغيير على مستويي المجتمع والدولة.


أما الجلسة الثانية، التي دارت على محور أساسي، هو "تنظيم قوى الثورة، وتصنيفها، والعلاقة بينها، وآفاق الحركة الاحتجاجية"، فأدارها الدكتور علي مراد، الباحث القانوني والناشط الفاعل في الحراك، الذي قدّم للجلسة بتأكيد طبيعة المسار الطويل للتغيير في سياق ساحات تغيير تعددية وفضاء عام متنوع، وهو ما يطرح سؤال الانتظام، وكيف نشأت المجموعات الاحتجاجية المنادية بالتغيير؟ وما طبيعتها؟ أهي أحزاب سياسية؟ أم مجتمع مدني؟ أم شيء آخر؟ وهل لها قيادات؟ وهل تُنسِّق في ما بينها؟ وهل تملك هذه المجموعات جدارة تمثيل المطالب الاجتماعية؟ وكيف انتظمت المجموعات للتعبير عن القواعد الاجتماعية؟ وما صلتها بالفضاء السياسي التقليدي؟ وما طبيعة التنظيم المطلوب؟ وكيف نقيّم فاعليته؟ وأخيرًا، لماذا انحسرت الحركة الاحتجاجية في الشارع؟ وما مستقبلها ومستقبل هذه المجموعات؟

وقدّم مراد النشطاء المشاركين في الجلسة، وهم: ناجي أبو خليل، الباحث بمركز نوريا للأبحاث وعضو حزب الكتلة الوطنية، وماهر أبو شقرا، الناشط السياسي وعضو حركة "لحقي" وأحد مؤسسي فريق "تضامن" العامل في مجال التمكين الاقتصادي، وهبة الدندشلي عضو تنظيم "منتشرين"، وحسين العشي المحامي والناشط السياسي، وأمين عام تنظيم "منتشرين".

بدأت الجلسة بالتعريف بالكتلة التي نزلت إلى الشارع في خريف 2019. واتفق المتحدثون على أن حجم الإقبال على دعوات الخروج فاق بكثير توقعات القوى الداعية للاحتجاج، على نحو جعل من تنظيم وتنسيق حركة هذه الكتلة الكبيرة تحديًا غير مسبوق، على الرغم من أن بعض القوى لها خبرات تنظيمية تسبق حراك 2019. ولكن التحدي الأكبر، بحسب المتحدثين، كان في التنسيق ما بين المجموعات التي ترفع الشعارات ذات الطابع المطلبي، والاتفاق في ما بينها على مسار حركي يعزز صوت الناس، ولا سيما حين انتقلت الحركة الاحتجاجية من المعيشي المطلبي إلى السياسي.

واستعرض المتحدثون أنماطًا وتصنيفات للقوى التي تشكّل منها الحراك، ومنها أحزاب وحركات جاء نشؤوها سابقًا على تشرين. ويشمل هذا بعض المجموعات النقابية والفئوية. وهناك أحزاب وحركات نشأت في سياق تشرين (وضمت العديد من الحركات المهنية والمناطقية). وهناك مجموعات العمل المباشر والحركات على الأرض، فضلًا عن المجموعات النسوية والبيئية وغيرها. وحاجج المتحدثون بأن اتساع الخريطة التنظيمية للحراك هي انعكاس مباشر لاتساع رقعة المتضررين من النظام ومن أساليبه في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، وهي تعبير كذلك عن تكلّس البنية الحزبية المرتبطة بالنظام وفشلها في استيعاب الناس والتعبير عن مطالبهم.

وناقش المتحدثون الصعوبات التي اعترضت الجانب التنظيمي، وما يتعلق بتفاوت حجم التأييد والقواعد المناصرة للحركات على انفتاحها وقبولها للحركات الأخرى الأصغر أو الأكبر، ومدى تأثير الخلفيات الطبقية والجهوية على هذا التنسيق. كما نوقشت مصائر الحركات، من الاندماج في حركات أكبر، أو الانتهاء بعد أداء الدور الاحتجاجي، أو التحول إلى حزب سياسي بالمعنى التقليدي، أو إعادة التشكّل كمنظمات مجتمع مدني.

وأشار المتحدثون إلى وسائل التنسيق بين الأحزاب والحركات والمجموعات التي التأمت في خلال الحراك، وكيف كان المطلب السياسي يُبنى بشكل عضوي وبمشاركة واسعة. ثم ناقشوا مسألة توحيد القيادة والسعي لتشكيل مكون قيادي للحراك، وهل هي ضرورة أم لا. وبينوا أن أمر الاجتماع تحت مطلب واحد وقيادة واحدة كان أمرًا صعبًا في ظل التنوع الكبير والعفوية التي انطلق منها الحراك، وكذلك لسبب يتعلق بعدم الثقة بالزعامات، الذي انعكس على ثقافة القيادة والثقة السياسية. وقد كان للعدد الكبير لمجموعات الأرض، التي تُعنى باليومي والمناطقي، إسهامه في تأجيل الالتئام تحت حزمة مطالب موحدة وقائد واحد.

وناقش المتحدثون دور شبكات التواصل الاجتماعي في الحراك، وهل كانت عنصرًا إيجابيًا أم سلبيًا، وكذا آثار جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) على استمرارية الحراك، وما أحدثته من إعادة تموضع النظام على مسار الحركات الاحتجاجية. وأكد المتحدثون على أن استمرارية العمل السياسي اليوم يتطلب تطويرًا تنظيميًا وتشكيل تصورات سياسية أكثر تماسكًا وتبلورًا.

وقد شهدت الجلستان نقاشات واسعة، وأسهم الحضور، الذي تنوّع بين أكاديميين وناشطين، بعديد الملاحظات والتعليقات على مداخلات المتحدثين في الجلستين.