مدير برنامج الآداب الحرة وأستاذ مشارك في قسم الأنثروبولوجيا بجامعة نورث وسترن في قطر.
استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 18 أيلول/ سبتمبر 2024، الدكتور سامي هرمز، مدير برنامج الآداب الحرة وأستاذ مشارك في قسم الأنثروبولوجيا بجامعة نورث وسترن في قطر، الذي قدّم محاضرة بعنوان "مشهد الحرب في المشرق: القومية المنهجية وسياسة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي".
استهل الباحث محاضرته بالإشارة إلى الأحداث التي أعقبت بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث أعلنت قوى المقاومة في لبنان والعراق واليمن دعمها لعملية "طوفان الأقصى" وعزمها على الاشتباك مع القوات الإسرائيلية. واعتبر أن هذا التضامن يؤكد أن رؤية المجتمع من خلال الأراضي القُطرية/ الوطنية وتقييد فهم الحرب والصراع ضمن الحدود الوطنية هو تحريف للواقع المعيش.
وانتقد ما أسماه "القومية المنهجية" في الأبحاث الأكاديمية، والتي تأخذ الجماعات الوطنية والحدود على أنها مسائل وجودية وطبيعية. ودعا إلى تخيّل مستقبل بواقع إمبريقي مختلف وغير قومي، حيث يمكن تخيل أفق تتفكك فيه الدولة/ الأمة، مثل الدولة اللبنانية والأردنية والسورية، وتختفي معها كذلك سياسات الهوية المتأصلة فيها.
وطرح تساؤلات عن كيفية فهم العنف - بما في ذلك الاستعمار الاستيطاني – انطلاقًا من مشهدية الحرب، أو المناظر الطبيعية كوحدة واحدة، مع الحفاظ على التمييز بين تجارب هذا العنف في المساحات المحكومة بصور متباينة. وتساءل عن كيفية فهم الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية ضمن مشهد حربي واحد، بدلًا من حصرها ضمن كيانات وطنية بحدود ثابتة.
واستعرض مفهوم "مشهدية الحرب" الذي قدمته كارولين نوردستروم وطوره باحثون آخرون، والذي يسعى للنظر في الأجندات المعقدة للنضالات الاجتماعية ومختلف الفاعلين الاجتماعيين، متجاوزًا التركيز على العنف المباشر. وأوضح أن هذا المفهوم يسمح برؤية امتدادات الحرب عبر الجغرافيات المختلفة.
وشدد على ضرورة تجاوز الحدود ورؤيتها من منظور أراضٍ وهويات مترابطة، بدلًا من التفكير في الصراعات المحددة ضمن الحدود الوطنية. واعتبر أن مفهوم مشهدية الحروب يمكن أن يكون نقطة انطلاق للتفكير فيما وراء القومية المنهجية.
ودعا إلى ضرورة مواجهة الهويات والذوات العرقية المرتبطة بالدولة الحديثة، بدلًا من التعايش معها وبناء الأبحاث والسياسات على أساسها. وحاول تقديم طريقة مختلفة للحديث عن بلاد الشام، بحيث لا تأخذ الدولة أمرًا مسلمًا به أو غاية مرغوبة. وأكد أن مكافحة التطبيع بطرائق منزوعة الطابع القومي أمر أساسي، ويتطلب من الباحثين مقاومة الميل نحو القومية المنهجية في بناء مشاريعهم وكتابة أعمالهم. واعتبر أن هذا النهج ضروري لمواجهة سياسة التطبيع مع إسرائيل، التي وصفها بأنها مشروع قومي أساسي وأداة لفرض خيالات قومية عنصرية.
وعقبت على المحاضرة الدكتورة آمال بشارة، أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة تافتس، التي أشادت بتمييز الباحث بين سياسة مناهضة التطبيع المتمركزة حول الدولة، وتلك المتمركزة حول التعبئة الشعبية. وتساءلت عن إمكانية استخدام الإثنوغرافيا لمعالجة التوترات المتعلقة بـ "العرق" و"الموقعية" و"المؤسسة" التي تخلق سياسات مختلفة لمناهضة التطبيع. وأشارت إلى أهمية مفهوم "مشهدية الحرب" في فهم الفروقات الدراماتيكية في أشكال العنف عبر المساحات المختلفة في الشام. وتساءلت عن إمكانية توسيع هذا المفهوم ليشمل مناطق أخرى خارج الشام، وكيفية التفكير خارج الهويات العربية والصهيونية.
وطرحت تساؤلات عن التحديات التي تواجه القيام بأبحاث أنثروبولوجية تتحدى القومية المنهجية، وعن العلاقة بين نقد القومية المنهجية ونقد القومية نفسها. وتساءلت عن مستقبل الهوية الفلسطينية في سياق تجاوز القومية، وكيفية الحفاظ على التركيز على التجارب والمشاعر المتعلقة بمشهد الحرب مع تحدي القومية في الوقت ذاته. واختتمت تعقيبها بالإشادة برؤية هرمز اليوتوبية للمستقبل، وتأكيده ضرورة انخراط العمل الأكاديمي في الواقع وإلهامه.
وأعقب المحاضرة نقاش موسع شارك فيه باحثون وأكاديميون من المركز العربي ومعهد الدوحة للدراسات العليا، تناول إشكاليات "القومية المنهجية" في الدراسات الأكاديمية، وسبل تجاوزها في فهم الصراعات في المنطقة. وناقش المشاركون أيضًا التحديات المرتبطة بتبني مقاربات تتجاوز الأطر القومية في دراسة قضايا المنطقة، وانعكاسات ذلك على الممارسة البحثية والسياسية.